إلى ضحايا القانون / 49 / المغيبين في يوم مجزرة حماة
أشكو إلى الله ثم إلى التاريخ وأشهد ...
أعلم أنهم لا يبالون ...
ولا أبالي أنهم لا يبالون ...
وكما كتبت أكتب وسأظل أكتب لتكون الكتابة لمن يقرأ بعدُ شهادة ، أنهم قد أخلوا وفرطوا وضيعوا ..
أكتب غرة شباط 2016 وبين غرة شباط 2016 وشباط 1982 نسب وشيج . شلال من دماء وجبال من شهداء وأشلاء ، ونهج ممتد متمادٍ من القتل والتدمير والتهجير ، ما زالت تتكسر حرابه على ظهورنا وظهور أبناء شعبنا حتى اليوم .
في سنة 1982 كانت المجزرة الكبرى في مدينة أثيرة جميلة حبيبة اسمها حماة ، وفي 2016 وقبلها بخمس سنين ،أصبحت المجزرة الأكبر في وطن أثير جميل حبيب اسمه سورية .
في 1982 وقعت واقعة العدوان والظلم على عشرات الألوف وفي 2016 وقعت الواقعة على وطن بأسره ، على شعب فيه عشرون مليون إنسان ، وعركت رحى الدم التي ما توقفت يوما في عهد الظلم والظلام مئات الألوف بل الملايين من الناس ...!!
أكتب غداة شباط 2016 وبيني وبين شباط 1982 أربع وثلاثون سنة . أربع وثلاثين سنين عجاف ، ظللنا فيها مع كل سنة نكتب ( حماة ...والمأساة ليست ذكرى ) . المأساة الفاجعة واقع قائم وحاضر معاش، ظللنا نسمع فيه مع كل صباح ومساء نداء الاستغاثة ، وصراخ الألم ، وبكاء الصغير ، ونحيب الحرائر، وتأوهات الأجنة في أرحام الأمهات. ظللنا نستشعر فيها كل لحظة على مدى ثلث قرن، حرارة الدم يتصبب حرا حارا نقيا صارخا ، وعشنا المأساة سنين طوالا ، يهصرنا مع حراب الظالمين ، تقريع العاذلين : لماذا ثرتم ؟ وكيف بالحرية والكرامة حلمتم؟!
حدبنا على الراية ، مع قلة من أبناء الوطن نعرفهم ولا نجحدهم ، حتى اتصل الصوت بالصوت ، وأجاب النحيب النحيب ، والتقي ( الدميان ) ؛ دم من قضى ومضى بدم من استجاب ووفى .
فإن كان في الساحة اليوم من نسي أو تناسى ، وإن كان فيها من أنساه حلاوةُ اللعقة علقمَ الأمس واليوم بكل ما فيه ، علقمَ ما تعيشه الثكلى والأيم واليتيم واليتيمة والشريد والشريدة ؛ فلا والله ما نسينا ولن ننسى ، ولا والله الذي لا إله إلا هو ما أصبرنا على ما كنا فيه السنوات الطوال رغبةٌ ولا رهبةٌ ، ولا طمعٌ ولا ولعٌ ،ما أصبرنا عليه إلا وفاء لرب دين ثم لأخوّة ما ظنناها يوما تكون ، كما يراها البعض اليوم، أخوّة تراب..!!
ولتبقى شكوى كل الذين مسهم الضر على أرضنا ، ماضيا وحاضرا ، إلى الله مرفوعة ، سجلا مرقوما بأسماء من ارتكب واقترف ، وأسماء من خان ونكث ، وأسماء من راوغ وغدر ..( ما لنا غيرك يا الله )
في شباط 2016 التقى ( الدميان ) ، وتعانقت أرواح شهداء الأمس واليوم، في حواصل طير خضر على أغصان الجنة ، إن شاء الله ، أحياء عند ربهم يرزقون ، لتبقى الأمانة في عنق من بقي وعهدا لله لن نضيعها وأقلها في كلمة حق ما بقينا ، وليبقى الوفاء شيمة من يفي ( وقليل من عبادي الشكور ) ...
غداة شباط 2016 وفي ذكرى شباط 1982 مكثت بالأمس أتفحص وجوه الركب المخبين إلى جنيف ، لعلي أرى لأولياء الدم الذي يبسط القوم على أريجه بساطهم ، وليا ، أو ألمح بين المتدافعين من القوم للأولين أو الآخرين من الضحايا نصيرا ، فارتد طرفي خاسئا حسيرا وردد لساني هيهات هيهات ويح دم هان على أهله فضيعوه ...
