أمة واحدة
لا بد أن تستوقفنا الاية الثانية والخمسون من سورة «المؤمنين» من كتاب الله, وأن نرى الى عموم الخطاب فيها لكل المؤمنين من اتباع الديانات, سواء التي قصّ الله سبحانه قصصها على رسوله المصطفى صلوات الله عليه وسلامه أو التي لم يقصصها عليه.
يقول رب السموات والارض وما بينهما, رب العرش العظيم مخاطباً الرسل الكرام (واتباعهم): «يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً إني بما تعملون عليم وإن هذه أمتكم امة واحدة وانا ربكم فاتقون».
ونحن نملك, حين نتدبر هذا التنزيل الكريم, أن نخلص الى جملة من المعاني الحسان أو التعاليم الالهية الكفيلة بتزكية الوجود الانساني.
اول ذلك أن يأكل الناس الطيب لا الخبيث, والطيب مأتاه الفعل الايجابي المثمر الذي يؤتي اكله باذن ربه والذي لا يكون اغتصاباً او استلاباً أو انتهاباً, سواء اقام به فرد أم جماعة أم دولة أم تحالف دول.
وثاني هذه التعاليم الربانية العمل الصالح الذي يبني ولا يهدم, ويجمع ولا يفرّق, ويزكّي ولا يدسّي, ويجمّل ولا يشوّه, ويحسّن ولا يقبّح, ويراعي الرحّم الانسانية الواحدة ولا يقطّع اوصالها, ويدفع الشقاء عن البشر, ويهيء لهم شروط كرامتهم على اختلاف الالسنة والالوان والاعراق والمذاهب.
وثالث ما نتنوّره في الآية الكريمة تقرير أن الله سبحانه عليم بكل ما يأتيه الانسان ويدعه من شؤونه وشجونه, بما يتضمنه ذلك من انه مسؤول أمام خالقه عن أن مجمل اعماله مسؤولية ذاتية تقتضي منه الالتزام بأن يكون قوة خير بنّاءة في العالم, وان يستشعر «وحدة الخلق» بقدر ما يوقن بوحدانية الخالق.
وتظل تشيع في هذه التعاليم كلها حقيقة أن الرسل (واتباعهم) أمة واحدة هي امة الايمان التي يصدق فيها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم, في تمثل امثل لهذه الحقيقة: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم مثل الجسد الواحد, اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الاعضاء بالسهر والحمى».
ولعلنا اذا اردنا لمواثيق الامم المتحدة ان تظفر بديباجة استهلالية تكون عصاماً لها من ان تذهب لدى التطبيق في وعورات تبطل مضامينها ان نقترح الآية الكريمة التي وقفنا ملياً ازاءها, والحديث الشريف الذي ذكرناه مقدمتين لكل ميثاق وضامنتين روحيتين اخلاقيتين لكل عهد. إذ بهما تتحقق للبشرية الاستنارة والاستبصار, والهداية الى «سبل السلام», وتعود من ضلالتها وشقوتها وعذاباتها الى ما ينبغي ان تكون عليه من تواؤم وتعاضد وسلام.
وسوم: العدد 656