ما الذي كان غير مقبول في مقررات مادة التربية الإسلامية واستوجب تغييرها ؟

أثار تأخر صدور الكتب المدرسية التي تغطي مقررات مادة التربية الإسلامية مع حلول انطلاق الموسم الراسي انتباه الرأي العام الذي تساءل عن سبب ذلك . ولا زال الرأي العام  لم يجد جوابا عن سؤال سيظل مطروحا وهو : ما الذي كان غير مقبول في مقررات مادة التربية الإسلامية ، واستوجب التغيير ؟ وإذا وجد  فعلا  ما هو غيرمقبول في هذه المقررات ،فلماذا لم ينتبه إليه  من قبل ؟ ولماذا ظل المتعلمون يتلقون غير المقبول قرابة عقدين أو يزيد؟ ومعلوم أن الكتب المدرسية الخاصة بهذه المادة تتضمن نصوص القرآن الكريم ونصوص السنة النبوية المشرفة ، فهل يوجد  ما هو غير مقبول فيها ؟ أم أن غير المقبول  يتعلق بكيفية التعامل مع تلك النصوص ، وفي هذه الحالة أين كانت الوزارة الوصية عن  التربية فلم تتبع المقررات  وطرق تدريسها ،ولم تراقبها بواسطة الأجهزة الخاصة بالمراقبة والتتبع  ؟ وينتظر الرأي العام وأهل الاختصاص في مادة التربية الإسلامية صدور الكتب الجديدة لهذه المادة لمقارنتها بالكتب الملغاة لمعرفة أسباب ودوافع تغيير مقررات هذه المادة ؟ وتطرح أسئلة عدة بخصوص تغيير مقررات هذه المادة ،ومنها على سبيل الذكر لا الحصر : هل أجريت دراسة علمية  دقيقة من طرف الجهات المختصة أثبتت أن مقررات هذه المادة  لا تحقق الأهداف التي سطرت لها ؟ وهل رصدت تأثيرات سلبية لهذه المقررات على الناشئة ؟ وإذا كان تنامي ظاهرة التطرف الديني المفضي إلى الإرهاب ، وهي ظاهرة باتت تؤرق المجتمع الدولي بما فيه المجتمعات العربية الإسلامية هي الدافع وراء التفكير في تغيير مقررات مادة التربية الإسلامية ، فهل يوجد في المقررات الملغاة ما يدعو أو يشجع على التطرف أو العنف والإرهاب ؟ وهل يعتبر التطرق لفريضة الجهاد و لغزوات النبي صلى الله عليه وسلم وللفتوحات الإسلامية في المقررات الدراسية  الخاصة بمادة التربية الإسلامية تشجيع  على التطرف والعنف والإرهاب ؟ ألا يمكن أن يفضي حذف الدروس المتعلقة بفريضة الجهاد إلى نتائج عكسية  بحيث ترغب الناشئة  من باب الفضول معرفتها ، وقد  تبحث عنها  في مصادر غير المصادر الصحيحة  خصوصا مع تطور تكنولوجيا التواصل  التي تتيح وصول الناشئة إلى كل ممنوع ،فتجد ضالتها في مواقع التواصل الاجتماعي سواء تعلق الأمر بما هو إباحي أو ما هو متطرف ومشجع على العنف ، ومفضي إلى الإرهاب ؟ وهل ستتناول  مقررات التربية الإسلامية المرتقبة موضوع الجهاد بطرح  شرعي  وعلمي يصحح سوء فهم هذه الفريضة لدى الناشئة أم أنها ستضرب عنه صفحا ؟  