إيران تتصالح مع عباس نكاية بحماس
كل من یعرف عمق السیاسة الإیرانیة وكنهها تجاه القضية الفلسطینة ، یُدرک جیداً أن إیران تدعم فی الأساس القضية الفلسطینية خدمة لمصالحها قبل أن تکون داعمة للشعوب المظلومة ، وللحركات الثورية “الإسلامية” . خلال الأیام الماضیة قرأنا تسريبات إعلامية إيرانية حول نیة الرئیس «محمود عباس» رئیس السلطة الفلسطینیة زیارة طهران خلال الشهرین القادمین؛ ولاشك بأن هذه الزیارة المرتقبة تحمل الکثیر من المقاصد فی طیاتها. لكن ما الهدف الذی تبحث عنه دولة الملالي من وراء هذا التقارب مع سلطة الحكم الذاتي في هذا التوقيت بالذات ؟.
لا شك أن الهدف الرئیسی الذی تبحث عنه طهران فیما یخص القضیة الفلسطینیة، هو ليس ما تطرحه إيران ليلاً نهاراً من شعارات براقة “فارغة” مثل تحریر کامل فلسطین من الشيطان الأصغر ، ولا تحرير المسجد الأقصى المبارك الذي لا تعترف إيران أساساً بوجوده ، لأنه حسب الزعم الشيعي الفارسي رفع للسموات العلى منذ الأزل .
بالتأكيد فضلا عن ما سبق فإنه بناء على تغيير قواعد اللعبة السياسية ، وتبدل الإستراتيجيات ، تم تعديل الكثير من الأولويات ، حيث لا یوجد مانع لدى إیران اليوم ترتيب سُلم مصالحها وفق التطورات الدراماتيكية المتسارعة ، لهذا بات لا مانع لديها من أن تنسج علاقة مع سلطة الحكم الذاتي ، ولا حتى مع إسرائيل التي ستنضم في النهاية للقتال إلى جانب إمام الزمان ،وتحرير العالم من الظلم والطغيان ، حسب نبؤة الهذيان المهدوي، التي بشرنا بها قادة إيران و مراجعها .
في هذه الأثناء زار عضو اللجنة التنفیذیة لمنظمة التحریر الفلسطينية «أحمد مجدلاني» إیران قبل أقل من أسبوعين لترتيب زيارة عباس إلى طهران ، حيث التقی خلال زیارته بوزیر الخارجیة الإیرانی ظریف وسلّمه رسالة الرئیس عباس للرئیس الإيراني حسن روحانی خلال اللقاء.
تؤكد طهران أن الشعبين الإيراني والفلسطینی سیُرحبان بالتقارب بينهما ، وذلک بسبب الدور الرئیسی الذی یُمکن لإیران أن تلعبه فی دعم الشعب الفلسطینی المظلوم ، ومساندة مواقفه فی المحافل الدولیة ضد الشيطان الأصغر .في الوقت الذي لم یمض کثیراً علی هجوم وسائل الإعلام الإيراني الحاد على حركة حماس ، حتى بدأ نفس هذا الإعلام القيام بتسريبات منتظمة حول نیة السلطةالفلسطنية ، الاقتراب من إیران، لكن ما دوافع هذا التغير في السياسة الإيرانية ؟ .
لا شك بأن التقارب بین إیران والسلطة الفلسطینیة يعكس في ثناياه حجم الخلافات مع حركة حماس ومع الجهاد الإسلامی، بعد تقليص طهران دعمها لهاتین الحرکتین معاً، كذلك فإن اقتراب طهران باتجاه السلطة الفلسطینیة یاتی رداً علی زیارة «خالد مشعل» للسعودیة ثم إلى تركيا ، ومحاولة التحليق خارج السرب الذي رسمت إيران حدود فضائاته. فضلا عن رغبة إيران الاقتراب من السلطة الفلسطینیة بعد حالة النشوة التي أصابتها بعد إبرام الاتفاق النووي مع مجموعة ‘٥+١’،وشعورها بأنها أصبحت دولة مرکزیة فی المنطقة، ولهذا تشعر طهران أنه بات لزاماً عليها التنسیق مع السلطة الفلسطينية لتحقيق مصالحها ، وللمساومة مستقبلاً مع إسرائيل وأميركا على ملفات ومستجدات أخرى ، ولهذا فإن تعزیز هذه العلاقة یستوجب الاقتراب من السلطة الفلسطینیة، ولعل هذه أحد الأسباب الرئیسة التی جعلت إیران ترحب بزیارة محمود عباس إلی طهران.
