الإرهاب الإيراني "الدم هو نشيد الأرض الدائم"
ترى الخمينية ؛ بأن "الخنجر أسبق وجوداً من أشجار الزيتون"!! فليس ثمة إلا السيف، السيف، السيف، والدم هو نشيد الأرض الدائم.. وهو القانون الذي يحرك التاريخ ويصمم أحداثه. فالخنجر لا (الكتاب) .. والدم لا (السلام) .. والموت لا (حب الحياة).
هذه هي فلسفة الثيوقراطية السوداء التي تحكم نوايا المرشد الاعلى، وهي ذاتها التي تدفع العالم إلى هاوية الحروب ومحرقة الشعوب .!!
فبدلا من الدعوة إلى السلام العالمي وإزدهار الحياة وإعلاء قيم التسامح بين الشعوب ، وصيانة حقوق الإنسان ـ
بدلا من هذه المرامي النبيلة والجنوح للسلم ؛ إندفعت ولاية الفقيه بكل مابحوزتها من قوى ناعمة وصلبة لفرض نموذجها السياسي على البلدان العربية والاسلامية ، واختارت الارهاب منهجا وطريقا ، وقد عبر( هوس العنف) عن نفسه في العقل السياسي الايراني ؛ بتقديسه الحرب وتبجيل القوة ؛ والسقوط في دائرة سحر يوتوبيا الدولة الكونية المتأججة بأناشيد العدم والدم..
يجري ذلك كله عن طريق الجدل الزائف بتحويل التاريخ إلى أسطورة، والواقع إلى مثال، وهو ماتجسده سلسلة الغزوات المسلحة وعمليات التصفية الجسدية والإغتيالات وحرائق الموت في بغداد والشام والبحرين ، وفي بلاد الحرمين ـ تحت شعار يتراوح بين أسطورة المظلومية ، وخرافة إنقاذ المستضعفين ـ
فما يحدث أمامنا اليوم من عمليات إرهابية في بلداننا العربية ليس سوى نتيجة من مطلقات ولاية الفقيه (المؤلهة) فوق (البشرية) وفقا لـ(معصومية) مرشدها المتعالية على الواقع الإنساني ، لذلك فإنها لا تأبه بمن حولها من الدول ولا تعر أهمية سواء في خروجها على العصر والتاريخ أو مفارقة سياساتها للعقلانية وللتقاليد الإنسانية والقوانين الدولية ؛
إذ تتمسك الولاية الإيرانية سواء في بنيتها الفكرية أو في أسلوب حركتها السياسية ، بــ(خرافة الوصاية الالهية ) على الآخرين ، مما يتحتم على العالم أن يمتثل كليا لسلطتها المقدسة، وأن تخضع لها كل ذرة في كوكب الارض ، وهي ايديولوجيا العقل الثيوقراطي السياسي ؛ فالمرشد الاعلى الذي يتلقى إلهاماته من الإمام الغائب ، هي في عقل ووجدان الطبقة الثيوقراطية ؛ تعد عقيدة راسخة بل هي واحدة من أبسط البديهيات التي يتداولها القادة الإيرانيون وهي بمثابة الخبز اليومي ، غير قابلة للمناقشة بأي شكل وعلي أي نحو ـ
لذلك أخفقت طهران في التواصل الانساني مع العالم المعاصر ، وعجزت في إقامة علاقة سوية مع الشعوب والبلدان الأخرى ، ولم يعد بوسع هذه السلطة إزاء أوهامها الذاتية وانكفائها علي أضاليلها السياسية ، إلا أن تشهر سلاح الارهاب في كل إتجاه تتسلل إليه أو تصل إليه مليشياتها واحزابها الموالية ليمتد خط الارهاب من المنامة مرورا ببغداد وتطاولا على الحاضرة النبوية، اعتقادا منها بأن اختراقاتها لأمن الدول المجاورة وتمزيق نسيجها الوطني ؛ هي المهمة المقدسة التي أوصى بها الخميني ؛ وهي رسالة الولاية إلى كل البلدان داعية فيها إلى اعتناق أيديولوجيتها، وتبنى مفاهيمها السياسية، وبخلاف ذلك فليس ثمة من سبيل إلا السيف والدم والمضي في إشعال الارض بالحرائق .