وسيكون  حينئذ الخطأ جسيما إذا ما تم تغييب  بعض القضايا من مقررات هذه المادة كقضية الجهاد، الشيء الذي سيشجع جهات مغرضة أو مشبوهة  على سد الفراغ الحاصل في هذه المقررات وتمرير مغالطات خطيرة  للناشئة  تكون سببا في انحرافها وانصرافها للتطرف . إن تبصير هذه الناشئة بقضايا دينها  التبصرة الصحيحة  وفق عقيدة الأمة ووفق  فقهها  يكون أفضل تحصين لها ضد التيارات الفكرية المتطرفة . ولا بد من مراجعة مقررات مواد أخرى قد تكون حاملة لفيروس التطرف والتحريض على الكراهية والعنف  والعنصرية . وقد تكون التيارات الفكرية الوافدة الغريبة عن هويتنا الدينية سببا مباشرا في ميل الناشئة إلى التطرف  كرد فعل على هذه التيارات الوافدة والدخيلة. ولا  بد من الانتباه إلى عوامل أخرى قد تكون سببا في انتشار الفكر المتطرف  مثل العيش في الأوساط الهشة والفقيرة والتي تنشأ فيها مشاعر السخط والنقمة  لدى ، وتكون الناشئة التي تعيش الحرمان  فيها هي الحطب الجزل لنيران التطرف والعنف والكراهية . لا أحد يمكنه التقليل من شأن المقاربة التربوية في مكافحة التطرف والإرهاب والكراهية  والفكر العنصري ، ولكن لا يمكن الاقتصار على هذه المقاربة وحدها، بل لا بد من مقاربات أخرى اقتصادية واجتماعية وسياسية . وإن  سيادة الديمقراطية الحقة من شأنها  أن تخلق الثقة في نفوس الناشئة ، فتتربى  على السلوك البعيد عن التطرف والعنف والإرهاب . ومعلوم أن التطرف والعنف والإرهاب إنما ينشأ في المجتمعات التي يسودها الظلم والاستبداد وعدم الاستقرار و التي لا تذوق  فيها الناشئة طعم الحرية والديمقراطية  والعيش الكريم . وإن الناشئة العربية الإسلامية  المغتربة  في البلاد الغربية والتي يستهويها  التطرف والعنف إنما هي ضحية ازدواج التربية وتوزعها بين نموذجين تربويين مختلفين ، والشعور بالاغتراب  والمعاناة من مظاهر الميز العنصري . فإذا كان أكبر بلد ديمقراطي وهو الولايات المتحدة الأمريكية  مقبل على تنصيب  رئيس يجاهر بالعداوة ضد المسلمين، فكيف  سيكون شعور الناشئة المسلمة المقيمة في هذا البلد ؟ وإذا كانت أحزاب أوروبية  ترفع شعار رفض هجرة   الجاليات العربية المسلمة  إليها ،وتفكر في ترحيلها فكيف  ستكون ردة الفعل عند ناشئة هذه الجاليات ؟  وإذا كان ما يسمى العالم الحر والديمقراطي  يصب الزيت على نيران الصراعات الدامية في البلاد العربية الإسلامية ، ويسوق بها الأسلحة، ويدعم الأنظمة الفاسدة والشمولية الشيء الذي تسبب في هجرة غير مسبوقة لرعايا هذه البلاد نحو البلدان الغربية فرارا من جحيم الحروب الطاحنة، فكيف ستكون نفسية الناشئة العربية الإسلامية وهي تقارن حالها بحال الناشئة الغربية التي تعيش في أمن  وسلام ورفاهية ؟  وكيف ستكون نفسية الناشئة العربية الإسلامية وهي تتابع الاعتداءات الصهيونية  في فلسطين المحتلة و التي تستبيح أرواح الفلسطينيين بذرائع واهية ؟ إن  انتشار التطرف والعنف والإرهاب  في البلاد العربية الإسلامية  له أسباب داخلية  تكمن في الاستبداد السياسي ، والتخلف الاقتصادي والاجتماعي ، كما أن له أسبابا خارجية تكمن في طريقة وكيفية  تعامل ما يسمى دول العالم الحر مع  رعايا هذه الدول . ولا يمكن أمام هذا الوضع نسبة الفكر المتطرف والعنيف  لمناهج دراسية ومقررات وكتب مدرسية .

وسوم: العدد 686