على كاهلي اغتراب سبع وثلاثين سنة ، واحدا كنت من مئات الألوف من إخواني ، منا الذين قضوا نحبهم ، ومن الأوفياء بعهودهم من الذين شُردوا وهُجروا وحُرموا الوطن ولأهل والدار حتى السلام على الوالد والوالدة والشقيقة والشقيق صباح عيد حرموه ، من أجل أن تكون سورية حرة كريمة عزيزة ، ثم أراهم يختمهم داعي ديمستورا والمتواطئون معه أيضا ب (لا الحرم ) الكبير ...
مئات الألوف من السوريين السوريين في ثلاثة أجيال من أبنائهم وبناتهم وأصهارهم وأحفادهم وأحفاد أحفادهم ، ثم ليمتد المصاب بهم ، وليثقل العبء عليهم ، ثم يختمهم : داعي ديمستورا والمتواطئون معه : بلا الحرم الكبير ...
وأعيد قراءة قرار مجلس الأمن 2254 الذي يتمسح به المتمسحون ويتكئ عليه المتكئون في توصية ديمستورا في دعوة السوريين ( وإذ يضع في اعتباره الهدف المتمثل في جمع أوسع نطاق ممكن من أطياف المعارضة..)
ومع وضع هذا الاعتبار موضع التنفيذ وكما يزعمون ويقررون ، يختم داعي ديمستورا هؤلاء السوريين : بلا الحرم والإقصاء كما حكمه قانون الأسدين من قبل بالإبادة والاستئصال
فلا يجد أولياء الدم في حماة ولا في حلب ولا في جسر الشغور ولا في سرمدا ولا في تدمر على مدى أربعة عقود بين المتزاحمين على مقاعد جنيف مقعدا ذلك أنهم ختموا بختم الحرم الكبير ..
ولا يجد ضحايا قانون الإثم والعار والفضيحة القانون 49 / 1980 الذي يحكم بالإعدام على السوريين من أبناء جماعة الإخوان المسلمين ومن يلوذ بهم في أخطر سابقة قانونية في شرعنة الجريمة ، وتبريرها بتقنين ، بين الممثلين للمظلومين ممثلا وعن حقوقهم مدافعا . ويشرعن ديمستورا القانون الجريمة مرة أخرى ولا تبلغ دعوته كما زعم مجلس الأمن (أوسع نطاق ) .
ولا يجد ضحايا قوائم الإعدام بالعشرات يوقعها بحقهم وزير الدفاع مصطفى طلاس كل أسبوع ، بين كراسي ديمستورا كرسيا يسأل : الحقَ والدم والألم والعذاب ...
لا تجد المنتهكات من الحرائر المحصنات ، ولا من الأمهات والزوجات والشقيقات من يمثلهن أو يسأل عنهن :وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ ِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ ، وأعود إلى قرار مجلس الأمن وأقرأ عن تمثيل السوريات وتخصيص المرأة وعلى( أوسع نطاق ) فلا والله الذي لا إله إلا هو ما وجدت بين الحاضرات لذات النطاقين نطاقا .
أستمع إلى كل العالم يتساءل أين هم ممثلو الحزب س؟! أين هم ممثلو التجمع ص ؟! أين هم ممثلو ؟! لم يسأل أحد أين هم ممثلو ضحايا القانون 49 / 1980 ، أين هم ممثلو ضحايا سجن تدمر الرهيب على مدى أربعة عقود ؟ أين هم أولياء الدم في المجازر الكبرى في حماة وحلب وسرمدا وجسر الشغور ...
الأعجب من كل عجب أن هؤلاء الممثلون غابوا أو ذابوا فلا هم يسألون ولا هم يجيبون ..
أيها السوريون المعنيون ..
إن كان ثمة مؤامرة فيما يدور في جنيف فعلى دينكم وإسلامكم وعليكم أنتم ، على أبنائكم وأحفادكم وأجيالكم كما عشتموها من قبل على مدى أربعة عقود ..
وستظل رحى الدم تدور على أشلائكم عفوا أقصد على أشلائنا وأشلاء أبنائنا وأحفادنا حتى ننتصف ، ولن ننتصف حتى نمسك بلواء الحق بأيدينا ..
أيها السوريون المعنيون بالإقصاء والاستئصال والاجتثاث ولا يغضب لكل ذلك يقع عليكم أحد أقله أن تغضبوا لأنفسكم ..
أقله أن تذكروا أن الحقوق تؤخذ ولا تعطى ..
وأن من لا يذد عن حوضه بسلاحه يهدم ...
وسوم: العدد 653