وقد فاق السلوك المتطرف لولاية الفقيه كل تقاليد الغلاة والحركات الارهابية في التاريخ ، سواء في تكفيرها للمجتمعات الاسلامية أو في دمويتها وماترتكبه قواتها من جرائم ابادة ضد السكان المدنيين ، ولعل مشاهد الموت اليومية وما تحدثه من مآسي في العراق والشام واليمن أمثلة قائمة على الارهاب المتوحش الذي وثقته لجان الامم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان ..
ولاية الفقيه قائدة حملة التكفير في العالم التي جعلت من العقيدة الدينية سلاحا إرهابيا، لتصفية وملاحقة خصومها في داخل وخارج إيران وفي كل البقاع ، فالسيد خامنئي كما سلفه الخميني ، يعتقد إعتقادا راسخا أن الله إصطفاه من أجل سعادة المسلمين واقامة الفردوس الارضي لمستضعفي العالم ، والتطبيق العملي لجلب هذه السعادة وإقامة النعيم الدنيوي، هو إجراء عمليات تطهير شاملة لاصحاب الرأي الآخر من كافة المذاهب والايديولوجيات ويتعين إجتثاث رؤوس هؤلاء الاعداء والإطاحة باعناق المعارضة .
ويروج المرشد الاعلى بأن هاتفا غيبيا يدفعه ويرشده، وانه لا يتحرك الا بمقتضى أوامر ألائمة ألاثني عشر، وانه كما المعصوم ليس بينه وبين الامام المهدي أي فاصلة؛ وتذكرنا هذه الاخيلة الاسطورية بهلوسات الشاه اسماعيل الصفوي عندما فتح تبريز هتف بالجموع وهو يردد : ( انا مكلف بذلك و ان الله والأئمة المعصومين معي واني لا أخاف أحدا، فاذا وجدت من الناس كلمة اعتراض شهرت سيفي بعون الله فيهم فلا أبقي أحدا منهم حيا).!!
ان سمة العنف التي يتميز بها نظام رجال الدين في ايران تفوق في آلياتها الوحشية محارق العهد الصفوي فقد شهد العالم صور المحق الشامل في الفلوجة وحلب ـ فقد لجأت المليشيات الايرانية إلى سياسة الارض المحروقة فعمدت على تفجير المنازل بساكنيها. واقتادت الشباب والرجال إلى ساحات الاعدام ـ
أما أوجه الشبه بين التجربتين الصفوية ونظام ولاية الفقيه ، فيكاد لايتماثل إلا في بعض الجزئيات المنهجية وعلى النحو التالي :
1 ـ إعتماد العنف كوسيلة أساسية في تصفية المخالفين وارهاب الخصوم ـ
2 ـ إتباع فكرة الموالاة المذهبية والبراءة من أعدائها .
3 ــ النزعة التوسعية : كلا التجرتين لا يعترف بسيادة الدول الاخرى ، ولا يقر بوجود حدود دولية ؛ فتصبح القوة لدى الطرفين هي النهج الشرعي الذي يبيح لهما احتلال البلدان والضم القسري لاراضي دول الجوار.
4ـ الاعتقاد بالغيبيات والعمل على ترويجها، الغاية منه هيمنة رجال الدين على مقاليد الدولة عن طريق بإبتداع ( قصص وروايات) نحو اللقاء بالإمام المنتظر وتلقي أوامره ، والغاية التي ينشدها النظام من يث هذه البدع الاسطورية، (تنويم) الجماهير عن الواقع، وتأكيد المنزلة المقدسة للحاكم ، بوصفه ممثل السماء على الارض ـ
5 ـ فرض اللغة الفارسية بوصفها وسيلة وحيدة للتخاطب وفرضها بالقوة القسرية على القوميات والجماعات الإثنية وإعتبارها اللغة البديلة للغات الاخرى في عموم ايران .
