لن يقتل بوتين حلمي

في أواخر العام 2013 شددت الرحال إلى بلدي سورية بعد مفارقة قسرية فرضها علينا الأسد الأب عندما أصدر قانون العار رقم 49 عام 1980 والذي يحكم على كل منتم إلى جماعة الإخوان المسلمين بالإعدام بأثر رجعي، ولا يعلم إلا الله مدى المعاناة التي عشناها خلال هذه السنين العجاف.

عدت إلى بلدي وأنا أحلم بالحرية والكرامة التي حرمنا من تنسم أريجها نظام شمولي ديكتاتوري إقصائي لا يحترم إنسانية الإنسان ولا يحترم الحدود الدنيا لحقوق الإنسان التي تعتبر بحسب المواثيق الدولية والشرائع السماوية حقاً لا مساومة عليه.

عدت إلى بلدي وقد انتفض الشعب في ثورة عفوية مطالباً بالحرية والكرامة، وجوبه بالحديد والنار لنحو ستة أشهر والشعب يتلقى كل هذا الإجرام بصدور أبنائه العارية إلى أن فاض به الكيل واضطر إلى حمل السلاح، بعد أن تمادى هذا النظام الباغي في القتل والتدمير وتجاوز كل الخطوط الحمراء التي لا يمكن السكوت عليها، فقد تطاول على الأعراض والمقدسات، ظناً منه أنه بفعله الدنيء هذا سيكسر إرادة الثوار، ولكن هذا النمرود الصغير لم يعي كيف تكون إرادة الشعوب عندما يتفجر بركان الغضب لديها وكأنه لم يقرأ ما قاله الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي:

إذا الشعب يوماً أراد الحياة .. فلابد أن يستجيب القدر

ومضت الثورة من انتصار إلى انتصار على هذا النظام السفيه المتغطرس، وفي المقابل مضى النظام الباغي في ارتكاب جرائمه بحق الشعب السوري الثائر أملاً في لي ذراع الثوار، ولم يترك نقيصة إلا وارتكبها بحق الشعب والمدنيين العزل من مجازر بشعة واستعمال للأسلحة المحرمة دولياً من غازات سامة وبراميل متفجرة وصواريخ فراغية وعنقودية وحصار وتجويع وقطع للماء والكهرباء.

ومع كل هذه الجرائم تمدد الثوار وحققوا مكاسب على الأرض حتى باتت سورية بمعظمها بيد الثوار، في حين انكفأ النظام ومن تبقى من جيشه المتهالك إلى مناطق لا تشكل أكثر من 20% من مساحة سورية، في تلك الأثناء ظهر تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الذي يضم مجموعات من الغلاة الذين وفدوا إلى سورية من بلدان عدة وفعالهم تشبه إلى حد بعيد ما كان يفعله الخوارج، الذين كانوا يقدمون قتل المسلم الذي يخالفهم الرأي على قتل النظام وأزلامه لاعتقادهم أن قتل المرتدين يقدم على قتال الكفار، وقد تمكنت المخابرات التابعة للنظام والمخابرات الإيرانية من اختراقهم وزرع الكثير من العناصر المدربين بين صفوفهم، وقد بدأ هذا التنظيم باحتلال المناطق الرخوة، وضرب الأهداف السهلة، وهكذا ارتاح النظام لموقف هذا التنظيم، الذي راح بما توفر له من عتاد وسلاح مميز من الاستيلاء على مناطق واسعة من الأراضي السورية في شرق البلاد وشمالها على حساب الثوار والنظام، الذي راح يلعب على وتر محاربة الإرهاب مساوياً بين داعش وباقي الفصائل الثورية المناهضة لحكمه، ووقف الغرب وأمريكا المحسوبين من أصدقاء الشعب السوري موقفاً سلبياً من كل ما يجري على الساحة السورية، متخلين عن الشعب السوري وعن تأييد ثورته، وتركوه لقدره وهو يواجه داعش والنظام الباغي الذي سارعت إيران إلى نجدته ومنعه من السقوط وجيشت الآلاف من حرسها الثوري والآلاف من شيعة حزب الله اللبناني والمرتزقة من العراق وأفغانستان وباكستان لتحول دون هزيمته.

ورغم كل هذا الحشد المهول.. ورغم التنازع والتناحر بين الفصائل المقاتلة تمكن الثوار من تشديد الخناق على النظام وداعميه ومؤيديه والمدافعين عنه، وباتت قوافل التوابيت تصل بالعشرات والمئات إلى طهران والضاحية الجنوبية تحمل جسامين القتلى، حتى ضج أهاليهم وراحت تعلو أصوات هنا وهناك معارضة لمشاركة أبنائهم في قتال لا ناقة لهم فيه ولا جمل.

وعندما كاد الأمر يفلت من يد النظام وجوقته الباغية وقد أعدوا حقائبهم للرحيل جاء الغوث من عاصمة البغي والضلال موسكو التي سارعت باستدعاء الأسد الصغير إليها ليوقع على اتفاقية بيع أصول الدولة السورية لها إن أراد البقاء في حكمها، ففعل ومهر بتوقيعه على كل ما طلبته موسكو منه بصفته الرئيس المعترف به دولياً.

وعاد هذا الوغد الصغير منتشياً بما حقق، فسورية ليست همه فكل همه منصبّ على الكرسي الذي ذاق حلاوته.

وتحركت روسيا بكل ترسانتها العسكرية المتطورة براً وبحراً وجوا تصب حمم ما لديها وما تملكه من أسلحة الدمار الشامل على مدن وبلدات وقرى سورية تحت يافطة (الحرب على الإرهاب) لتحرق الأخضر واليابس وتدمر ما لم يتمكن النظام من تدميره على مدى خمس سنوات، متبعة سياسة الأرض المحروقة كما فعلت بالشيشان، والعالم الذي يدعي الحضارة والمدنية وحقوق الإنسان يتفرج على ما تفعله موسكو في سورية من قتل وتدمير لم تُصب بمثله بلاد أو أوطان منذ الحرب العالمية الثانية باعتراف هذه الدول نفسها وكل المنظمات الإنسانية التي وصفت ما تقوم به موسكو بأنها جرائم ضد الإنسانية.

بوتين الذي جاء بكل عتاده وسلاحه ليقهر السوريين ويذلهم ويكسر إرادتهم لمطامع قيصرية في بلادنا مستغلاً نأي العالم عما يفعله هذا القاتل في بلادنا من تدمير وحرق ومجازر قل نظيرها حتى خلال الحرب العالمية الثانية بكل وحشيتها وقساوتها، لن يتمكن من كسر إرادة السوريين أو قتل حلمهم، ولن يحول دون يدهم الطولى وعنق عميلهم الصغير بشار الأسد، الذي سيكون في قفص العدالة إن عاجلاً أو آجلاً، وحتى بوتين هذا لن ينجو بفعلته وما ارتكبه من جرائم بحق السوريين وأنه لابد أن يساق إلى محاكم جرائم الحرب التي لن يفلت من ملاحقتها مهما طال به الزمن أو قصر.

وسوم: العدد 654