الأممية الإسلامية في فهم الإخوان المسلمين

من أهم سمات المشروع الحضاري الذي رسمه الإمام البنا لنهضة الأمة... تكامل دوائر الانتماء الوطني والقومي والإسلامي والإنساني.

وفي ظلال هذه السمة أتى حرص الأستاذ البنا رحمه الله على تحديد المفاهيم الإسلامية للعدبد من المصطلحات السياسية الشائعة ذات الصلة بهده  الدوائر ، ومن هذه المصطلحات .. اصطلاحي الوطنية، والقومية...

الوطنية

أكد الإمام البنا أن الإسلام يوجب على المسلمين أن يحبوا أوطانهم وأن يدافعوا عنها، بل لا يكاد المرء يجد كتاباً في الفقه أو الحديث إلا وفيه باب الدفاع عن الأوطان بعنوان الجهاد، فالجهاد هو الدفاع عن الأوطان والمواطنين وأموالهم وأعراضهم. 

موقف الإخوان من " الوطنية"

يقول الإمام حسن البنا : "إن الإسلام قد فرضها فريضة لازمة لا مناص منها .. أن يعمل كل إنسان لخير بلده وأن يتفانى فى خدمته وأن يقدم أكثر ما يستطيع من الخير للأمة التى يعيش فيها وأن يقدم فى ذلك الأقرب فالأقرب رحما وجوارا حتى أنه لا يجوز أن تنقل الزكوات أبعد من مسافة القصر – إلا لضرورة – إيثارا للأقربين بالمعروف فكل مسلم مفروض عليه أن يسد الثغرة التى هو عليها وأن يخدم الوطن الذى نشأ فيه .. ومن هنا كان المسلم أعمق الناس وطنية لأن ذلك مفروض عليه من رب العالمين وكان الإخوان المسلمون بالتالى أشد الناس حرصا على خير وطنهم وتفانيا فى خدمة قومهم".

فالإخوان يحبون وطنهم ويحرصون على وحدته القومية بهذا الاعتبار لا يجدون غضاضة على أى إنسان يخلص لبلده وأن يفنى فى سبيل قومه وأن يتمنى لوطنه كل مجد وكل عزة وفخار.

وفي ظل هدا المبدأ العام حرص الإمام البنا على تحديد المعاني الإسلامية الصحيحة  لمدلولات مفهوم الوطنية، محددًا موقف الإخوان منه، فقال رحمه الله :

وطنية الحنين: "إن كان دعاةُ الوطنية يريدون بها حبَّ هذه الأرض وأُلفتَها والحنينَ إليها والانعطافَ نحوها.. فذلك أمرٌ مركوزٌ في فطرة النفوس من جِهَة، ومأمورٌ به في الإسلام من جهةٍ أخرى، وإن بلالاً، الذي ضحى بكل شيء في سبيل عقيدته ودينه، هو بلال الذي كان يهتف في دار الهجرة بالحنين إلى مكة في أبيات تسيل رقَّةً وتقطر حلاوةً:

ألا ليت شعري هل أبيتن ليلةً           بواد وحول إذخر وجليل

وهل أردن يومًا مياه مجنة              وهل يبدون لي شامة وطفيل

  ولقد سمع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وصف مكة من "أصيل" فجرى دمعه حنينًا إليها، وقال: "يا أصيل دع القلوب تقرّ .. ومعنى ذلك أن الإمام "البنا" قد أكد أنه إذا أراد دعاةُ الوطنية بها حب الأوطان والحنين إليها فـ(الإخوان) من حيث هذا المعنى هم من أكثر الناس وطنيةً؛ لأن دينَنا الحنيفَ يحثُّ على ذلك.

          (رسالة دعوتنا ) .

وطنية الحرية والعزة:

وإن كان يُراد بالوطنية العملُ بكل جهد لتحرير البلاد من الغاصبين، واستقلاله وغرس مبادئ العزة والحرية في نفوس أبنائه... فنحن معهم في ذلك أيضًا، وقد شدَّد الإسلام في ذلك أبلغ التشديد، فقال تبارك وتعالى: "وَللهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ" .. (المنافقون: 8) ... ويقول: "وَلَن يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً " ... ( النساء:141).

(رسالة دعوتنا ) .

وطنية المجتمع: ووحدة الوطن:

أما إذا أريد بالوطنية تقوية الرابطة بين أبناء القُطر الواحد وإرشادُهم إلى طريق استخدام هذه التقوية في مصالحهم فذلك نوافقهم فيه أيضًا، ويراه الإسلام فريضةً لازمة، فيقول نبيه- صلى الله عليه وسلم- "كونوا عباد الله إخوانًا" ... ويقول القرآن الكريم: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتِّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ" (آل عمران 118).

