بعد ثمانية وعشرين عاما .. الشراكة السياسية عند حركة حماس
في 14/12/1987م، صدر أول بيان لحركة المقاومة الاسلامية "حماس" وكان ذلك بعد تفجر الانتفاضة الأولى بأسبوع واحد ، لقد كان الاسم بالنسبة للجماهير جديداً ، ولكنّ الجماهير تذكر جيداً أبناء الحركة الإسلامية الذين رفدوا المجتمع الفلسطيني بنشاطاتهم الاجتماعية والإصلاحية والتربوية والرياضية وغيرها، وقبيل بزوغ فجر الانتفاضة الأولى كانت ذروة نشاطات الحركة الإسلامية سالفة الذكر.
خلال سنوات الانتفاضة الأولى صعد نجم حركة المقاومة الاسلامية "حماس" وأصبحت ذات رصيد نضالي إلى جانب الحركات الوطنية الفلسطينية، وازداد التصاقها بالجماهير، كما أنها فرضت نفسها في ميدان المقاومة بصورة ألزمت الفصائل التي رفضت وجودها كحركة مقاومة في بداية الأمر؛أن تتعامل وتتعاون معها بصور شتى، ففي ميدان المقاومة الذي كان يميل إلى السلمية والجماهيرية في بداية الانتفاضة، شهدت مدن وقرى الضفة والقطاع أشكالاً متنوعة من التعاون والشراكة في قيادة أحداث الانتفاضة، كما تواصل التعاون والشراكة في العمل الجماهيري والميداني الذي كان يخدم نفس السياق في غالبية المواقع الفلسطينية ، وهذا لم يلغ التنافس الشريف بين الحركات الفلسطينية وخاصة مع حركة "فتح". كما كان التعاون والشراكة في أوضح صورها في الجامعات الفلسطينية سواء من خلال التمثيل النسبي الذي يأتي عقب الانتخابات الطلابية، أو المشاركة في الأنشطة والفعاليات التي كانت الأطر الطلابية تقوم بها داخل وخارج الجامعات.
لا يعني هذا الكلام أنّ الأمور لم يكن يتخللها الاصطفاف الحزبي والمنافسة الشديدة والتوتر في بعض الأحيان بين الفصائل الذي يصل لأزمة يتم حلها من خلال عقلاء هنا وهناك، ولكن كل هذا لم يكن يفرض القطيعة بين التيارات السياسية وخاصة الحركتين الأكبر.
لقد جاءت اتفاقيات أوسلو عام 1994م كحل مرحلي للقضية الفلسطينية كان من المفروض أن يقود إلى دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة عام 1967م، وكان ايذاناً بانتهاء الانتفاضة الأولى ومظاهرها، وخاصة أن حركة فتح اصطفت إلى جانب الاتفاقيات وقامت برعايتها، وتبنّت حركة حماس معارضة الاتفاقيات بشكل قاطع؛ لأنها رأت فيها تنازلاً وتراجعاً لمبادىء الثورة الفلسطينية التي انطلقت من أجل تحرير كامل التراب الوطني الفلسطيني؛ واستمرت في أعمال المقاومة وخاصة المسلّحة، مما أثار حفيظة السلطة الفلسطينية الناشئة التي رأت في ذلك تهديداً للاتفاق المبرم مع دولة الاحتلال وقد يكون تهديداً لوجودها. فبدأت السلطة الفلسطينة بتقييد نشاطات حركة حماس ومراقبتها والتشديد عليها وقامت بين الفينة والأخرى باعتقال عناصر وقيادات من الحركة وشمل ذلك الضفة والقطاع . وهذا كله رغم عِظمه لم يكن يمنع من التواصل والعمل المشترك بين حركة حماس وحركة فتح زيادة على باقي الحركات الفلسطينية.
