تعلمي .. كيف تستقبلين زوجك ؟

د. محمد رشيد العويد

كيف تستقبل الزوجة زوجها حين يعود إلى بيته ؟ سواء أكـان في عمله أم في مهمة غير العمل ؟

من الزوجات من لا تكون في بيتها حين يعود زوجها إليه فلا يجدها فيه ، وسواء أكانت الزوجة في عملها إذا كانت تعمل ، أو كانت عند جيرانها أو صديقتها ، أو عند أهلها ، فإن غيابها عن بيتها وقت عودة زوجها ، سيترك أثره السلبي في زوجها ، زوجها الذي يريدها سكناً له ، بكل ما تحمله كلمة ( السكن ) من أمن ، وراحة ، واطمئنان .

وقد تكون الزوجة في بيتها حين عودة زوجها ، ولكنها لا تحسن استقباله ، فتنصرف عنه ، ولا تهتم بمجيئه ، وتنشغل عنه بأي شغل آخر .

وقد يكون الأمر أسوأ من هذا وذاك ، فتستقبله زوجتـه ، ولا تنشغل عنه ، لكن أي استقبال هذا ؟ صراخ وشكوى ، وتبرم وضيق ، وجه عابس غاضب ، ونفس حانقة ثائرة . استقبال يجعل الزوج يتمنى لو أنه عاد من حيث أتى ! .

هل تريدين أختي أن أنقل إليك مثلاً من أمثلة الصحابيات وحسن استقبالهن لأزواجهن ؟

مشهد قصير خاطف ، لاستقبال أم المؤمنين أم سلمة – رضي الله عنها – لزوجها ، خير الأزواج ، النبي صلى الله عليه وسلم .

أخرج أحمد وأبو يعلى عن أم سلمة – رضي الله عنها – قالت : دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ساهم الوجه ، فخشيت ذلك من وجع ، فقلت : يا رسول الله ، مالك ساهم الوجه ؟ فقال : (( من أجل الدنانير السبعة التي أوتينا بها أمس ، أمسينا وهي في خصم الفراش )) . وفي رواية : (( أتتنا ولم ننفقها )) قال الهيثمي : رجالهما رجال الصحيح .

تأملي أختي المسلمة هذا الاستقبال الذي أوجزته أم سلمة في كلمات قليلة .

لقد دخل عليـها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ساهم الوجه ، أي متغير الوجه ، يقولون : سهم لونه : تغير عن حاله لعارض .

ليس من عادته صلى الله عليه وسلم تغير وجهه ، وجهه الباش المشرق دائماً . هناك إذن ما يحزنه صلى الله عليه وسلم ، ماذا يكون ؟ إن الزوجة المحبة الودود يشغلها هذا ويقلقها : أيكون مرضاً ألمّ به ؟ ولهذا وجدنا أم سلمة – رضي الله عنها – تقول : (( فخشيت ذلك من وجع )) ، خشيت أن يكون وراء هذا التغير ألم أصابه صلى الله عليه وسلم .

فتبادر إلى سؤاله : يا رسول الله ، ما لك ساهم الوجه ؟

أمن أجل الطعام الذي لم تعده الزوجة ؟ أم من أجل الثوب الذي لم تخطه ؟ أم من أجل حاجة من حوائج الدنيا ؟

من أجل سبعة دنانير باتت ليلة واحدة قبل أن ينفقها صلى الله عليه وسلم في سبيل الله !

وطبعاً لم تَثُر الزوجة قائلة (( كيف لا تترك هذه الدنانير ونحن أحوج إليها ؟ لم نذق طعاماً منذ أيام )) ! كما تفعل بعض الزوجات هذه الأيام ! لم تقل شيئاً من هذا . شغلها كله كان تغير وجه النبي صلى الله عليه وسلم ، ولهذا قالت : (( فخشيت ذلك من وجع)) .

انتقلي معي الآن ، أختي المسلمة إلى صحابية أخرى في مدرسة الرسول صلى الله عليه وسلم لنتعلم منها كيف يكون استقبال الزوج .

الصحابية الجليلة أم سليم مات لها ولد من زوجها أبي طلحة – رضي الله عنهم جميعاً – وكان الولد مريضاً ، فلما عاد زوجها إلى الدار لم تخبره بموته ، إلا بعد أن قدمت إليه الطعام ، ونال منها ما ينال الزوج من زوجته .

استمعي إلى القصة كما جاءت في كتب الحديث وصحيح البخاري :

كان لأبي طلحة – رضي الله عنه – ابن يشتكي ، فخرج أبو طلحة ، فقُبض الصبي ، فلما رجع أبو طلحة قال : ما فعل ابني ؟ قالت أم سليم : هو أسكن ما كان . فقربت إليه العشاء فتعشى ، ثم أصاب منها ، فلما فرغ قالت : يا أبا طلحة عارية استعارها قوم وكانت العارية عندهم ما قضى الله ، وإن أهل العارية أرسلوا إلى عاريتهم فقبضوها ، ألهم أن يجزعوا ؟ قال : لا . قالت : فإن ابنك قد فارق الدنيا . قال : فأين هو ؟ قالت : ها هو ذا في المخدع . فكشف عنه واسترجع ( قال : إنا لله وإنا إليه راجعون ) فلما أصبح ، ذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحدثه بـقول أم سليم ، فقال : (( والذي بعثني بالحق لقد قذف الله – تبارك وتعالى – في رحمها ذكراً لصبرها على ولدها )) .

قال سفيان : فقال رجل من الأنصار : فرأيت لهما تسعة أولاد كلهم قد قرأوا القرآن .

يـا الله ما أعظم حكمة أم سليم ، وما أوسع أفقها ! أي خبر أسوأ مـن أن يُخبر الأب بوفاة ولده ؟ وما أبلغ أثره ، وما أكبر صدمته على الأب ؟ مثل هذا الخبر المفجع تلقاه أبو طلحة بالرضا والتسليم ؟ وكان الفضل في هذا لمن ؟ لزوجته أم سليم – رضي الله عنها وعنه – .

كان أول سؤال يسأله الزوج العائد إلى بيته عن ولده المريض : ما فعل ابني ؟ هل تقول له : لقد مات ! الحكيمة أم سليم لن تخبره وهو عائد بتعبه وقلقه ، لكنها في الوقت نفسه لن تكذب عليه . فماذا قالت ؟ لقد قالت : (( هو أسكن ما كان )) . تورية طمأنته بها على ابنه ، دون أن تكذب عليه ، فقد كان بموته أسكن ما كان فعلاً .

ثم ها هي ، قبل أن تخبر زوجها ، تقدم له العشاء الذي لم يكن ليأكل منه شيئاً لو أخبرته بموت ابنه ، ثم تجعله ينال منها ما ينال الرجل من زوجته .

لقد هيَّأت زوجها لتلقي النبأ الحزين . ها هي تقدم له بمقدمة يؤمن بها ويسلِّم ، تمهيداً لتسليمه بقضاء الله تعالى ، سألته : هل من حق أناس كانت عندهم أمانة لأناس آخرين .. أن يجزعوا حين أراد أصحاب الأمانة استرجاع أمانتهم ؟ فلما قال أبو طلحة : لا . أخبرته – رضي الله عنها – بأن ابنه فارق الحياة ؛ لأن ابنه أمانة من الله تعالى . والله استرد أمانته .

فهلاّ تعلمت أختي الزوجة ، وأنت أختي المقبلة على الزواج إن شاء الله ، كيف تستقبلين زوجك ؟

وسوم: العدد 682