كلمة موجهة من أصحاب الرأي السوريين (في كيلس)
إلى أصحاب الرأي الأتراك
في يوم النصر العظيم
عند أصحاب الرأي، و من عندهم أثارة من علم ، أن الأمور تقدر بنتائجها. و مايجري اليوم على الأرض التركية و هو كبير و كبير جدا يقدر بنتائجه كذلك. و سيكون له مابعده على الصعد كافة السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية.
و العظيم فيما جرى الموقف المشترك من الانقلاب الفاشل، و أخذ الأهبة له، بالسرعة القصوى، و عدم التراخي معه، أو اللامبالاة به، أو اتخاذ موقف اللامسؤول في اللحظة الحرجة التي تتطلب الموقف المسؤول أولا.
و نقصد بالموقف المشترك الإجماع الشعبي، من قبل الأتراك جمعياأحزابا و هيئات و أفرادا ، و النزول إلى الشارع، و اعتراض الآليات المدرعة التي كان يقودها الانقلابيون بالأجساد و عدم الرضى بما حدث أو الوقوف أمامه وقفة مكتوف اليدين، أو السلبي المتهاون على أقل تقدير.
و هذا الموقف، فاجأ العالم أجمع بحقائق ثلاثة :
أولها- بأصالة الشعب التركي ، الذي عرف كيف يتعامل مع الحدث؛ فلقد دلل بخروجه المشترك، و بموقفه المتآزر؛ على المعدن الكريم الذي يختزنه في ذاته، و كيف يمكن أن يتحول ذلك المعدن إلى سيف قاطع في وجه الأعداء الذين ينوون شرا بالوطن و المواطن؛ بل و يأخذون على أيديهم بقوة و شجاعة كفوءتين، و عدم ترك الحبل على غاربه، للمضلل و المسيء أن يفعل فعلته. علما بأن من الأفعال مايمكن أن يكون به دمار أمة، فيما لوقدر له أن يستتم و حسب المخطط المرسوم له من قبل أعدائه.
ثانيها بقدرة الشعب التركي على التجدد في حياته بعامة و عدم الوقوف عند حائط المبكى، و اجترار الأحلام و التباكي عليها، بسلبية الخائر المتهالك الذي قصر خطوه و جهده، و المعروف أن الأمة التركية، عبر تاريخها الطويل كان لديها من استعدادها الروحي و الذهني و النفسي، مايجعلها مؤهلة و بشكل دائم لريادة الحياة، و العودة إلى قيادتها من جديد و بقوة و شجاعة نادرتين، و تلك هي طبيعة الشعوب الحية، التي تأبى عليها معادنها الكريمة، أن تذل أمام الفتن المستجدة، أو أن تضعف أو تنهار.
ثالثها- بسرعة الاستجابة لصريخ الموقف، و التعامل معه بذكاء و حنكة. أذهلت العدو و الصديق . فبلحظات خرج الشعب إلى الشارع و قال كلمته الرافضة للانقلاب، في عموم تركية، و لم يسترخ أو يستسلم للخطر المحدق الذي تتعرض له الأمة في وجدانها و ذاتها، و قدراتها الفاعلة و المتمثلة بالجيش و القوات المسلحة بصورة خاصة و الذي كاد يكون عرضة لذلك الخطر.
ففي الحديث الشريف:" انصر أخاك ظالما أو مظلوما. قالوا يارسول الله ننصره مظلوما، فكيف ننصره ظالما. قال: تردعه عن ظلمه" و الموقف التركي في مواجهة الانقلاب و هو موقف رادع مثل موقف الأمة التركية في مواجهة الأخطار المستجدة التي قد تنال منها في لحظة من اللحظات و ذلك بجرها إلى خانة الضعف، و بجعلها تتشظى أمام أعدائها الذين يتربصون بها الدوائر، و الذين لا يخفون نواياهم تجاهها،.
فعندما قالت الأحزاب التركية مجتمعة- و على ماهي عليه من مخالفة في الرأي- لا للانقلاب دللت على الحقائق الثلاث معا؛ الأصالة، و القدرة على التجدد ، و على سرعة الاستجابة للحدث المستجد في حينه و هو أمر له مابعده كما يقولون.
وفي التقدير: أن عظمة الشعب التركي تجلت في هذا الموقف، الذي أثبت فيه أصالته و براعته و سرعة استجابته في مواجهة الانقلابيين الذي كان مثلهم في محاولتهم الانقلابية الفاشلة مثل من خرج على هذه الأمة يضرب برها و فاجرها، فكانت مواجهتهم و الخروج عليهم الأمر الذي لابد منه في مثل ذلك الموقف الجلل و ذلك قطعا لدابر الفتنة، و عودا بالأبناء إلى جادة الصواب ، و تفويتا للفرصة على الأعداء من أن يفعلوا فعلتهم في أوساط الشعب التركي، و أن يجعلوا من تلك الأوساط مثار شغب و بلبلة و بشكل دائم و إلى ما لانهاية.
