حكام أم حجاج
المرجع الديني الفقيه الشيخ قاسم الطائي
قد يثير العنوان سؤالاً – هو ما المانع من أن يكون الحاكم حاجاً يقصد بيت الله الحرام لأداء الفريضة العبادية الجماعية الكبرى يتزود من خلال أدائها هذا عزماً وإرادة وإمداداً غيبياً لأداء واجبه الوطني المتمثل بالسلطة على أسس ومبادئ ثابتة من العدل والحرية والمساواة .
وليس ثمة من مانع في أن يؤدي المسؤول الحكومي فريضة الحج ويتفرغ من مسؤولياته السلطوية لأدائها في فترة أداء هذه الفريضة ، إذا كان هناك من يسد مكانه السلطوي ويؤدي عمله الحكومي ولا يترك عمله بلا بديل كفؤ أو يجمد عمله إلى حين ، وإذا لم يكن من يسد مسده ويشغل مسؤولياته بكفاءة لا تقل عن المستوى المطلوب وكان موقعه من الحساسية بمكان وظرف توليه صعب من جهة ما يعانيه البلد من فوضى أمنية وقتل على الهوية واحتراب من هنا وهناك لسبب أو بدون سبب ، يضاف إليه الفلتان الإداري وتعريض دوائر الدولة ومؤسساتها إلى النهب والسلب جهاراً ، والاستبداد علناً بحيث لا يجد المواطن المسكين بداً من أن يصارع ويصارخ في دوائر الدولة ومرافقها ليصل إلى مبتغاه من أنجاز المعاملة أو الحصول على وظيفة عمل أو ...... .
كل هذا والبلد يعيش حالة توتر وقلق حقيقيين أنتجتهما الانتخابات السابقة وما رافقتها من تداعيات خطيرة على مستوى الشارع ونقل الأزمة إلى الأفراد بطابع طائفي مقيت .
كل هذا وغيره يتطلب حضوراً فاعلاً وتواجداً جاهراً لمعالجة ما يمكن علاجه أو على الأقل التخفيف عن كاهل المواطن المسكين الذي انتخبكم بشق الأنفس عندما يجد أن مسؤوله أو رئيسه الحكومي يشارك معه أزمته ويرتبط معه في قضيته العامة قبل الخاصة .
ومثل هذه المسؤولية الجسيمة تضع المسؤولين في دائرة الواجب الأهم من كل واجب وان كان الحج – إذ يقع التزاحم بين الواجبين – طبعاً – أن سلّمنا أن ذهاب المسؤول الفلاني للحج واجباً ، والأمر ليس كذلك لان الذهاب عند البعض منهم أصبح كالذهاب إلى الدائرة أو المسجد يتكرر سنوياً مع الأولوية المطلقة التي ليس لها أي مبرر إلا مبرراً واحداً يتوهمه المسؤول لنفسه – وهو ضرورة تواجده هناك .
وبعد ان تسلم بواجبية الحج فانه بلا شك سيزاحم واجب المسؤولية السلطوية التي حصل عليها بطريق ما ، ولنفرضه شرعياً حملاً على الصحة لكون الواحد منهم مسلماً والا لم يذهب الى الحج – والاهم من الواجبين هو واجب المسؤولية السلطوية لعدة جهات يذكرها اهل الاصول عندهم ( من جهة عمومية التكليف وخصوصيته ، ومن جهة السعة والضيق اذ يمكن اعتبار فريضة الحج موسعة وممتدة بطول عمر الفرد بل حتى بعد عمره حيث تخرج من اصل التركة فيما لو وجبت عليه ولم يؤدها ، والمسؤولية السلطوية مضيقة ، وهم - أي الاصوليين - يقولون بتقديم المضيق على الموسع ) ، ونصل الى النتيجة الحاسمة ان الحج غير واجب على المسؤول الحكومي فلان الفلاني واذا لم يكن واجباً يصبح تركه للواجب الفعلي المنجز تقصيراً واضحاً وخيانة لامانة المسؤولية التي استأمنه الناس عليها .
وليت الامر يقف عند هذا الحد من التورط الشرعي ، بل يتعداه الى تحصيل القدرة للاخرين مما يجعل الحج عليهم واجباً والمعروف ان تحصيل القدرة غير لازم لانها من شرائط الوجوب لا الواجب على ما هو الصحيح عند الاصوليين .
