الرؤية الاستراتيجية لإصلاح المنظومة التربوية 2015/2030 مشروع واقعي أم محض خيال؟
يتداول المغاربة عموما والمنتمون للحقل التربوي خصوصا كراسة المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي التي نزلت إلى الأكشاك بثمن بخس دراهم معدودات ربما لتغطية كلفة الورق والطبع . ويختلف المغاربة في قراءة هذه الكراسة حسب طبيعة علاقتهم بالمنظومة التربوية وبعدهم أو قربهم منها . لقد أخرجت هذه الكراسة في حجم كراسة الميثاق الوطني للتربية والتكوين، وهي تشبهها في بنائها مع استبدال لفظة دعامة بلفظة رافعة مع ما بين اللفظتين من فرق بحيث تحيل الأولى على الدعم بينما تحيل الثانية على الرفع، وشتان بين دعم ورفع ، ذلك أن الرفع أكثر طموحا من الدعم حيث يسند هذا الأخير ما كان مهددا بالسقوط ، بينما يرفع الأول ما كان متخلفا ومنحطا . وأول ما يطالعنا في الرؤية الاستراتيجية ما جاء في تصديرها المقر بالاختلالات المزمنة للمدرسة المغربية ، وهو ما جعلها موضوع مساءلة الجميع ، وعلى رأس المساءلة : لماذا فشلت الإصلاحات المتتالية ، فهل الخلل كامن في التصور أم في التطبيق ؟ ولقد رأى المجلس الأعلى للتربية أن يطلق مشاورات وصفها بالموسعة بحثا عن حل لاختلالات المدرسة المغربية المزمنة ، وكانت النتيجة هذه الرؤية الاستراتيجية أو هذا المشروع الإصلاحي بمدى قريب قوامه ثلاث سنوات، وآخر متوسط قوامه ست سنوات ، وثالث بعيد قوامه ما فوق ست سنوات ، ويبلغ مجموع سنواته خمس عشرة سنة ما بين 2015 و2030 وهو عمر جيل يمر بمختلف أسلاك التعليم ( ابتدائي / ثانوي إعدادي وتأهيلي / عالي ) من أجل إعداد مواطن بمواصفات معينة ، وبتعليم يخرج من منطق التلقين والشحن والإلقاء إلى منطق التعلم الذاتي والتفاعل الخلاق ، وذلك لتعزيز موقع المغرب ضمن مجتمعات المعرفة والبلدان الصاعدة . وهذه غاية طموحة بل في غاية الطموح إلا أن العمل على تحقيقها يطرح سؤالا جوهريا عن واقعيتها وخيالها . وعندما نستعرض الرافعة الأولى المعنونة ب : تحقيق المساواة في ولوج التربية والتكوين يعترضنا السؤال السابق خصوصا عندما نقرأ ما يلي على سبيل المثال لا الحصر :
ـ توفير المسلتزمات الميسرة للتربية من فصول دراسية ملائمة ، ومرافق صحية ، وتجهيزات وأدوات جيدة للتدريس ، وداخليات ، ومطاعم ، ونقل مدرسي ... بعده نقط حذف توحي بالمزيد .
ـ تمكين أبناء الجالية المغربية في الخارج من تعليم مواز لتعزيز هويتهم الوطنية.
ـ تعزيز وتوسيع الإعانات المالية على الأسر المعوزة .
ـ اعتماد الدعم المدمج في المناهج والبرامج والزمن المدرسي .
ـ تفعيل مشاركة الجماعات الترابية في النهوض بالمدرسة .
ـ الزام الدولة والأسر بتعميم التعليم الأولي ، وذلك بقوة القانون .
ـ إعادة تأهيل مؤسسات التعليم الأولي الموجودة أو القائمة .
ـ العناية بالطفولة في وضعيات خاصة .
ـ توفير الفضاءات الملائمة للتمدرس في الأوساط القروية وشبه الحضرية والمناطق ذات الخصاص .