لقد رأت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية والمتمثلة بالرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، في الانتفاضة الفلسطينية الثانية "انتفاضة الأقصى" فرصة للتخلص من الالتزامات والاتفاقات التي قيّدت المنظمة، ووسيلة للضغط على الاحتلال لإجباره على تقديم تنازلات في أي اتفاقيات قادمة ممكنة، وذلك بعد أن فشلت مفاوضات كامب ديفد عام 2000م لايجاد حل نهائي للقضية الفلسطينية؛ يقود لإقامة الدولة الفلسطينية العتيدة على الأرضي الفلسطينية المحتلة عام 1967م. ومن هنا انطلقت مسيرة جديدة ذات زخم من التواصل والشراكة الميدانية وخاصّة في أعمال المقاومة، حتى أنّ بعض العمليات الفدائية كانت مشتركة بين أفراد من حركة حماس وحركة فتح. وكما يرى المراقبون أنّ هذا دليل على إمكانية ايجاد صيغ من العمل المشترك والتعايش تحت مظلة واحدة بألوان مختلفة.
لقد حصلت الفُرقة الحقيقية والانقسام الحاد بعد الانتخابات الفلسطينية النيابية عام 2006م، التي حققت فيها حركة حماس الأغلبية في البرلمان الفلسطيني، وساق هذا الفوز الاعتقاد لدى حركة فتح أنها ستخسر السيطرة والاستفراد في إدارة السلطة التي تعتبرها انجازاً من انجازاتها،ومن خلالها قد ينحَسِر تحقيق برنامجها السياسي الذي يعتمد على المفاوضات وبالتالي يضعف حضورها في المشهد السياسي. وفي اللحظة التي تمّ تكليف حركة حماس بتشكيل الحكومة العاشرة ؛ قاطعت الفصائل الفلسطينية المشارَكة في هذه الحكومة بداعي أنّ البرنامج السياسي لحركة حماس لا يلبي رغبات وطموحات هذه الفصائل. فشكلت حماس الحكومة العاشرة لمدة عام لوحدها مرتكزة على الاصطفاف الشعبي لها من خلال نتائج الانتخابات، لقد عانت حركة حماس من التضييق على الحكومة من خلال منع تحويل الأموال اللازمة لإدارة السلطة ؛ والذي انعكس بدوره على رواتب موظفي السلطة الفلسطينية، وكان سبباً من أسباب قيام الاحتجاجات والاضطرابات التي زادت من حدة التوتر بين الحركتين فتح وحماس ،حتى انفجرت الأحداث التي قادت للانقسام الفلسطيني الذي انتهى بسيطرة حركة حماس على قطاع غزة وسيطرة حركة فتح متمثلة بالسلطة الفلسطينية على الضفة الغربية.
ومن خلال محاولات عدّة قامت بها فصائل ودول لم تسفر عن مصالحة حقيقة على الأرض بالرغم من توقيع اتفاق مصالحة على الورق. ويعود ذلك لسبب رئيس واحد وهو أنّ للحركتين برنامجين سياسيين مختلفين أحدهما يرتكز على مبدأ التفاوض الذي قاد لاتفاقية أوسلو وتمثله حركة فتح وخلفه الرباعية الدولية والنظام العربي الرسمي، والآخر عنوانه ما أخذ بالقوة لايرجع إلاّ بالقوة والمقاومة وتمثله حركة حماس ومعها الحركات الاسلامية في العالم العربي ودعم معنوي من بعض الدول الإسلامية .
إنّ تعقيدات القضية الفلسطينية الكثيرة والتي لا تقتصر على استفراد الاحتلال بممارساته على الشعب الفلسطيني، ومعه الاصطفاف الغربي الرسمي وعلى رأسه الوسيط غير النزيه المتمثل في الولايات المتحدة الأمريكية ، وكذلك الحالة العربية المزرية التي وصلت إليها الشعوب والأنظمة من ضعف وتشرذم؛ تفرض على الشعب الفلسطيني بفصائله الوقوف سدّا منيعاً وصفاً متراصاً لاستعادة حالة التوازن للمضيّ قدماً في تحقيق الأهداف الوطنية. وتُعتبر الشراكة السياسية هي الأبجدية الأساسية في بناء منظومة التحرر والتخلص من الاحتلال لأنها هي التي تقود لوحدة وطنية واعية وتؤسس لعمل سياسي ووطني شامل، كيف لا وهي أساس بناء الدُول المتحضرة.
