في جبل الأكراد.. بشار الأسد يحارب إرث صلاح الدين
تمكّن صلاح الدين الأيوبي في النصف الثاني من القرن 12 ميلادي من طرد الصليبيين من كامل بقاع الداخل السوري باستثناء بعض القلاع الصخرية الحصينة في جبال اللاذقية والتي ساعدتهم على الاستمرار بالبقاء على أرض سورية لسنين عديدة تلت. وقد أدرك صلاح الدين بعقليّته العسكرية الفذة أن جبال اللاذقية تشكل خاصرةً رخوة لسورية، وخصوصاً في وقتٍ كانت فيه الإمارات الأوربية الصاعدة تتسابق على إنشاء مستعمرات لها على موانئ الساحل السوري. وهنالك مقولة شهيرة لصلاح الدين تقول: “تحرير بيت المقدس يبدأ من اللاذقية.”
وهكذا أعدّ صلاح الدين خطةً طويلة المدى بدأت بجولةٍ طويلة وقاسية من المعارك الجبلية دارت رحاها في المرتفعات الغربية لسورية وانتهت عبر ملاحم حربية خلّدها المؤرخون باقتلاع الصليبيين من كامل المشرق العربي بعد تنظيف سورية منهم.
ثم بعد ذلك عمل صلاح الدين على تنفيذ المرحلة الثانية من خطته والقائمة على موضعة فرق عسكرية خفيفة وسريعة الحركة في الجبال تنهك العدو وتمنعه من الاستقرار في الساحل إذا عاد يوماً ما ريثما تصل جيوش المؤازرة من الداخل السوري. وهكذا استجلب جماعات بشرية مخلصة له وللدولة معظمها من العشائر الكردية والتركمانية من أصحاب البأس والشكيمة فأقطعهم أراضٍ ومساحات في جبال اللاذقية وهي التي صارت تعرف لاحقاً باسم جبل الأكراد وجبل التركمان بحيث تشكّل هذه الجماعات سداً منيعاً أمام أي غزاةٍ محتملين لسورية وتضعِف احتمالات عودة الصليبيين إلى المشرق العربي عبر تلك الخاصرة الرخوة في جبال اللاذقية. وهكذا نجحت خطة صلاح الدين وصار الأكراد والتركمان ولقرونٍ طويلة حصناً منيعاً أمام الغزو الخارجي لسورية.
وبإجراء إسقاط تاريخي سريع لنا أن نلاحظ الدور الوطني المشرّف الذي لعبه الأكراد تحديداً في تلك الفترة من تاريخ سورية، وخصوصاً إذا ما تذكرنا أن صلاح الدين الأيوبي نفسه كان كردياً. وأكراد سورية إلى ذلك ما يزالون على عهد البسالة والوطنية حتى يومنا هذا فهم شركاء إخوتهم السوريين بامتحان الدم في وجه نظام الطاغية من أجل نيل الحرية باستثناء تلك الطغمة العميلة من إرهابيي البي كي كي الذين لن يلبث أن يتخلى عنهم الغرب فيلجمهم أشراف الكرد ويخلّصوا سورية من شرورهم.
لكن الإسقاط التاريخي الأهم الذي نحن بصدده هنا يتعلق بنظام الأسد الخائن الذي نكث كل العهود الوطنية والعربية والإسلامية عندما أعاد فتح ثغرة جبال اللاذقية من جديد لأعداء الأمة الجدد من العلوج الفرنجة الروس. إن التاريخ يعيد نفسه هنا. فالأسد الأب كان مكّن الروس من إمارةٍ بحرية لهم على مرفأ طرطوس الكنعاني السوري، وها هو الأسد الجرو يستعين بالطيران الروسي لطرد أحفاد صلاح الدين الأيوبي من جبلي الأكراد والتركمان كمقدمة لإقامة دويلته الطائفية البغيضة المخالفة لتطلعات السوريين والمفصّلة على مقاس خيانته وحجم أحقاد أبيه على شعب سوريا وتاريخها التليد.
إن القصف الروسي لجبلي الأكراد والتركمان هذه الأيام ليس مجرد فصل دموي جديد من فصول ثورتنا اليتيمة فحسب، بل إنه عملية تطهير عرقي واقتلاع حضاري لإرث القائد العظيم دفين دمشق صلاح الدين الأيوبي. وبناءً على ذلك، فإن استدعاء الأسد للغزو الروسي تعدّى كونه خيانة وطنية لسورية إلى كونه إهانة كبرى لتاريخ كل شعوب المنطقة وخصوصاً العرب والمسلمين. والشعب السوري اليوم يدافع بصموده عن هذه الشعوب جميعاً، يدافع عن أمجادهم وحاضرهم، عن وجودهم على هذه الأرض وعن مستقبلهم أيضاً. والثورة السورية ضد نظام الأسد تقف على ثغرٍ عزيزٍ من ثغور الكرامة والاستقلال في هذا الشرق المضنى بأطماع الغزاة. إن دعم الدول العربية والإقليمية لثورة الشعب السوري هو إسناد لحضارة الشرق برمّتها وردّ اعتبار لها أمام من يرومون محوها عن الوجود. والشعب السوري يعوّل على دعم الأصدقاء والشركاء وينتظر الكثير من أشقاءٍ لم يعدموا الفطنة والبصيرة حتى يقرؤوا التاريخ جيداً ويضعوا الأشياء في نصابها الصحيح.
وسوم: العدد 644