العهر الثقافي
منذ ما يزيد على خمسة وثلاثين عاما، وتحديدا في 30 آذار 1981، وأثناء حفل لاحياء ذكرى يوم الأرض في نادي الموظفين في القدس العربيّة المحتلة، اعتلى منصّة الخطابة الشّاعر الكبير الرّاحل سميح القاسم، وخطب في الجمهور الحاشد في تلك المناسبة، وممّا قاله: أنّه في الانتخابات البرلمانيّة التي كانت تجري في مصر العروبة في عشرينات القرن العشرين، اعتلى منصّة الخطابة الزعيم سعد زغلول، وكان أنصاره قد جمعوا عددا من "الهتّيفة" بعد أن لقّنوهم بأن يهتفوا بآخر جملة يقولها الزّعيم، وبدأ الزعيم خطابه قائلا: أيّها الأخوة المواطنون، فهتف الهتّيفة: ليعش الأخوة المواطنون، وممّا قاله الزّعيم، وفي حالة فوزنا بأغلبيّة المقاعد البرلمانيّةـ وتشكيلنا للحكومة سنعمل على تنمية الاقتصاد، فصاح الهتّيفة: "فلتش تنمية الاقتصاد" وواصل الزّعيم خطابه إلى أن قال:"وستعمل حكومتنا على الغاء البغاء العلني" فصاح الهتّيفة: "فليعش البغاء العلني"!
وعندها قال القاسم: " أمّا نحن فدعونا نهتف بهذه المناسبة: فليسقط البغاء السّياسي العلني" وكان وقتها يقصد روابط القرى التي أسّسها الاحتلال؛ لتكون قيادة بديلة لمنظمة التحرير الفلسطينيّة، الممثّل الشّرعيّ والوحيد للشّعب الفلسطينيّ.
وبما أنّه يوجد بغاء فكري، سياسيّ، اقتصادي، وحتّى عسكري، وغير ذلك ممّا نشاهده على أجزاء غالية من السّاحة العربيّة في الوطن الكبير الذي كان عربيّا. فإنّه يوجد أيضا ما يمكن تسميته "بالبغاء الثّقافي" أيضا، فهناك"هتّيفة" لتضخيم مثقفين بعينهم، ونفخهم كثيرا، وهناك "مختصّون" لتحطيم أقلام مبدعة، والحضّ من قيمة أصحابها، لأنّهم يغارون منهم، وهناك من يرفض النّقد البنّاء الموضوعيّ، وهناك من يتحكّمون بالجوائز التي تمنح بناء على أهواء شخصيّة، وهناك صحف ومواقع ألكترونيّة تنشر كل ما يكتبه بعضهم، وتغلق صفحاتها أمام أقلام جادّة لأنّها ليست محسوبة عليهم. وهناك وهناك الشيء الكثير ممّا يقال ثقافيّا، وممّا لا شكّ فيه أنّ البغاء الثّقافيّ له خطورته التي تتفوّق على البغاء السّياسيّ، وهي أكثر خطورة منه ، لأنّه يروّج له، ويضلّل عامّة الناس. فمتى يحين دور الهتاف بسقوط البغاء الثّقافي؟
وسوم: العدد 672