فتح برائحة البارود
وقعّت منظمة التحرير الفلسطينية اتفاقيات أوسلو عام 1993م،وعلى الرغم من أنّ الاتفاق لم يحظ بالإجماع الفلسطيني؛إلاّ أنّ وقوف حركة فتح خلف الاتفاق بقيادتها التاريخية المتمثلة بالرئيس الراحل ياسر عرفات كرئيس لحركة فتح ورئيس لمنظمة التحرير الفلسطينية،جعل ذلك ممكناً وسهلاً دون معارضة تذكر، وذلك بسبب شكلية المؤسسية داخل حركة فتح أو منظمة التحرير التي ذابت لصالح تكريس القرار الفردي وضعف المحاور العاملة فيها.
لقد جاء اتفاق أوسلو بحزمة إدارية كبيرة تم نقلها من يد الاحتلال لصالح السلطة الفلسطينية شملت ملفات الصحة والتربية والزراعة وإدارة ملف الأحوال الشخصية كطباعة جوازات السفر والبطاقات الشخصية وغيرها من الملفات الخدماتية، وعلى رأس هذه الملفات ملف الأمن " الشرطة والأجهزة الأمنية المختلفة".
لقد اعتمدت السلطة الفلسطينية في إدارة هذه الملفات على نواة من خيرة أبناء حركة فتح الذين ضحوا بسنوات عمرهم في النضال والاعتقال،فمن أبناء فتح تم تشكيل جهاز الأمن الوقائي وجهاز المخابرات العامة بالإضافة لباقي الأجهزة الأمنية. إنّ الاتفاقات الموقعة بين منظمة التحرير ودولة الاحتلال نصت على دور السلطة الفلسطينية في منع الهجمات على دولة الاحتلال، فلا يمكن أن تكون عملية سلام موقعة بشهادة دول العالم وتكون مغموسة بعمليات فدائية بلون الدم. لقد تكرس هذا المفهوم لدى جزء كبير من أبناء حركة فتح بقناعة تامّة وذلك بدعوى أنّ السلطة الفلسطينية طريق لإقامة الدولة الفلسطينية على الأراضي المحتلة عام 1967م. ومن هنا كان التزام الجانب الفلسطيني بالاتفاقات متقناً وكاملاً وتمت ملاحقة المجموعات المسلحة وفصائلها لتهديدها الاتفاق الموقع. ومن هنا ترى السلطة الفلسطينية وحركة فتح أنّ عليها التزامات واستحقاقات تجاه الاتفاقات الموقعة تقضي بمنع العمليات الفدائية. إلاّ أنّ حركة فتح كانت سبّاقة للمشاركة وقيادة الأحداث في هبة النفق عام 1996م وفي انتفاضة الأقصى عام 2000م؛ لأنها شعرت من خلال قيادتها أنّ دولة الاحتلال أرادت شراء الوقت وهي لا ترغب في إقامة دولة فلسطينية على كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام1967م، وأن الاتفاقات كانت لتجلب الأمن لدولة الاحتلال دون تحقيق الحلم الفلسطيني. أرادت حركة فتح أن تُذكّر اسرائيل أنها حركة تحرر وطني وأنّ باستطاعتها العودة للمقاومة، حيث خاضت حركة فتح قتالاً ومقاومة تُعبّرعن مفاهيمها التي انطلقت من أجلها عام 1965م، وذلك من خلال مجموعاتها المسلحة التي تشكلت عقب انطلاق انتفاضة الأقصى إلى جانب باقي الفصائل الوطنية والاسلامية. لقد قابلت اسرائيل ذلك بتدمير البنى التحتية للسلطة الفلسطينية وقتل واعتقال المئات من أبنائها وأبناء الشعب الفلسطيني وتوج ذلك بإعادة احتلال المدن الفلسطينية المدارة من السلطة الفلسطينية، وحرّضت اسرائيل العالم على ايقاف الدعم المالي للسلطة، كما أنها لم تخفِ رغبتها بالتخلص من الرئيس ياسر عرفات بالطرق التي تراها مناسبة، ولم يطل الوقت حتى توفي الرئيس الفلسطيني مسموماً وذلك حسب لجنة التحقيق الفلسطينية. من هنا اتجهت الأحداث وجهة مختلفة حيث اشترطت الدول المانحة وعلى رأسها الولايات المتحدة ؛لإعادة بناء السلطة الفلسطينية وخاصّة الأجهزة الأمنية وإعادة تقديم الدعم المالي لها؛ أن تشرف هي بذاتها على تدريبها وإعادة هيكلتها وذلك بشكل لا يتيح لها أن تكون طرفاً في الوقوف أمام الاحتلال.
لقد دخل الملف الفلسطيني في سباتٍ عميق بعد مفاوضات عقيمة لم تسفر عن الوصول لاتفاق ينهي الاحتلال على الأراضي الفلسطينية، ودخلت معه حركة فتح في أزمة واضطراب وضعف موقف؛ فهي لم تستطع أن تنهي الاحتلال من خلال مشروعها السلمي التفاوضي ولم تستطع أن تقوم بخطوات تجبر اسرائيل على إنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية. إنّ حركة فتح التي قدمت الشهداء والأسرى ومسيرة من النضال، تعيش في أزمة بعد انطلاق انتفاضة القدس التي كانت حتمية بعد انسداد الأفق السياسي واستمرار الاعتداءات وخاصة على المسجد الأقصى، فحركة فتح في الشارع الفلسطيني ترى أنّ المشاركة في الانتفاضة واجب وضروري، في حين يرى صانع القرار الفتحاوي أنّ الهبة الشعبية آتت أكلها وسلطت الضوء على الملف الفلسطيني بقدر قد يسمح لإعادة الطرفين لطاولة التفاوض ، وترى أنّ تطور الأحداث قد يخبىء ما لا تحمد عقباه من فقدان السيطرة على الشارع الفلسطيني سواء بصعود وتيرة الانتفاضة أو صعود حركات المقاومة وخاصة الاسلامية إلى مقدمة المشهد مما يهدد استمرار سيطرة حركة فتح على السلطة .
إنّ حركة فتح بحاجة لأن تنفض الغبار عنها وأن تقوم بإعادة صياغة الفكر الثوري لدى أبنائها وتربيتهم على نهج التخلص من الاحتلال، وخاصة الجيل الجديد الذي أفاق على وجود السلطة وانغمس في حريرها.لا شك أنّ حركة فتح في أزمة فهي بحاجة إلى أوراق ضغط على الاحتلال تجبره على تقديم تنازلات تفاوضية تفضي إلى حل سياسي يقنعها ويقنع الشعب الفلسطيني، ولكنها من جهة أخرى قيدت نفسها باتفاقات أمنية هي وحدها تعرف كيفية الخروج منها. كما أنها ملزمة بتقديم إجابات مقنعة لقاعدتها وكوادرها الذين باتوا يتساءلون عمّا وصلت إليه طريق التحرير التي اختارتها لهم حركتهم منذ أكثر من عشرين عاماً. كما أن حركة فتح والتي تقود السلطة الفلسطينية، تفتقدها الجماهير الفلسطينية التي ترى أنّها مطالبة بقيادة الأحداث لا بتسويغ القناعات لدى أفرادها بضرر الانتفاضة لو استمرت وتعاظمت. وأنّ الحفاظ على الوضع القائم في السلطة من رواتب وامتيازات ليس أغلى من القدس والمسجد الأقصى.وأخيرا فهي مطالبة بتقديم صفحة تقرؤها الأجيال بفخر واعتزاز عبر التاريخ.
وسوم: العدد 646