قصّة الطّوفان وسفينة نوح بين الحقائق العلميّة والأساطير
لقد استهوت هذه القصّة التي حدثت مع شخصيّة تحظى بتبجيل لدى أتباع الدّيانات اﻻبراهيمية فضﻻً عن الصّابئة المندائيين، وأخذت الكثير من وقتهم وجهدهم، وهو النّبي نوح.
حتى أمد قريب كان يعتقد أنّ أقدم نصّ تداول القصّة هي التّوراة وﻻسيما في اﻻصحاحات من 6-9 ((رأى الرب ان شر اﻻنسان في اﻻرض قد كثر فحزن انه عمل اﻻنسان في اﻻرض وعزم ان يمحو اﻻنسان والبهائم والطيور اﻻ نوحا ﻻنه كان رجﻻ بارا كامﻻ، والسفينة استقرت في في جبل ارارت)) وهو "جبل في أقصى شمال شرق تركيا على الحدود مع ايران وأرمينيا ويعتبر جبل رمزاً للشّعب الأرمني، ويبلغ ارتفاعه حوالي 5165.م، وكذلك أشار القرآن الكريم إلى قصّة النّبي نوح، واعتبر أن فوران التّنور يعدّ من عﻻمات الطّوفان، وقد أشار إلى أنّ السّفينة استقرت على سفح جبل جودي وهو " جبل قريب من جيزرة بوتا -جزيرة بوطان- وباقردي" فوردت في سورة هود الآية 44((واستوت على الجودي وقيل بعداً للقوم الظّالمين ))، ولكن ما أثار دهشة الباحثيين أنّه فعﻻً عثر على نصوص تعود لحضارات أقدم تتكلّم عن الطّوفان، ومنها ما عثر عليه في عام 1889-1900في موقع مدينة نيبور السّومرية، وأصبحت تعرف بقصّة الطّوفان السّومرية والتي تقول بأن زيوسودا كان ملكاً يوصي بالتّقوى، فأخبرته مجمع الآلهة بإرسال الطّوفان، ولم يبق إﻻ زيوسودا الذي حافظ على الجنس البشريّ، ثمّ كان ما كشف عنه سيدني سميث بطوفان جلجاميش، حيث تقول الرّواية إنّ جلجاميش أمر من أن يبني سفينة، وأن يدع الأمﻻك، وأنّه احتمل بذور كلّ شيء حيّ، واستوت السّفينة على جبل نيصير بين دجلة والزاب الأسفل، وهناك قصّة من التّراث اﻻيرلندي تتحدّث عن ملك بنى سفينة، وابتعد إلى مكان مرتفع حتى يأمن من طوفان المياه، وأخذ معه من كلّ جنس زوجان وبعد سبعة أيام عاد لتكتب للحياة الاستمراريّة.
هذا أبرز ماتناولته الكتب السّماوية وأساطير بعض الشّعوب، أمّا من النّاحية العلمية فلقد خضعت اأرض إلى عصور جليدية ومنذ العام 20000 كانت نهاية تلك العصور حيث انقرضت مجموعة ضخمة من الحيوانات، وبدأت الثّلوج في الذّوبان مما تتسبّب بشكل مستمرّ بارتفاع منسوب مياه البحار ومنها البحر المتوسط، فغمرت مياهها بمياه بحيرة المياه العذبة "موقع البحر اﻻسود الحالي " وطغت عليه، وامتدت مياه الطّوفان كثيراً باتجاه الجنوب، وكنتيجة لذلك الفيضان الهائل تشكل البحر الأسود عام 8000ق.م، وهذا ما أكدته بعثة علمية روسية عام 2008 وقد أكدوا على أنّ قوة ذلك الفيضان الهائل كانت أ بمائتي 200 مرة قوة شﻻﻻت نياغرا، ولم تتوقف تلك الفيضانات بل حدثت اكثر من مرة، وإن بدرجة أقل من الفيضان العظيم، فحدث فيما بين عامي 4000-2000ق.م في بﻻد الرّافدين ميزوبوتاميا، ومنها نسجت القصص السّومرية والبابلية حول الطّوفان على الأغلب، لأنّ الطّوفان الكبير حدث عام 8000ق.م، أي قبل ظهور حضارة السّومريين بأكثر من 3000عام، وإن كانت هنالك فرضية تقول إنّ السّومريين تركوا بﻻدهم الأصليّة بعد طوفان كبير، ولكن لم يقدّم العلماء أدّلة قاطعة على صحّة وموطن وأصل السّومريين حتى يومنا.
وقد بحث الباحثون والمؤرخّون الكرد كثيراً في هذه القصّة، وأولوها الاهتمام الكبير خاصّة وأنّها قد حدثت على أرضهم، على الرّغم من أنّ اسم الجبل الذي رست عليه السّفينة يختلف من قوم إلى آخر باختلاف لغاتهم ومللهم، ومن هذه الأسماء "قردي، أرارات، كردخ، ماسيس، آغري، داغ.. ". وغيرها من الأسماء، ولكنّها جميعاً اتفقت على مكان محدّد له، يقول ابن الأثير(( انتهت السفينة إلى الجودي، وهو جبل بناحية قردي، وكلمة كرد بالسريانية تلفظ قردو قرب موصل..))، ويؤكّد على ذلك الحميري حيث يقول(( جبل الجودي بالجزيرة، وهو قردي، ويقصد بكلمة قردي الكرد حيث الشعوب السامية عادة يحولون حرف ك إلى ق… ))، أمّا المصادر الكرديّة المرويّة أو الشّفويّة والفلكلور الكرديّ فيؤكّدان على أنّ السّفينة رست تحديداً فوق جبل "بيخير، Bêxêr", وهو جبل داخل ضمن أراضي كردستان العراق، وواقع ضمن الجزء الجنوبيّ من سلسلة جبل جودي، وفي تسميته عدّة أقاويل من أبرزها أنّ النّبي نوح عليه السّلام حين رست به السّفينة على الجبل واعتلى هو ومن معه قمّة الجبل، ورأى أنّ المياه قد تطوفهم، أشار إليه بيديه، وقال
" Bêxêr bibe avê"
أي اهدأي يا مياه، وبقدرة من الله هدأت المياه، ونجا هو ومن معه من الغرق، ولذلك سمي هذا الجبل باسم "بيخير" مع العلم أنّ أقدم اسم مدوّن له هو "الجبل الأبيض كما ذكره المؤرّخ اليوناني زينفون في كتابه "اﻻناباسيس" عام 401ق.م، ويقال إنّ النّبي نوح بنى هناك قرية سميت بقرية "الثّمانين" نسبة إلى عدد من رافقوه في السّفينة.
وسوم: العدد 670