ميل الرجال للنساء

ميل الرجال للنساء

خالص جلبي

[email protected]

(1)

يقولون الحب يعمي ويصم، وصديقي إدريس المغربي من أحفير قال لي في باريس؛ أنا أفهم شيئا واحدا من الحب؛ هو الجنس والتقارب البيولوجي، مهما كتب الشعراء حوله من حب أفلاطوني عذري وتغنوا..

والميل بين الرجل والمرأة لا يتوقف وينضب، ولو بلغت المرأة الثمانين والرجل التسعين، كما جاء في رواية الحب في زمن الكوليرا، فهي ميول عاتية، تشبه قوى الطبيعة، مثل عويل الريح، والعاصفة المزلزلة، والرعد الحارق، والبرق اللامع....  

ومنذ أيام اجتمعت برجل كبير السن، قد تزوج بمن هي أصغر من  أصغر بناته فتعجبت؟!

وقلت الطبيعة تتكلم، والحياة زخم لا يتوقف.

ولكن هل سيلبي رغباتها؟ ويشبع عواطفها؟ وهل ستتكيف هي بدورها مع رغباته، وهل سيحصل التجانس بينهما؟

أجبت نفسي بنفسي: الزمن سيظهر ذلك؟

وذكر لي رجل كبير السن أيضا، أنه اجتمع بامرأة مليحة مترددة في الزواج؛ فأكثر النظر إليها فخبأت وجهها وقالت لا تحدق في؟ فقال لها يبدو أنك لن تستطيعين الحسم واتخاذ القرار، ولذا فليس علي سوف خطفك؛ فذهلت واستسلمت وتزوجته!

واعرف رجلا تركمانيا، من منطقة قاسيون في دمشق، بلغ من الكبر عتيا، وتقوس ظهره، وانتفخ جيبه، ولكنه أبى إلا الزواج من صبية وضيئة مليحة؟ فمات بعد قليل وورثت منه الكثير؟

وهناك دراسات تؤكد الحب من النظرة الأولى، ولكن لا يعني أن الزواج بعدها سيمشي سويا عل صراط مستقيم.

ولكن عجائب الاختلاف والتقارب، يجعلنا نوقن أن هناك سر بين الذكر والأنثى لا نحيط به علما، والأكيد هو ذلك الميل الذي لا يقف ولا يهدأ ولا يبرد ويفتر إلا برقدة الموت.

وفي الجنة حور عين كأنهن الياقوت والمرجان؛ فتعود السيرة من جديد أعنف وأعتى على نحو مختلف، ولكن نبعها واحد؛ الخلود...

ففي الجنان لا يذوقون الموت إلا الموتة الأولى ووقاهم عذاب الجحيم، وفي الدنيا الزواج هو ضد الموت، بولادة ذرية تخرج، تعقب ذرية تودع.

وذرية بعضها من بعض والله سميع عليم.

سنة الله في خلقه..

والله خلقكم من ضعف، ثم جعل من بعد ضعف قوة، ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء..

والزواج هو حفلة عامرة في الانتصار على الموت، ومتابعة الأجيال رحلتها على الرغم من منجل الموت، الذي يحصد كل ليلة 140 ألفاً من الأنام، فيدلفون إلى القبور، في رقدة العدم فمستقر ومستودع، قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون؟

وإذا كان الزواج هو المصل واللقاح ضد الموت؛ فإن الجنة فيها متعة الزواج بدون خوف الموت، ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون...

وعندهم قاصرات الطرف أتراب.. وأزواج مطهرة... ولهم فيها ما تشتهي أنفسهم ولهم ما يدعون...  سلام قولا من رب رحيم..

ومن الدراسات التي ظهرت على السطح أنه ما اختلى رجل بامرأة في غرفة منفردة،  إلا قفز عنده هورمون الفحولة، وغلت مراجل الرجولة، وقد قامت جامعة (جرونينجن Groningen) في ألمانيا بالتحقق من ذلك، عند طريق دراسة مستوى هورمون الذكورة (التستوسترون Testosterone) في لعاب الذكورة، فتبين أنه صعد 8% عن المستوى العادي..

وهو أمر ذكره ابن حزم الأندلسي في كتابه طوق الحمامة في الألف والإيلاف، وأنه ماخلا رجل بامرأة أو التقى بها، إلا حصل بينهما شيء غير عادي، ليس حراما وعيبا، ولكن من محاولة الظهور أو التظاهر وما شابه وتزبيط الشكل والهندام والغطرة والطاقية، وقالت الدراسة أنه ارتفاع مستوى هورمون الذكورة التستوسترون يحصل، ولو كان اللقاء مع امرأة غير جذابة!