ولو ترك الامر للمكلفين انفسهم فمن يجد في نفسه القدرة يقدم للحج ومن لم يجد لا يقدم ثم تأتي القرعة لانها لكل امرٍ مشكل بعد ان يكون عدد المتقدمين اكبر من العداد المقرر له الذهاب الى الحج ، وعندئذ لا يذهب الى الحج الا من كان مستطيعاً بالفعل وهو مطلب شرعي صحيح لا مؤاخذة فيه كما كانت على تقدير اقدار من لم يكن قادراً ومستطيعاً من جراء توزيع القبولات ضمن ضوابط محسوبية وانتهازية واضحة بل وسياسية فاضحة حينما تكون قوائم الحج محتكرة عند الجهة المسؤولة ابتداءً من الوقف الشيعي – بمسؤوله السابق والحالي ، ورئيس هيئة الحج وانتهاءً بمجلس الوزراء .
وفي ظل احتكارها ضمن مقولة المحاصصة المقيتة – التي يعيشها هذا الشعب المستضعف من الاجنبي وابنائه ، يصبح توزيع الحصص خاضعاً لمصالح الجهة المسؤولة وطريقة تعاملها مع احداث الساحة وكل من لا يتوافق مع رؤيتها او ينهج نهجها فله الويل وعليه الثبور ، وليس له من الامر شيئاً وان كان اكثر استحقاقاً بكل المقاييس حتى من المسؤولين انفسهم ، فمن مطرب او فنان له حصة ، ومن لاعب كرة قدم له حصة ومن ناشط له حصة ، وسفير له حصة ووزير له حصة ورئيس حزب او كيان مشارك معهم له حصة ، ومن موظفين من دائرة الوقف وديوان الوزارة لهم حصة وتطول قائمة الحصص والله العالم الى اين تصل ، ويمنع عن علم وعمد وقصد مقصود وفعل مرصود ، يحرم الوطني الشريف بشاهدة ابناء المجتمع المخلصين والواعين وطنية استمرت منذ النظام البائد – عندما كان الناس بما فيهم الان اهل السلطة كأن على رؤوسهم الطير من شدة تقيتهم وانهزامهم – والى وقتنا الحاضر تظهر علامات وطنيتها واضحة جلّية ، ويحرم الفقيه الذي جمع بين خصلتين واتجاهين بين العلوم الاكاديمية والحوزوية وابدع من كل منهما ابداعاً .
ربما هذه هي شعاراتهم – من ثقافة العدل والانصاف ، ومن قبر ثقافة التهميش والاقصاء والابعاد حتى عن فريضة الحج – وسنسألهم يوماً ما ان لم يكن في هذه الدنيا كما حصل لهم حينما سألوا من ظلمهم يوماً ، ففي دار الحساب والثواب ( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ (24) سورة الصافات ) مسؤولية تتعدى الظالم الى الساكت عن الظلم والراضي به ، وكل من يعرف ما يجري في اروقة الوقف الشيعي ومن يقف وراءه هو الراضي او الساكت فيكون مشمولاً بصفة الظلم ففي الخبر ( الظلماء ثلاثة : فاعل الظلم والراضي به والساكت عنه ) قريب من النص ، والظلم مهما كان بسيطاً في نظره اذ لا خفيفة مع الاصرار او هيناً في نفسه لان الاستهانة بالذنب اقبح من الذنب .
وان كنت ايها المسؤول لا تدري فتلك مصيبة وان كنت تدري فالمصيبة اعظم ، واذا كنت على مستوى الوقف او الحج لا تعدل ولا تنصف فكيف تعدل على مستوى البلد او مسؤولية السلطة ، واذا كنت تدين الاستبداد والاحتكار فكيف وانت تمارس على مستوى الحج وفريضته ( كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3) سورة الصف ) .
ومن جهتنا اذ ندين ونستنكر مثل هذه الاعمال التي تذكّرنا بصورة الماضي المقيت وترجعنا الى ايام الظلم والاستبداد ، وتسيء بشكل فاضح للشخصيات الوطنية والعلمية ذات الدور المؤثر والرائد في عملية الاصلاح الاجتماعي التي بدأها السيد محمد محمد صادق الصدر ( قس سره ) والتي أتت ثمارها ولم ينقطع عطاءها .
فاننا نكتفي بتفسير لهذه التجاوزات المرفوضة ، يصدر من اصحاب السيادة والا سنحتفظ بحقنا في استخدام طرقاً اخرى قانونية اذا لم تنفع الطرق العرفية والشرعية والاخلاقية .
وسوم: 634