(رسالة دعوتنا ) .

وطنية الفتح:

يرى الإخوان كذلك " أن المواطنة أو الجنسية التى تمنحها الدولة لرعاياها .. قد حلت مفهوم (أهل الذمة ) وأن هذه المواطنة أساسها المشاركة الكاملة والمساواة التامة فى الحقوق والواجبات مع بقاء مسألة الأحوال الشخصية ( زواج وطلاق ومواريث .. ) طبقا لعقيدة كل مواطن .. كما يرى الإخوان أن النصارى يمثلون مع المسلمين نسيجا اجتماعيا وثقافيا وحضاريا واحدا تداخلت خيوطه وتآلفت ألوانه وتماسكت عناصره، وأن للنصارى حقا فى أن يتولوا – باستثناء رئيس الدولة - كافة المناصب الأخرى مستشارين ومديرين ووزراء.

ويقرر الإخوان " موقفنا من إخواننا المسيحيين فى العالم العربى موقف واضح وقديم ومعروف لهم ما لنا وعليهم ما علينا وهم شركاء فى الوطن وأخوة فى الكفاح الوطنى الطويل ولهم كل حقوق المواطن ، المادى منها والمعنوى ، المدنى منها والسياسى ، والبر بهم والتعاون معهم على الخير فرائض إسلاميه لا يمتلك المسلم أن يستخف بها أو يتهاون فى أخذ نفسه بأحكامها ومن قال غير ذلك أو فعل غير ذلك فنحن براء منه ومما يقول ومما يفعل ".

أساس وطنيتنا:

ثم ينتقل الأستاذ البنا لتحديد أساس الوطنية في فهم الإخوان المسلمين فيقول :

“ ويخطئ من يظن أن الإخوان المسلمين يتبرمون بالوطن والوطنية، فالمسلمون أشد الناس إخلاصا لأوطانهم وتفانيا في خدمة هذه الأوطان واحتراما لكل من يعمل لها مخلصا، وها قد علمت إلى أي حد يذهبون في وطنيهم وإلى أي عزة يبغون بأمتهم، ولكن الفارق بين المسلمين وبين غيرهم من دعاة الوطنية المجردة أن أساس وطنية المسلمين العقيدة الإسلامية ... وحسبك من وطنية الإخوان المسلمين أنهم يعتقدون عقيدة جازمة لازمة أن التفريط في أي شبر أرض يقطنه مسلم جريمة لا تغتفر حتى يعيدوه أو يهلكوا دون إعادته، ولا نجاة لهم من الله إلا بهذا “

( رسالة إلى الشباب ).

حدود وطنيتنا: يفصل الأستاذ البنا حدود الوطنية الإسلامية، فيقول :

" أما وجه الخلاف بيننا وبينهم فهو أننا نعتبر حدود الوطنية بالعقيدة، وهم يعتبرونها بالتخوم الأرضية والحدود الجغرافية ...، ودعاة الوطنية فقط ليسوا كذلك، فلا يعنيهم إلا أمر تلك البقعة المحدودة الضيقة من رقعة الأرض،ويظهر ذلك الفارق العملي فيما إذا أرادت أمة من الأمم أن تقوي نفسها على حساب غيرها فنحن لا نرضى ذلك على حساب أي قطر إسلامي، وإنما نطلب القوة لنا جميعا، ودعاة الوطنية المجردة لا يرون في ذلك بأسا، ومن هنا تتفكك الروابط وتضعف القوى ويضرب العدو بعضهم ببعض “

(رسالة دعوتنا ) .

غاية وطنيتنا:

وفي النهاية، يبين الأستاذ البنا غاية الوطنية الإسلامية، فيقول :

“ إن الوطنيين فقط، جلّ ما يقصدون إليه، تخليص بلادهم، فإذا ما عملوا لتقويتها بعد ذلك، اهتموا بالنواحي المادية كما تفعل أوروبا الآن، أما نحن فنعتقد أن المسلم في عنقه أمانة عليه أن يبذل نفسه ودمه وماله في سبيل أدائها تلك هداية البشر بنور الإسلام ... “

(رسالة دعوتنا ) .

فالأستاذ البنا رحمه الله يرى أن الوطنية بالمفهوم الإسلامي تقوم حدودها على العقيدة، وليست على التخوم الأرضية والحدود الجغرافية فقط، فكل بقعة فيها مسلم يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله وطنٌ إسلامي له حُرْمَتُه وقداسته وحبه، والإخلاص له بالجهاد في سبيل خيره، وكل المسلمين في هذه الأقطار الجغرافية سواء كانوا في مصر وسوريا والأردن والعراق والباكستان وإيران وأفغانستان وغيرها من بلاد المسلمين هم أهلنا وإخواننا، نهتم لهم ونشعر بشعورهم.