تحتاج الشراكة السياسية إرادة لتحقيقها على الأسس الوطنية التي نشأت الفصائل الفلسطينية من أجلها، وهناك مجموعة من العوامل إن تحققت فقد تجعل الشراكة واقعاً ملموساً، منها لا على سبيل الحصر:-
أولاّ: تَقَبُّل النظام السياسي الفلسطيني لحركة حماس والحركات الاسلامية كجزء منه . والعمل من خلال حوار عميق وبنّاء وصادق؛ على دمج الحركات ذات الفكر السياسي الاسلامي فيه، وذلك من خلال أسس وقواعد وطنية ذات رؤى شاملة يُجمع عليها الكل الفلسطيني. وهذا يتطلب إصلاح في النظام السياسي الفلسطيني ومؤسساته وعلى رأسها إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية كبيت يجمع الكل الفلسطيني.
ثانياً: وضوح الأهداف الوطنية الفلسطينية الاستراتيجية والمرحلية وإعادة صياغتها بصورة واضحة لا لبس فيها مبنية على الإجماع الوطني الفصائلي والشعبي في الداخل والخارج ويكون ذلك على قاعدة تحرير الأراضي الفلسطينية ، والعمل على استيعاب التناقضات والاختلافات بآليات وديناميكيات جديدة تعتمد على التجربة الفلسطينية خلال السنوات الماضية، التي سارت في مسارين هما التفاوض والمقاومة.
ثالثاً: التحرر من تأثير الأحلاف الخارجية المؤثرة سلباً فيما يتعلق بالمصالحة والتي تشترط قبول حماس بمبادىء الرباعية الدولية الذي يعني قبول الاتفاقيات ، فهذه الأطراف لم تبدِ جهداً في إجبار الاحتلال على تطبيق الاتفاقيات الموقعة بينه وبين المنظمة ، وهذا لا يدعو طرفي الخلاف إلى التخلي كلّ عن برنامجه بقدر ما يتطلب منهما برغبة وإرادة حرّة إلى حسن إدارة وتوزيع الأدوار وإيجاد صيغ الممكن .
رابعاً: المطلوب من الفصائل الفلسطينية تعزيز دورها في لم الشمل ، والبحث عن صيغ وآليات عمل جديدة وخلاّقة للعمل الوطني تَجمع ما لم يستطع غيرها جمعه، وهذا لا يعني إلغاء أطر ومسميات موجودة بقدر من تفعيلها والإفادة منها، ولنا في الرباعي التونسي مثالاً مع الفارق بين القضيتين.
تعتبر الشراكة الفلسطينية شريان حياة يمد العمل الوطني بالحيوية والطاقة للسير قُدماً على طريق تحرير الأرض والمقدسات، لا شك أن التجربة السياسية لحركة حماس تُظهر قدرتها على الالتقاء بمن خالفها وذلك من خلال الأنشطة والممارسات في ميدان العمل، ولكن الجماهير الفلسطينية تطلب من الفصائل كافّة، أن تلتقي على الأسس الكافية للنهوض ببرنامج تحرر وطني عنوانه الخلاص من الاحتلال ودعامته الأساسية الشراكة والوحدة ،وخاصة بعد توقف مشروع التسوية السلمية أمام حائط العناد لدى الاحتلال الذي يرفض التقدم خطوة واحدة في إرجاع الحقوق الوطنية الفلسطينية.
وسوم: العدد649