أمريكا على حافة الهاوية
09آب2008
منى العمد
منى محمد العمد
لست أعلم الغيب ولكن صدقوني عندما أقول لكم إنها تسير نحو الهاوية أعلم ذلك يقينا ، حتى لكأني أنظر إلى مصارع القوم ، وكأني أنظر إلى قريتهم الظالمة وهي خاوية على عروشها ، وأنظر إلى بئر معطلة بها وقصر مشيد !!. {{ وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يؤمنون }}.
لقد بدأت حضارة الغرب طريقها نحو السقوط المريع ، منذ أن اعتمدت الماديات وحدها ، وظنت أن معرفتها بظاهر من الحياة الدنيا يغنيها عن ربها ، فغفلت عنه افتتانا بما وصلت إليه من العلوم الطبيعية والمعارف الكونية . {{يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون }} ! هيأ لها الغرور أنها وصلت إلى القمة ، بلغت مبلغا لم يسبقها إليه أحد ، واستمرأت وهي تجلس على القمة أن تحكم بما شاءت , تعودت أن تأمر فتطاع دون اعتراض من أحد حتى لم تعد ترى حدود طغيانها ، تاهت على الدنيا ، كبر عليها أن يلوح في وجهها بحق النقض الذي طالما استخدمته هي لتحول به بين الشعوب وبين حقوقها , فتجاوزت كل الأعراف الدولية التي دعت إليها , وداست إرادة الشعوب بما في ذلك شعبها , وغلب عليها الشعور بالعظمة , فمضت تستعرض قوتها تقول : من أشد منا قوة ؟؟ وفي غمرة إحساسها بالعظمة , أخذتها نشوة الحلم بسيادة الكون وامتلاك الدنيا فارتفعت عن الأرض وطارت في السماء , وغاب عنها وربما عن كثيرين معها أنها إنما تطير بجناح واحد , وهو الجانب المادي لحضارتها البتراء , وأغفلت عن عمد أو عن جهل الجانب الروحي الذي كان يمكن أن يحقق لها نوعا من التوازن , فنسيت ونسي المغرورون بها ومعها أن من طار بجناح واحد يوشك أن تخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق. "أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم, كانوا أشد منهم قوة وأثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمروها وجاءتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون " " الروم 9 "
فرحوا بما أوتوا واستمرأوا الطغيان, هيئ لهم أنهم بلغوا حدا فيه يحكمون فلا معقب لحكمهم , ومن الواجب أن تطأطيء لهم الجباه وتنحني لهم الرؤوس, من حقهم أن يحاسبوا الناس وليس من حق أحد أن يسألهم , هم يفعلون ما شاءوا , يغزون الناس في عقر دارهم , يقتلون ويجرحون ويأسرون , يمثلون بالقتلى و يعذبون الأسرى ثم ينتظرون من الآخرين أن يحترموا أسراهم من ذوي الدماء الزرقاء , حسب الأعراف والمواثيق التي خرجوا هم عليها , أليس عدوانهم على شعب العراق هو خروج عن المنظمة الدولية وإرادة الشعوب ؟! هؤلاء هم المطففون؛ الذين إذا كان الكيل لهم طالبوا به كاملا غير منقوص , بينما هم ينقصون ويخسرون إذا كان الكيل لغيرهم . وهؤلاء هم الذين توعدهم الله تعالى بالويل والثبور . نعم إنهم يطففون ؛ تقول وسائل الإعلام : إن أمريكا تكيل بمكيالين , وقد أعجبني أخيرا قول أحد المعلقين إذ قال : كم نظلم أمريكا عندما نقول ذلك , إنها تكيل بألف مكيال بل إن لها حقا مكيالا لكل قضية يتناسب مع رءواها ومصالحها.
وتظن أنها في منجى من المساءلة لأنها الدولة العظمى , إنها عظمى ولكن ليس في تقدمها التقني فقط بل هي عظمى أيضا في ظلمها وطغيانها "" وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها وإلي المصير "" 48 الحج
إنها الدولة العظمى التي يخرج زعيمها على الناس بوجهه الكالح مرة وبقناع من الزيف أخرى فيزعم أنه إنما يغزو شعب العراق يقتل ويأسر وينتهك الحرمات ويستبيح المقدسات , كل ذلك رحمة بشعب العراق وإشفاقا عليهم من ظلم ساستهم واهتماما من ( سيادة الرئيس ) بمصالحهم , ومن أجل هذا الهدف النبيل , لا بأس أن يسعى في أرضهم فسادا ويجوس خلال الديار يهلك الحرث والنسل . ثم لا بأس أيضا أن ينهب ثروات الأمة ومقدراتها !! نعم , فلجميع مخلوقات الغابة أن ترضى بالصمت أو لتصرخ مستنكرة لكن أحدا بالطبع لا يجرؤ على محاكمة الأسد .
أتساءل هل يظن أن أحدا لا يزال حتى الساعة يصدقه ؟! هل يظن حقا أن تبريراته الواهية لا تزال تنطلي على الشعوب الإسلامية والعربية ؟ فاته إذن أن الشعوب الإسلامية والعربية قد استفاقت من سباتها الطويل وعادت لتتولى دورها الريادي بين الأمم حتى يصدق فيها قول ربها تبارك وتعالى (( كنتم خير أمة أخرجت للناس )) والمبشرات كثيرة لا أظنها تخفى على أحد .
نعم إنها السنن , انظروا إن شئتم إلى الشمس تشرق ثم تتوسط كبد السماء حتى تكل من النظر إليها العيون , ثم لا تلبث أن تزول إلى أن تغرب وتختفي كأن لم تكن , وانظروا إلى القمر يبدأ هلالا لاتكاد تراه العيون حتى إنه ليطلب إلى الشاهد أن يقسم يمينا مغلظة أنه رآه ليبنى على شهادته صوم الصائمين وإفطارهم , ثم يكبر حتى إذا اكتمل بدرا اعتراه النقص فعاد كما بدأ هلالا بل محاقا , والأمثلة في هذا كثيرة أمامنا ... النبتة والزهرة , بل الإنسان نفسه , هي السنة كل ما يبدأ لا بد أن ينتهي .
وقد أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك , عندما اشتركت ناقته القصواء في سباق فسَبقت ثم سُبقت فشق ذلك على بعض الصحابة , فقال عليه الصلاة والسلام :( كان حقا على الله تعالى أنه ما ارتفع شيء إلا وضعه ) فكيف بمن ارتفع وتكبر وتجبر ؟ . قال الله تعالى في الحديث القدسي : ( الكبرياء إزاري والعظمة ردائي , من نازعني فيهما قصمته ولا أبالي )) , وهؤلاء تكبروا وتجبروا وتجاوزوا في طغيانهم كل الحدود , فلم يبق إلا أن تمتد إليهم يد القدرة فتدمرهم تدميرا , (( فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين )) .
وبعد , فإن كنتم ترون في احتلال أمريكا لأفغانستان ثم العراق وكيلها الاتهامات لدول أخرى تمهيدا لاحتلالها , إن كنتم ترون ذلك مجرد اعتداء دولة عظمى على دول صغرى فإني أراه أبعد من ذلك بكثير ؛ أراه مرحلة ـ ولا أقول بداية ـ مرحلة مهمة اقتضت السنن الإلهية أن يمر بها المسلمون ويذوقوا مرارتها قبيل التمكين لهم في الأرض , ذلك بعد أن يتمايز معسكرا الحق والباطل . حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله , ألا إن نصر الله قريب )) .