ويمكن تلخيص دلالات ومضمون فهم الإخوان المسلمين لقضية الوطنية، فيما يلي:

1- حب الوطن من الفطرة والدين .

2- تحرير البلاد والحفاظ على استقلالها واجب إسلامي .

3- الرابطة الوطنية بين أفراد المجتمع مبدأ إسلامي .

4- أساس وطنيتنا هي العقيدة الإسلامية .

5- حدود وطنيتنا بالعقيدة وليست بالحدود الجغرافية .

6- وطنيتنا ذات رسالة موجهة لكل العالم .

الفكرة القومية

وموقف الإخوان منها

انتشرت الفكرة القومية في عالمنا العربي بصفة أساسية في أوائل القرن العشرين، وبالتحديد في النصف الاول منه عقب إسقاط الخلافة الإسلامية العثمانية في العقد الثالث من هذا القرن ...

وقد تعامل معها الإخوان منذ قيامهم، كما تعاملوا مع الأفكار الأخرى بميزان الإسلام ..

فالقومية كالوطنية لها معانٍ عدة، للإخوان  موقف من كل معنى:

قومية المجد:

يرى الإخوان " إن كان الذين يعتزون بمبدأ القومية يقصدون به أن الأخلاف يجب أن ينهجوا نهج الأسلاف في مراتب المجد والعظمة ومدارك النبوغ والهمة، وأن تكون لهم بهم في ذلك قدوة حسنة بدافع الصلة والوراثة، فهو مقصد حسن جميل، نشجعه ونأخذ به، وهل عدتنا في إيقاظ همة الحاضرين إلا أمجاد الماضي؟ ..

ولعل الإشارة إلى هذا في قول رسول الله- صلى الله عليه وسلم: "الناس معادن، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا"، فالإسلام لا يمنع القومية بهذا المعنى الجميل النبيل.

( رسالة دعوتنا ) .

فالإسلام يأمر المسلمين أن يقتدوا بالرسول صلى الله عليه وسلم ويقتدوا بالخلفاء الراشدين الملتزمين بهذا الدين الناشرين له المجاهدين في سبيله، وبكل عمل صالح وصفة حسنة يتمتع بها الأسلاف وأخذوها من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وغير ذلك مما أجمع عليه المسلمون.

قومية الأمة:

" وإذا قصد بالقومية أن عشيرة الرجل وأمته أولى الناس بخيره وبره وأحقهم بإحسانه وجهاده فهو حق كذلك ...

وإذا قصد بالقومية أننا جميعا مبتلون مطالبون بالعمل والجهاد فعلى كل جماعة أن تحقق الغاية من جهتها، حتى نلتقي إن شاء الله في ساحة النصر

فنعم التقسيم هذا..

كل هذا وأشباهه في معنى القومية جميل معجب لا يأباه الإسلام، وهو مقياسنا، بل ينفسح صدرنا له ونحض عليه”“

 (رسالة دعوتنا ) .

وهذا ما قرره الله في كتابه بقوله تعالى: (يسئلونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم (215)) [البقرة].

ويؤكد هذا المعنى أيضاً قول الرسول صلى الله عليه وسلم لأبي طلحة رضي الله عنه لما أراد أن يتصدق ببستانه من النخيل وهو أحبُّ ماله إليه: “إني أرى أن تجعلها في الأقربين”، فقسمها في أقاربه وبني عمه. الحديث متفق عليه.

انظر رياض الصالحين رقم 320.

ومن هنا فالقومية بالمعاني السابقة لا تتعارض مع الإسلام في مفهوم الحماعة، بل يحث عليها؛ ولذا فالإخوان قوميون بالمعاني السابقة.

إلا أنه بجانب المعاني الخيرة السابقة هناك معاني أخرى للقومية يناديبها بعض حملتها تتعارض لأول وهلة مع الفهم الصحيح للإسلام؛ يرفضها الإخوان ..

معان لمصطلح القومية نبتعد عنها:

يقول الإمام "البنا" تحت عنوان:

قومية الجاهلية:

إذا قُصد بالقومية إحياء عادات الجاهلية والتعصب للجنس والتعالي على الآخرين حتى وإن كانوا مسلمين، والمناداة بالقيم الجاهلية بديلاً عن القيم الإسلامية والمعاني الإيمانية والأخلاق الإسلامية الفاضلة، والتحلل من عقدة الإسلام ورباطه بدعوى القومية.