6 ــ عندما حاول الشاه اسماعيل الصفوي نشر الدعوة لأول مرة في تبريز عاصمة اقليم اذربيجان، دعى وجهاء اهلها الى الاجتماع في احدى ساحتها العامة وطلب منهم سب الخلفاء الراشدين الثلاثة، وعندما رفضوا ذلك تشير بعض الروايات الى انه قتل منهم ما يقارب 4 آلاف مواطن، وهذا السلوك الدموي نجد وقائع متكررة لدى قادة الثورة الايرانية بإقدام النظام على تقتيل خصومه ، وكان أول رصيد دموي له ، يتمثل في سلسلة المجازر البشعة التي ارتكبت بحق الشعب العربي الاهوازي في أوائل 1980 والمشانق قائمة حتى اليوم، تطيح برؤوس العرب المطالبين بالحربة، وهو نهج تجاوز فيه المرشد الاعلى كل قيم الانسانية ؛ حيث نلمس حقيقة هذا العنف في تصريحات آية الله صادق خلخالي الذي خاطب الشعب العربي الاهوازي المطالب بحقوقه القومية أبان انتصار الثورة 1979 ، قائلا ( سنملأ شط العرب بالدماء ولن نسمح بذلك ابدا ).. كما ذكر في مذكراته التي نشرتها جريدة همشهري في عددها العاشر لعام2001 قائلا ( لقد قتلت الكثير من الشعب الكردي والعربي وبقايا النظام الملكي ولكنني لست نادما و لا يعذبني ضميري)
اما الجنرال مدني والذي قال الخميني بحقه (انه نور عينيه ) !! فقد أعلن بكل وقاحة : ( ان العرب يثيرون الشغب وسأشرب من دمائهم اذا استمروا في الضغط من اجل تحقيق مطالبهم) ! ! وما حدث للثورة الشعبية الخضراء في صبف 2009 من تصفيات جسدية وتعذيب حتى الموت في السجون يعد برهانا على دموية ولاية الفقيه ، وكذلك المجازر التي ارتكبت بحق الشعب التركماني والأكراد وسائر القوميات الاخرى،
7 ـ إذا كان الخميني قد اتخذ اول قرار سياسي له عام 1980 وهو تصدير الثورة إلى بغداد فإن القرار ذاته كان قد أقدم عليه من قبل الشاه اسماعيل الصفوي ، وهو احتلال العراق حيث تسنى له تحقيق ذلك واتخذ الشاه الصفوي كما يقول الدكتور على الوردي في كتابه (لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث) سب الخلفاء الثلاثة وسيلة لامتحان العراقيين في موالاتهم للمذهب الصفوي، وهو مانجد اصداءه في نظام ولاية الفقيه ، وفي نصوص الخميني : ومن بينها ؛ (كشف الاسرار، الحكومة الاسلامية ، الوصية الاخيرة) الذي انتهج تصدير الثورة الى البلدان العربية وفي مقدمتها العراق رافعا شعارا دمويا (( كل يوم عاشورا وكل ارض كربلاء و "طريق القدس يمر عبر كربلاء )) وهو الطريق ذاته الذي يمر بـ((المنامة وببلاد الحرمين))، واصبح هذا الشعار في عهد خامنئي نشيدا يوميا يردده الحرس الثوري في غزواته الوحشية .
استحدثت ولاية الفقيه مايتجاوز هذه المرتكزات وزادت عليها:
1ـ أصبح السيف وصلاة الدم وإنزال الموت بالمخالفين ؛ هي القواعد الراسخة في كتاب الثورة المفتوح على إمتداد الزمان والمكان، فقد جاء عصر الفقيه المسلح، الذي إستبدل القرآن بالحكومة ، و حول مفهوم الثورة إلى واقع إرهابي ، عن طريق إغتيال وتغييب الخصوم في الداخل ، و"تصدير الثورة" إلى الخارج، وتحت وطأة التأويلات المضللة أصبح الدين لاهوتا سياسيا وسلاحاً إيديولوجياً لشق الطريق أمام حركة الغلو، ومنظماتها الرجعية السوداء ، قصد تنظيم صفوفها وترتيب قواها الفاشية .
2ــ الانشطة الاستخبارية بوسائلها وضروبها (زرع الخلايا ، اختراق مؤسسات الدول، التجنيد ، إعداد وتدريب المليشيات المسلحة، الاستعانة بالمرتزقة ، القتابل البشرية، بناء قواعد تصدير الثورة : الاحزاب الدينية مثالا ، الخ) ـ
3ـــ الأهم من ذلك كله اتباع سياسة الارض المحروقة ، السعي لتغييرالخرائط الديمغرافية في العراق وسوريا ) .
د.سيف الدين هاشم
مركز أمية للبحوث و الدراسات الاستراتيجية
وسوم: العدد 676