و لذلك فإننا في هذه المناسبة الوطنية جدا و نحن نعيش بين ظهراني الإخوان الأتراك ضيوفا منذ قيام الثورة السورية في ربيع 2011م لانملك إلا مشاطرة الإخوان الأتراك همومهم، و مشاركتهم فرحتهم، و قول الكلمة الطيبة، و المنصفة و الصادقة، و التي تخرج من القلب إلى القلب.
نقول لهم أولا: لقد وقاكم الله شر فتنة لا يعلم إلا الله سبحانه مدى مافيها من ضر و ذلك بالموقف المشترك للشعب التركي العظيم- أحزابا و هيئات و أفرادا- و تلك شملة من شرف تشمل كل تركي على الأرض التركية، و لا تستثني.
و نقول لهم ثانيا: أنتم اليوم في موقف جديد من مواقف الحياة و ليس عليكم إلا أن تعرفوا حقيقة ماهية ذلك الموقف، و أن تستثمروه، فتبتعدوا كثيرا عن واقع أصحاب السفينة الذين نشب الخلاف بينهم، فأراد بعضهم أن يخرقوا في مكانهم خرقا و هم في بحر لجيّ لايعلم إلا الله مدى الضرر الذي سيلحق بهم جميعا فيما لو تم الخرق لاسمح الله.
فسفينتكم و قد نجت من الخرق بحول الله وقدرته تتطلب السواعد الأمينة و المقتدرة التي يمكن أن تصل بها إلى بر الأمان بدلا من أن تتركها في بحر لجي يتقاذفها الموج من جوانبها الأربعة.
و نقول لهم ثالثا: الآن حصحص الحق و استبان ووضحت الرؤية لكل ذي عينين. و لم تعد خافية على أحد وقد ثبت و بالدليل القاطع القواسم المشتركة التي تلتقي عليها هذه الأمة، وماهي عليه من قوة،فيما لو تخطت الخلافات الناشبة بينها و التي قد تشكل نقطة عطالة في عجلة نموها. و المطلوب منا جمعيا: أن نعرف ذلك حقيقة، و أن نستوعبه، و أن نقدره قدره، و أن نعرف كيف نستثمر معطياته، و كيف نفيد منه كونه تجربة حياة في لحظة معينة، و تجارب الأمم عند أصحاب الرأي مرتكزات قوة لايستهان بها.سيما عند الأمم التي تعرف كيف تراجع حسابها، و كيف تستدرك مافاتها، و كيف تعمل لمستقبلها على ضوء ماضيها، و ليس بشكل مقطوع عن التاريخ شأن المنبت( الذي لا أرضا قطع و لاظهرا أبقى.)
و ختاما للمسألة:
فإن أصحاب الرأي السوريين- و نحن منهم- المتواجدين على الأرض التركية، و الموزعين على جهاتها الأربع، يقولون لكم كلمات ثلاثا:
الأولى: نهنئكم بها تهنئة من القلب إلى القلب، و نشد على أيديكم و نبارك لكم نصركم المؤزر في ذلك الموقف الجلل و نحمده سبحانه و قدرست سفينتكم على جودي النصر بعد أن قطع دابر القوم الذين ظلموا، و الحمدالله رب العالمين.
و الثانية- نقولها لكم و بملء الفم:
و إن الرقط أيقظ هاجعات و أترع في ظلال السلم نابا
و الرقط( الأفاعي) و هي من أخبثها، فالحذر الحذر من الغفلة عنها، أو التهاون بشأنها، و هي على ماهي عليه من مخاطر. و لايؤخذ الإنسان إلا من مأمنه. و هذا من الحكمة. و من أوتي الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا.
الثالثة- خاصة: و ليس أصعب من أن يتكلم الإنسان في الخاص و هو في الموقف العام. لكن نذكرّ ببيتين من الشعر قالهما الشاعر أحمد شوقي و قد كان وقتها منفيا في إسبانيا( الأندلس سابقا). قال:
يانائح الطلح أشباه عوادينا نأسى لواديك أم نشجى لوادينا
ماذا تقص علينا غير أن يدا قصت جناحك جالت في حواشينا
ونائح الطلح عصفور من عصافير الأندلس التي تبكي عزها المفقود على شجر الطلح المعروف.
و الرأي: أن ما أصاب الأندلس سابقا أصاب فلسطين لاحقا و العراق و سورية و مصر و اليمن من بعد و قد يصيب تركية أو غيرها من الدول التي يشملها مخطط الشرق الأوسط الجديد، فيما لو نجح ذلك المخطط و استتمت المؤامرة بصورة عامة .
و لذلك فإننا نطالب و بإلحاح صارخ بالموقف المشترك الذي يكون به خلاص السوريين من محنتهم و قد تألب عليهم الأعداء و الأصدقاء.
"و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون."
أ.د.عبد العزيز الحاج مصطفى
رئيس وحدة الدراسات السورية
مركز أمية للبحوث و الدراسات الاستراتيجية
وسوم: العدد 679