ولقد حذر الأستاذ البنا رحمه الله من هذه القومية حيث يقول عن ذلك: " ذلك في القومية معنى ذميم وخيم العاقبة سيِّئ المغبة، يؤدي بالشرف إلى خسارة فادحة، يضيع معها تراثه وتنحط بها منزلته ويفقد أخص مميزاته، وأقدس مظاهر شرفه ونبله ولا يضر ذلك دين الله شيئاً، قال تعالى: (وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم (38) ) [محمد].

رسالة دعوتنا.

قومية العدوان:

هذه القومية يدل عليها عنوانها ومصطلحها فهي تقوم على انتقاص حقوق الناس وظلمهم والاعتداء عليها بغير وجه حق، وكانت هذه في الجاهلية بأبشع صورها، جاءت على لسان شاعرها: ومَنْ لا يظلم الناس يُظْلَم، بل قد ساد عند أهل الجاهلية اعتبار الظلم مَنْقبة وعدمه مَثْلبة يستحق صاحبها الذم والهجاء، وهذا معنى قول الشاعر الجاهلي يعيب بني عجلان ويهجوهم: لا يظلمون الناس حبة خردل.

أسس في التصور الإسلامي ص113.

وقد اعتبر الامام البنا هذه القومية نقيضة للدين الإسلامي، منعدمة الإنسانية، وهذا معنى ذميم نتيجته المُرَّة أن يتناحر الجنس البشري في سبيل وهْمٍ من الأوهام لا حقيقة له ولا خير فيه.

رسالة “دعوتنا”.

ومن هنا كان موقف الإخوان محددا وواضحا تجاه هذه المعاني والمفاهيم المذمومة لفكرة " القومية " حيث ثقول الإمام البنا في ذلك:

(الإخوان المسلمون لا يؤمنون بالقومية بهذه المعاني ولا بأشباهها، ولا يقولون: فرعونية وعربية وفينيقية وسورية، ولا شيئاً من هذه الألقاب والأسماء التي يتنابز بها الناس، ولكنهم يؤمنون بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء، الناس لآدم وآدم من تراب، لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى”.

رسالة “دعوتنا”.

ولم يقف جهد الجماعة على نبذ هده المعاني المذمومة بل قاموا بتحديد المعنى الصحيح لفكرة القومية من وجهة النظر الإسلامية:

يرى الأستاذ البنا رحمه الله معنى إسلامياً للقومية، وهذا المعنى يقوم على رابطة العقيدة فكل من آمن بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً في عقيدة الإخوان المسلمين – هو من الأمة الإسلامية وعلى المسلمين أن يحبوه وينصروه ويبذلوا دماءهم وأموالهم في الدفاع عنه وحمايته.

وقد وضح رحمه الله المفهوم الإسلامي الذي يدعو إليه حين كتب في رسالة “إلى أي شيء ندعو الناس” هذا العنوان " قوميتنا وعلى أي أساس ترتكز " .. وساق الآيات الكريمة والدالة بل الناطقة بالولاء لله ورسوله والمؤمنين وأن السلف الصالح رفعوا نسبتهم إلى الله تبارك وتعالى فاعتصموا بحبله المتين وأصبحوا إخوة متحابين على اختلاف فئاتهم وبلدانهم وأجناسهم وأحوالهم حتى افتخروا بهذه النسبة فقال أحدهم حين سأله رجل عن نسبه: أتميميٌّ أم قيسيٌّ؟ ... فقال: أبي الإسلام لا أبَ لي سواه إذا افتخروا بقيس أو تميم.

مجموعة الرسائل 132-134.

ويرتكر المفهوم الإسلامي لفكرة القومية على الأسس والمبادئ التالية:

“ ترتكز قوميتنا على الولاء الكامل لله وللرسول وللمؤمنين :

(( إليّ إليّ يا أخي واسمع قول الله تبارك وتعالى :

1- “ الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور “ [البقرة : 257].

2- “ بل الله مولاكم وهو خير الناصرين “ [آل عمران : 150].

3- “ إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة وتؤتون الزكاة وهم راكعون “ [المائدة : 55].

4- “ إن وليي الله الذي نزّل الكتاب وهو يتولى الصالحين “ [الأعراف : 196].

5- “ قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون “ [التوبة : 51].

6- “ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون * الذين آمنوا وكانوا يتقون “ [يونس : 62-63].

7- “ ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم “ [محمد :11].

8- “ ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعملون “ [المنافقون : 8].

