كل هذا الحزن العربي على بيريز العدو ؟!

الصعود نحو الأحسن بطيء صعب ، والانحدار نحو الأسفل سريع سهل ، وللاثنين ، الصعود والانحدار ، أهلهما من مختلف المستويات والفئات والمجتمعات ، ويبدو ، وهذا ما بان لنا بقوة طاغية في السنوات الست الأخيرة ، أن الانحدار صفة عربية أصيلة ، وأن ومضات العظمة والصعود التي برقت في تاريخنا القديم إنما كانت ومضات عابرة في سحب صفة الصَغار والانحدار البغيضة المظلمة . السنوات الست الأخيرة فجعتنا في قناعتنا بعظمة وإنسانية أمتنا التي من الله _ جل قدره _ عليها بدين الحق والخير والهدى ، فانصرفت في السنوات الأخيرة ، أو تعرى انصرافها الكامن ، إلى الباطل والشر والضلال في أعتى وأدمى صورها . وتتمة لهذا التعري المأساوي ، جاءت وفاة شيمون بيريز رئيس الدولة العبرية السابق لتؤكد أنه لا حدود لانحدارات العرب نحوالأسفل والأسوأ ، ولخوائهم القومي والإنساني . هرولت وفود عربية كثيرة للمشاركة في جنازة بيريز القاتل ومؤسس برنامج إسرائيل النووي ، ووالد الاستيطان في الضفة وغزة بعد احتلالهما في عدوان 1967، وجزار المدنيين في قانا ، والذي وصف بحق بالثعلب المعسول اللسان الذي يدعو إلى السلام ويفعل خلاف ما يفضي إليه ؛ لأنه مثل كل الإسرائيليين جوهريا يفهم السلام على أنه قبول الفلسطينيين باغتصاب وطنهم ، والتوقف عن مقاومة هذا الاغتصاب ، ومن ثم لم يرَ في اتفاق أوسلو ، وهو محق في رأيه ، سوى أنه أعظم إنجاز للحركة الصهيونية بعد إقامة الدولة العبرية . هذا الصهيوني ، أحد المؤسسيين الكبار  للدولة العدوانية إسرائيل ، هرول عرب كثيرون للمشاركة في جنازته ، ومن لم يهرول للمشاركة بنفسه كشف عمق حزنه عليه بوسيلة أخرى . وزير خارجية البحرين خالد بن أحمد دعا له بأن يرقد بسلام ، وحاكم عربي بكى عليه ، وسفير فلسطيني سابق قال إن ثلثي الشعب الفلسطيني حثالة ردا على من غضب عليه من الفلسطينيين لمدحه بيريز ووصفه له بأنه خدم " بلاده " ، أي أنه يعترف بأن فلسطين هي إسرائيل . وأبو مازن نعت موت بيريز بخسارة للإنسانية ، وبأنه شريك في سلام الشجعان الذي لم يعد على الشعب الفلسطيني إلا بالاتساع الهائل للاستيطان الإسرائيلي ، وبحراسة الفلسطينيين للمستوطنين ، وبالتمزق الوطني المستعصي على الإزالة، وباستضراء الفصائلية المقيتة ، واختفاء الشعور الوطني الموحد . واضح أن كثيرا من الأطراف العربية تلقفت وفاة بيريز لتعميق التطبيع مع إسرائيل والمجاهرة بفحشه، والاندفاع إلى زيادة التودد إليها والتقرب من خلالها إلى أميركا . ويفوتهم أن إسرائيل لا ترى في تطبيعهم وتوددهم أيما منة أو تفضل عليها ، وتراهما أمرا عاديا ، وترى أنهم في حاجة إليها أكثر مما هي في حاجة إليهم بعد التطورات الهائلة في السنوات الست الأخيرة ، ولنتذكر أنه حتى قبل هذه التطورات التي صعدت فيها قوة إسرائيل ومكانتها صعودا كبيرا بعد ما حل بعدة دول  عربية من الانهيارات ؛ قال باراك رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إن إسرائيل ليست متلهفة على التطبيع مع " أصحاب الدشاديش " كناية عن الخليجيين . العرب حطوا أنفسهم في مقام الأدنى والأذل فارتفعت إسرائيل إلى مقام الأعلى والأعز ، صارت هي سيد المنطقة ، وصاروا هم جمع العبيد . كيف حدث هذا ؟! إنه نقيض قوانين الطبيعة وفعل البشر . السبب الرئيس أن الشعوب العربية ملغاة مغيبة ، وأن الحكام العرب المرتبطين بالغرب وإسرائيل هم أصحاب القرار المطلق الذين لا يعنيهم سوى بقائهم في الحكم ، ولما كان هذا البقاء لا ضمانة له سوى الغرب وإسرائيل نراهم يفعلون ما يرضي الغرب وإسرائيل ، ومن صور هذا الإرضاء كل هذا الحزن على رئيس سابق لدولة مقحمة الوجود في أرض مغتصبة من وطنهم ، وتتطلع إلى اغتصاب المزيد من أرض هذا الوطن . قيل إن النادمين ثمانية أنواع أحدهم من يرجو الخير من عدوه . 

وسوم: العدد 688