الثورة السورية (آراء و مواقف)
المعركة في سورية اليوم معركة حياة أوموت في مواجهة العدوان الأجنبي الذي تتولّى كبره- روسية و التحالف الدولي من جهة، و إيران و الميليشيات المؤتمرة بأمرها من جهة أخرى.
ونظرا لكبر حجم المعركة و لكثرة المشاركين فيها، من الأعداء بخاصة، وجب على السوريين، أن يرتقوا في الأسباب، في مواجهة أولئك الأعداء، الذين لم يدخروا جهداً في الاعتداء عليهم.
وأول هذه الأسباب مراجعة حساباتهم و معرفة أعدائهم و أصدقائهم، و مايجب أن يفعلوه، في مواجهة تلك القوى الغاشمة، و الظالمة و المتعدية على وفق الشرائع و الأديان كافة,
و مايجب أن يفعلوه، هو الذي يجب أن يكون موضع نظر من الجميع؛ و المقصود بالجميع السوريون كافة،سيما أولئك الشرفاء من حملة القضية السورية و ورّاثها، و المعنيين بها دون سواهم من الناس.
وفي المقابل نقول ومن (باب الإنصاف): إن أعداء الشعب السوري ليسوا تقليديين، ولوكانوا كذلك لهزموا منذ الجولة الأولى، و لكنهم أعداء يسندهم الأجنبي و قد توافر لهم من أسباب القوة أربعة أسباب:
أولها- السلاح: و كلنا يعرف الترسانة التي تسلح بها النظام فضلا عن السلاح الإيراني الذي يشكل بالنسبة له مدداً غير مقطوع، و السلاح الروسي الذي استقوى به ضد الشعب السوري، و فصائله المقاتلة.
وثانيها- الدعم الدولي لبشار و نظامه: و كلنا يعرف أن الشرق و الغرب يصطف مع ذلك النظام؛ يقدم له الدعم المادي و المعنوي، من سلاح و غيره، ويدافع عنه في المحافل الدولية،بالرغم مما ارتكبه من جرائم.
وثالثها- و هو الاخطر حصار الثوار: داخل سورية و خارجها و منع كافة أشكال الدعم الفعال عنهم، و منه الأسلحة النوعية، و كلنا يعرف حجم الأسلحة النوعية و فاعليتها أمام البندقية المقاتلة، التي مهما ارتقت في النوع فلن تتجاوز السلاح الخفيف و بعض القطع المصنعة محليا،أو المشتراة من السوق السوداء، و هي غير كافية.
رابعها- التحشد الإعلامي إلى جانب النظام: و الوقوف معه و تبني أفكاره، و الدفاع عنه في المحافل الدولية،بالرغم من عدوانه السافر على المدنيين، و عدم احترامه لحقوق الإنسان وإيغاله في الجرائم، و استخدامه الأسلحة المحرمة دوليا ضد الشعب السوري بعامة.
و الأخطر من ذلك و صم المجاهدين بالإرهاب، مع تصوير ذلك الإرهاب على أنه الأخطر عالميا، و الدعوة إلى التحشد ضدهم بدلا من التحشد ضد النظام علما أن ذلك الإرهاب الذي يعنونه يطال عقيدة الأمة، و فكرها و ثقافتها الحضارية.
و عودا على بدء، فإن المعركة السورية، التي هي معركة حياة أو موت تتطلب منا شجاعة شخصية بالرأي أولاّ، و بالفعل ثانيا، و إذا كان السؤال التقليدي الذي يدور على الشفاه- و هو الشغل الشاغل- يتمثل في ( مالذي حدث؟) فإنه يتمثل كذلك في (مالذي يحدث؟) و هذان السؤلان و هما موجبا الرد، يتطلب كل واحد منهما الوقفة المفردة.