كذلك فإن التقارب مع السلطة الفلسطينية يندرج في إطار مساومات إيران المتكررة لإستغلال العوز المادي الذي تعاني منه هاتين الحركتين ، والتخلي الرسمي العربي عن دعمها ،لإجبار حركتي حماس وحركة الجهاد الإسلامي التأسيس لجيب جديد في قطاع غزه ، يكون محاكياً لطبيعة المنطقة التي أنشأها حزب الله في جنوب لبنان ،كشرط مسبق لاستئناف الدعم ، وهذا ما اتضح من خلال إعلان القائد العام لفيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، الجنرال قاسم سليماني،أنه و بأمر من المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي، فإن طهران تدرس إنشاء قيادة دفاع متقدمة جديدة في غزه التي تخضع لحكم حركة حماس والجهاد الاسلامي؛ وقد أطلق عليها اسم “المجال الشرقي للحرس الثوري الإيراني؛ و أن مهام القيادة الجديدة الأساسية هو استكمال لحلقة المجال الحيوي المذهبي . هدف ملالي إيران طبعاً هو تحويل غزه إلى خط دفاع متقدم ومحرقة دفاعاً عنها ، على غرار جنوب لبنان بقيادة حزب الله .
فی هذا السیاق یجب أن لا ننسی أن زیارة محمود عباس لإیران وترحیب طهران بهذه الزیارة تأتي في وقت تتزاحم فيه كثير من القضايا الشائكة ، و أن الجهتین لم تصلاً بعد إلی رؤیة مشترکة حیال بعض القضایا، بل إن طهران باتت تؤمن بتخفيف حدة مقاومة الکیان الإسرائیلی وأهمية المفاوضات ، ويبدو أنها إحدى بركات نتائج الاتفاق النووي .
كذلك فمن الواضح أن ثناء إيران وإشادتها بمواقف السلطة الفلسطینیة تجاه الازمة فی سوریا ووصفها بالحكيمة والصائبة ، جعل بإمکان طهران وسلطة الحكم الذاتي – حسب الرؤية الإيرانية – أن تعملا علی مساعدة السوریین لحل الأزمة وکذلک الشعب الفلسطینی، حیث أن عدم اصطفاف السلطة الفلسطینیة مع الجماعات الإرهابیة التی تقاتل فی سوریا، علی عکس ما فعلت السعودیة وقطر، بحد ذاته یمکن أن یکون عاملاً مهماً لتقارب طهران مع السلطة الفلسطينية ، وهو ما باتت تكرره إيران على لسان مسئوليها.
کما أن إيران أثنت بشكل لافت أنها لم تنس أن السلطة الفلسطینیة وبالرغم من علاقاتها القویة مع السعودیة، فإنها لم تُقحم نفسها بالأزمة السوریة علی عکس ما فعلت حماس، بل ظلت معترفة بنظام بشار الأسد ، وتتواصل معه .
بالنتيجة ستظل إیران داعمة لأي فلسطیني یستطيع تحقيق المصالح الإيرانية ، سواءً کان ذلک الفلسطیني من الضفة او من غزة، وکذلک سواءً کان فتحاویاً أو حمساویاً او جهادیاً أو حتى شيوعياً، فإنه لا فرق فی ذلک بالنسبة لإیران، وشروط هذا الدعم دائماً مرهونة بالقدرة على خوض حروب الوكالة ، والدفاع عن المجال الحيوي الإيراني، الذي هو دوماً بحاجة لوكلاء ُ وقرابين جدد .
د. نبيل العتوم
رئيس وحدة الدراسات الإيرانية
مركز أميه للبحوث والدراسات الاستراتيجية
وسوم: العدد 630