وهو يذكر بالحديث أنه ما اختلا رجل بامرأة من غير محرم إلا وكان الشيطان ثالثهما؟

(2)

من النتائج العجيبة التي حصدتها دراسة عشوائية لرجال، قامت بها جامعة جرونينجن، حيث التقى رهط من الرجال بنساء بدون ترتيب وإخبار مسبقين، فيلتقون بغير ميعاد وموعد، ثم سؤالهم بعد ذلك عن رأيهم في جاذبية تلك النسوة؟ أن مستوى هورمون الذكورة (التستوسترون) ارتفع عند الرجال في اللقاء بمقدار 8% حتى لو كانت النساء غير فاتنات! وتم التحقق من ذلك بفحص اللعاب بعد اللقاء؟

وكان ذلك عند 63 شخص خضعوا للتجربة؟

وهذه القصة تذكرني بالجو الاجتماعي المسيطر، الذي عاشه يوسف عليه السلام في المجتمع الفرعوني قديما، كيف بلغت وقاحة وجرأة تلك النسوة أن حدقن و(بحلقن) وأزلقنا النظر في الشاب الوسيم، إلى درجة جرح الأصابع بالسكاكين في وليمة متخمة من فرط النظر والتحديق؟  مثل حوادث السيارات؟

لتقول امرأة العزيز أنا مصرة على اغتصابه؟ ولئن لم يفعل ما آمره ليسجَنَنَّ (بالتوكيد) وليكونن (بتخفيف النون) من الصاغرين، كونها كانت متأكدة من سجنه، ولم تكن متأكدة من ذله؟

وكلما قرأت سورة يوسف اجتاحتني مشاعر شتى، من الأمل والتعجب من طبيعة المجتمعات المنحرفة، وتأويل المنام الذي كان صادقا عند من هو ليس بصادق من أئمة السياسية الكذابين؟ وكيف تحققت عقدة الرواية من منام يوسف ومعنى السجود، وأن يوسف عاصر احتلال الهكسوس لمصر في مدة الـ 150 سنة، التي حكموا فيها مصر في الألف الثانية قبل الميلاد، ولذا استخدم القرآن لفظة الملك ولم يستخدم فرعون، وهي حقبة مقطوعة بين سلالتين حاكمتين من الفراعنة مع الاحتلال، كما تلقي الظل على معنى تعذيب بني إسرائيل بعد ذلك لأنهم تكاثروا مع المحتلين فكانوا الطابور الخامس؟

والقرآن قطعة فنية فريدة من الدقة والبلاغة والتحليق والمعنى والنقل التاريخي الموثق يتعجب فيها المرء ويبكي ويأمل؛ فبعد أن فقد يعقوب الولد الثاني، أدرك أنها النهاية، فوجب أن يجتمع بالاثنين وكان، وهو درس لنا أن من يفقد الأحبة سيجتمع بهم ولو في الضفة الأخرى من الحياة؟؟

وأرجع إلى الدراسة من جامعة جورنينجن فقالوا بأنه ما اجتمع رجل بامرأة إلا تحول في حضرتها رجلا آخر، فعدّل مشيته وانتصب، ورفع صدره فعرض، ولوح بيديه مبالغا، وكرر في انتصاراته المهنية فحلق، ونفخ بفتحتي أنفه مثل الطاووس..

أما إذا اجتمع بامرأة يعرفها من قبل ويميل لها، فلا تمر خمس دقائق ألا ومستوى التستوسترون عنده ارتفع؟

وهذه الأعراض تظهر أوضع عند الرجال العدوانيين والميالين للسيطرة، فتفضحهم من حيث لا يشعرون، كما يقول فرويد؛ أن السلوك يفرز من التصرفات بأشد من العَرَق من المسام.. كل ما يحتاجه المرء تصيد الهفوات والكلمات والحركات؟

ويقول السيد (ليندر فان در ميج Leander van der Mij) الذي أشرف على الدراسة، أن هذا الأمر طبيعي، وهو ارتكاس بيولوجي آلي نظمته الطبيعة في أجسامنا، كي نتقارب ونتزاوج؟

وأحيانا بتعجب المرء من أعجاب رجل بامرأة؛ أسنانها مفشكلة، وجلدها مجعد، وصوتها نعيب غراب، وتصرفاتها طفولة لم تنته، ولكنها الحياة؟ فلولا ذلك ما تزوج الرجال بالنساء، وما نفق سوق النساء قط.

وقصة الأمير تشارلز بين ترك الشابة الفاتنة ديانا، والإيواء إلى العجوز عادية المظهر والجمال، وهي ليست القصة الأولى في تاريخ العائلة المالكة، فمن قبل من تنازل عن العرش لامرأة مطلقة أربع مرات وعجوز أيضا؟؟

آية للمتوسمين... إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين؟؟