أولاً- ( مالذي حدث.): و الذي حدث في سورية يفهم من خلال رؤيتين. الرؤية الأولى عامة و هي تتناول الحقبة الممتدة منذ انقلاب الثامن من آذار سنة 1963 و حتى الآن، و هي تاريخية و سيتولاها المؤرخون من بعد بالدراسة و البحث. و الرؤية الثانية خاصة، و تقتصر على أحداث الثورة السورية منذ سنة 2011م وحتى الآن، و تتطلب منا دون غيرها النظرة المعمقة في كل ماحدث على الساحة السورية، و كل ماله علاقة بالثورة السورية و على الصعد كافة،داخليا و خارجيا.
و الذي يجب أن نفكر به أولاً الصفحة الأخيرة من هذه المعركة، و قد بدت الانكسارات واضحة على جميع الجبهات. وذلك بعد التدخل الروسي، الذي بات معلوما أنه ينسّق لوجستيا و فنيا مع أعداء الشعب السوري ، و يشاركهم في هجومهم المستمر ضد الفصائل المقاتلة، تحت غطاء مايسمى بالإرهاب.
لكن( الذي حدث) ماكان له أن يحدث و ذلك من باب النقد الذاتي- لولا أمور أربعة:
الأمر الأول- يتعلق بالتقاليد القتالية التي تكونت خلال السنوات الخمس المنصرمة: وقد بدا للعيان أنها تحكم على نفسها بالقصور منذ أيامها الأولى، وذلك لأسباب ثلاثة:
السبب الأول- يتعلق بالخبرة العسكرية. و الخبرة العسكرية لها جانبان. الجانب الأول يتعلق بالتقنية الفنية التي يملكها المقاتل و الجانب الثاني يتعلق بالخبرة العملية التي يكتسبها المقاتل و كلا الجانبين لم يحسن استثمارها فدخلهما الخلل في العلاقة. و لم يكن لدى العاملين في الفصائل المقاتلة من يحسن الاستفادة من الخبرة بعامة.كما لم يكن لهم عقيدة قتالية يعملون على وفقها، و ينَشَّؤون عليها.
السبب الثاني يتعلق بالرتبة العسكرية. و الرتبة العسكرية تعني المؤهلات العسكرية وقد أهملت إلى درجة كبيرة و ماوجود مخيمات الضباط المنشقين في بلدان الجوارإلا دليل على ذلك. و أكثرهم ولاريب، من الشرفاء و أصحاب المواقف المشرفة، و يعد انشقاقهم الدليل الواضح على تلك المواقف، و إن كانوا أخملوا و لم يسعفهم الحظ أن يلتحقوا بقوى الثورة المسلحة، أو أن يثبتوا حسن نواياهم على أقل تقدير.
السبب الثالث يتعلق بالناحية العلمية و المعروف أن الفصائل المقاتلة، لم تستفد من أصحاب الكفاءات العلمية إلا بالقدر الضئيل من الفائدة. و لذلك توزعت الكفاءات السورية على القارات الخمس بينما قاد الفصائل المقاتلة أنصاف المتعلمين، و قليلو الخبرة، و غير المؤهلين فنيا بصورة عامة وقضية الافتقار إلى الخبرة، و عدم اعتبار الرتبة و عدم احترام المؤهلات هو الذي جعل التقاليد العسكرية التي كانوا عليها مفككة و غير نافعة. سيما في أوقات المعارك التي كانت تتطلب الخبرة العسكرية العالية.
الأمر الثاني- يتعلق بأخلاقية المجاهدين، و بما كانوا عليه من انزلاقات خطيرة، و قد توزعوا على متشددين و متفلتين و كلا التشدد و التفلت قطبا رحى طحنت عظام المجاهدين ولاتزال تطحنهم و إلى اليوم.
الأمر الثالث- يتعلق بوحدة صف الثوار: و قد خلت الساحة السورية من هذه الوحدة،فغصت بالفصائل السورية المختلفة فيما بينهما، و المؤلبة على بعضها، أو المنشغلة عن واجباتها بخلافاتها، الأمر الذي أضعفها، و أسقط هيبتها، و جعل أعداءها يراهنون على ضعفها.