ـ إشراك الأبناك والمؤسسات التجارية والمؤسسات العمومية في إنشاء مساكن جيدة للأطر التربوية والإدارية .
ـ ضمان تحفيزات للأطر التربوية المزاولة لعملها في الأوساط القروية والنائية.
ـ تمكين الأوساط القروية من نظام رقمي .
ـ إدماج ذوي الإعاقات والوضعيات الخاصة في المدارس .
ـ الانفتاح على مؤسسات أجنبية لتوفير تكوين وخبرات خاصة بالتعامل مع ذوي الإعاقات والوضعيات الخاصة .
ـ الرفع من الطاقة الاستيعابية للتكوين المهني ، وتشجيع المقاولات والمجموعات المهنية على توفير التكوين داخل مؤسساتها مع تعزيز هذا التكوين في القطاع القروي والمناطق النائية فضلا عن توفير تكوين مهني للأشخاص في وضعية خاصة .
ـ تنويع نماذج مؤسسات التعليم العالي ذات الاستقطاب المفتوح .
ـ تأهيل التعليم العتيق .
ـ تمكين كافة المنقطعين عن الدراسة وغير المتمدرسين من التحرر من الأمية .
ـ توفير الأطر التربوية الكافية وذات الكفاءة .
ـ توفير البنيات التحتية والتجهيزات والأدوات الديداكتيكية الازمة في المؤسسات التربوية .
ـ تمكين جميع الفصول الدراسية من الوسائل السمعية البصرية وتقنيات الإعلام والتواصل .
ـ دعم برامج السكن اللائق للفاعلين التربويين في الأوساط القروية .
ـ تعزيز وتعميم برامج الدعم للأسر المعوزة .
ـ تعزيز الدعم المادي والاجتماعي لفائدة المتدربين بالتكوين المهني .
ـ تطوير وتعميم مراكز الدعم النفسي والاجتماعي بالمؤسسات التربوية .
ـ تشجيع ومكافأة المشاريع المبتكرة والتجارب الناجحة .
ـ ضمان الدولة معايير جودة فضاءات وتجهيزات التعليم الخصوصي واستفادته من تحفيزات الدولة ، وتحفيزات الجماعات الترابية .
ـ تشجيع التعليم الخصوصي على محاربة الأمية .
ـ إلزام التعليم الخصوصي بتوفير حاجياته من الأطر .
ـ تحديد الدولة لرسوم التسجيل والدراسة والتأمين في التعليم الخصوصي .
هذه هي توصيات المجلس الأعلى للتربية في الرافعة الأولى ضمن رؤيته الاستراتيجية التي هي عبارة عن طموحات كبيرة متعالية على الواقع ومستعصية على التنزيل . ويبدو أن هذه الطموحات هي نتيجة الاستشارة الموسعة التي أطلقها المجلس الأعلى والتي قدمت في أجواء اندفاع عاطفي جعلها تحلق بعيدا في أجواء الخيال متجاهلة الواقع . إن الرؤية الاستراتيجية للمجلس الأعلى للتربية عبارة عن فيلم خيالي يحاول الالتفاف على أزمة المنظومة التربوية من خلال تسويق الأحلام . ولن يبلغ المغرب مرتبة إنتاج المعرفة ونشرها بالأحلام . ولن نصدق الرؤية الاستراتيجية حتى نرى مؤسسات تربوية في القطاع القروي والمناطق النائية ببنى تحتية بمواصفات الجودة وبتجهيزات وأنظمة رقيمة وبجوارها داخليات ومطاعم ومرافق صحية ، ومساكن عصرية للأطر التربوية ونقل مدرسي .... والله الله كما يقول المغاربة في لحظات الأحلام اللذيذة التي ينغصها الواقع المؤلم . غفر الله لمن سطر هذه الرؤية الاستراتيجية ، وكان في عون الحالمين بتنزيلها .
وسوم: العدد 643