هذا زمن العجب فاعجب إذن

إن تعجب فاعجب لرجل يحمل علامته الظاهرة في أقواله وأفعاله، فهو يقول ما لا يفعل، ويفعل ما لا يقول، في إصرار على ما ينوى فعله، بل على ما يريد فعله، فيفعله غير مبال بما يصدر عن هذا الإصرار في الفعل، والفعل في الإصرار من نتائج ترضيه هو، وتسخط الآخرين من عباد الله الذين انخدعوا به، وهو في الأوج من هيلمانه، والذروة من صولجانه، فركنوا إلى حال من اليأس لا تخفى، وهيئة من البؤس لا تشفى، فكان ما كان مما يذكرونه من التأميل، ويعرفونه من التهويل، فلا عاصم لهم اليوم مما يراد بهم من القرار، ويقسم لهم من البوار. إن تعجب، إذن، فاعجب لرجل كان يقيم الدنيا ولا يقعدها، بل كان يقعد الدنيا ولا يقيمها، وهو من شنشتة يملكها، وطنطنة يعلكها، يطلع على الناس بالعجيب من الوعود، والغريب من القيود، فيحمد هؤلاء الناس جرأة هو صاحبها، ووثبة هو مبدعها وثاقبها، فيظنون به خيرا، ويرجون أن يدفع عنهم شرا، فيما هم فيه من طول الانتظار، وكثرة الاصطبار، فلعله يدفع عنهم ما لم يستطع غيره من السابقين درءه، ولعله يبدأ ما جهل هؤلاء خاتمته وبدءه، فما كان منه إلا أن جعل أصابعه في أذنيه، واستغشى ثيابه، فهو لا يرى ولا يسمع، وكيف يرى ويسمع، وقد أشرب قلبه حب الرأي الأوحد، ولم تسعفه الإرادة في الوفاء بالعهد الأحمد، فترك ما قاله للناس في سالف العهد، من الكلام الجميل، وما أفضى به إليهم من السر الجليل، فكان ما كان مما يذكره، وكان ما كان مما يتناساه وينكره، وهو ماض على هواه، في نهج تعرفه خطاه، فإذا قال الناس خلاف ما يقوله، وجهروا بما لا تشتهي مطاياه وخيوله، قام فيهم يذكرهم بما فعله من الحسنات، وما قدمه من الخدمات، فكيف ينسون، إذن، ما قام به من الإصلاح، وهم به من بناء الأجسام والأرواح، غير أنه ينسى أن منظومته لما تجد طريقها إلى التطبيق، وأنها بعيدة كل البعد عن التحقيق، وأن ما جاء به من الفتات لا يسمن ولا يغني من جوع، فكيف يمعن في إنكار مشروعه وما أروعه من مشروع، ويصر على تجاهل ما ما قاله باليقين، وقدمه للناس باليمين، فكان ما كان من ظهور أعلامه، ورسوخ آرائه وأحكامه، حتى إذا جد الجِد خانه الجَد، فلم يجد لرأيه صدى، ولم يجد على هذا الرأي هدى، فكان الإصرار منه على ما قال وفعل، وكان الإكبار لما جاء به من الحجة وحمل، والناس لا يقرون إلا بما سمعوه عنه من الوعود، وهو في حال من السعد بل من السعود، فهل يسطيع وقد اتسع الخرق على الراتق، أن يجد لرأيه قبولا، بحجة الواثق؟ أم هل  يترك  ما هو  فيه من الإصرار، ويدع ما هو عليه من الإنكار؟. ونسأل الله تعالى ثواب الدنيا، وحسن ثواب الآخرة. وصلى الله على محمد وعلى أبويه إبراهيم وإسماعيل وسائر النبيئين وسلم تسليما.

وسوم: العدد 648