الأمر الرابع- يتعلق بالداعمين: و قد يكون أخطر مافي القضية أولئك الذي يقدمون شروطهم على دعمهم، و هي مسألة أكثر من مخيفة.سيما أن بعض تلك الشروط تخدم النظام و تتقاطع معه؛ بل و تشكل نقطة عطالة في العمليات القتالية ضده. و الاشتراط و ماانطوى عليه من إجحاف أحد مقاتل الثوار السوريين منذ 2011م و حتى اليوم.
ثانياً- مالذي( يحدث الآن): إن الذي يحدث الآن و هو جلل يتعلق بالذي حدث من قبل؛ فهو نتاج طبيعي للفعل الخطأ، و للتصور الخطأ، و الذي قاد إلى النتائج الخطأ و الأمور الأربعة التي تحدثنا عنها و ماتفرع عنها من أسباب موضوعية تعدّ المدخل إلى النقد الذاتي الذي يطال العملية الثورية كلها. و بغير هذا الفهم لانستطيع أن نتصور الانكسارات الهائلة التي حدثت على الساحة السورية أو القيام بفعل ما من أجل تلافيها. و يعد ماحدث في شمالي حلب المثال الأوضح على ذلك. فضعف التقاليد القتالية هو الذي جعل مواقفهم متشظية و قد امتنعوا عن نجدة بعضهم و انشغلوا بذواتهم، فأخذهم العدو بلدة بلدة و قرية قرية وبدون عناء يذكر، بل و كأنه في رحلة سياحية قياساً على المعارك السابقة التي خاضها ضد الفصائل المقاتلة.
و إذا ما أضفنا إلى ذلك الأمور الأخرى المتمثلة بشرذمة الفصائل المقاتلة، و بعدم اتفاقها فيما بينها، و قد توزعوا بين إرهابيين و غير إرهابيين، تبين لنا و بالصريح الواضح حقيقة مايجري على الساحة السورية. و القضية من وجهة نظر مجردة قضية تصفية الثورة و ليس تصنيفها، و أن الإرهاب و ماثار حوله من نقاش ليس أكثر من شماعة لغرض التبرير و التزوير، من قبل الذين يخططون من أجل القضاء على سورية و شعبها. و على ثورتها المقدسة.
و أخيراً فإن مايجب فعله يتمثل بأربع مسائل:
أولاها- بمراجعة الذات، و معرفة( ماحدث)و (مايحدث) و (مالذي سيحدث بعد). و ذلك بالتحليل العلمي؛ المنطقي و الموضوعي و البعيد جدا عما هو ساذج و عفوي، و غير صحيح.
و ثانيتها- برسم سياسة الاعتماد على الذات، و الابتعاد عن كل أشكال الدعم المشروط، كائنا ما كان ذلك الدعم، و عن الارتهان للأجنبي، و الانجرار وراء سياساته و طموحاته.
وثالثتها- بالدخول في مشروع وحدة الفصائل المقاتلة، على الأرض السورية، و الفصل بينها و بين المسائل الإقليمية و الدولية التي جلبت على السوريين الأمرين.
ورابعتها- بالانتباه إلى مايجب أن يكون عليه الثوار من خلق أو دين، و عدم الفصل بين الدين و الثورة، و اعتبار السمت الإسلامي هو المهاد الأوسع الذي يجب أن تتشكل منه ثقافة الشباب المسلم الذي يخوض معركة الحياة او الموت ضد أولئك الذي يغزونه في عقر داره و يحاولون سلبه حقوقه، فضلا عن دعمهم المطلق للنظام الذي يعد بحكم القاتل و المجرم و المعتدي على الحريات العامة و الخاصة،. و هي مسألة لم تعد مقبولة عند السوريين الذين قرورا انتزاع حقوقهم من حاكمهم المجرم بالقوة المسلحة.
أ.د.عبد العزيز الحاج مصطفى
رئيس وحدة الدراسات السورية
مركز أمية للبحوث و الدراسات الاستراتيجية
وسوم: العدد 658