9- ( يقول الله تبارك وتعالى يوم القيامة : يا بني آدم جعلت نسبا وجعلتم نسبا فقلتم فلان بن فلان، وقلت: [ إن أكرمكم عند الله أتقاكم ] فاليوم أرفع نسبي وأضع نسبكم ).

(( أيها الأخ العزيز : إن الناس إنما يفخرون بأنسابهم لما يأنسون من المجد والشرف في أعمال جدودهم، ولما يقصدون إليه من نفخ من روح العزة والكرامة في نفوس أبنائهم،، ليس وراء هذين المقصدين شيء، أفلا ترى في نسبتك إلى الله تبارك وتعالى أسمى ما يطمح إليه الطامحون من معاني العزة والمجد : “ فإن العزة لله جميعا “ { النساء : 139 } وأولى ما يرفع نفسك إلى عليين، وينفخ فيها روح النهوض مع العاملين، وأي شرف أكبر وأي رافع إلى الفضيلة أعظم من أن ترى نفسك ربانياً، بالله صلتك وإليه نسبتك، ولأمر ما قال الله تبارك وتعالى : “ ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون “ { آل عمران : 79 } “

( رسالة إلى أي شيء ندعو الناس ) .

وعليه، تتلخص سمات القومية من منظور إسلامي في فكر الأستاذ البنا، فيما يلي :

1- الاعتزاز بالانتماء القومي والتاريخي وتبعية الخلف للسلف .

2- أولوية الاهتمام القومي والأحقية بالخير والإحسان لهم .

3- محاربة الاعتزاز بالعرق والجنس والعادات الجاهلية .

4- ارتكاز قوميتنا على الولاء الكامل لله ولرسوله وللمؤمنين .

وفي إطار هذه المفاهيم حدد الإمام البنا مفهوم العروبة الذي يحمله فكر الجماعة:

يقول الأستاذ البنا في تحديد هذا المفهوم : “.. إن الإخوان المسلمين يعتبرون العروبة، كما عرفها النبي صلى الله عليه وسلم، فيما يرويه ابن كثير عن معاذ بن جبل رضي الله عنه :” ألا إن العربية اللسان، ألا إن العربية اللسان “

( رسالة المؤتمر الخامس ).

منزلة العرب : “ العرب : هم أمة الإسلام الأولى وشعبه المتخير، ولن ينهض الإسلام بغير اجتماع كلمة الشعوب العربية ونهضتها، فهذه الحدود الجغرافية والتقسيمات السياسية لا تمزق فينا أبدا معنى الوحدة العربية والإسلامية، ( إذا ذل العرب ذل الإسلام) ... إن الإسلام نشأ عربيا ووصل إلى الأمم عن طريق العرب، وجاء كتابه بلسان عربي مبين، وتوحدت الأمم باسمه “

(رسالة دعوتنا ).

  مراتب الوحدة السياسية التي يراها فكر الدعوة

ملامح الوحدة في فكر الإمام البنا

تحدث الإمام الشهيد عن أنماط الوحدة في الفكر السياسي الإسلامي فأوضح إنَّ هناك وحدة أخلاقيَّة بين المسلمين، وهناك وحدة الفكر واللغة والدين بين جماعات المسلمين المختلفة، وهناك في نهاية المطاف الوحدة السياسيَّة بين مختلف القوميَّات والجماعات المسلمة في العالم.

وأكد الإمام الشهيد على انَ الوحدة الكبرى لن تتحقق بمجتمعاتٍ منقسمةٍ كما هو واقع الحال في غالبيَّة البلدان العربيَّة والإسلاميَّة، ولذلك عَمِدَ في رسائله- وخصوصًا “مشكلاتنا في ضوء النظام الإسلامي” و”نحو النور” و”المؤتمر الخامس”- إلى تناول قضيَّة الاختلافات السياسيَّة والمذهبيَّة في داخل البلدان العربيَّة والإسلاميَّة؛

لأنَّه ومن المنطقي أنَّه لن تقوم للوحدة الكبرى قائمة إذا ما استمرت الأمور على ما هي عليه من تناحر وخلافاتٍ سياسيَّة وطائفيَّة داخل وبين البلدان العربيَّة والمسلمة.

وبادئ ذي بدأ حرص الإمام البنا رحمه الله على تحديد موقف الإسلامي المبدئي من قضية الوحدة، فقال:

“أعتقد أنَّ الإسلامَ هو دين الوحدة في كل شيء، وهو دين سلامة الصدور، ونقاء القلوب، والإخاء الصحيح، والتعاون الصادق بين بني الإنسان جميعًا، فضلاً عن الأمة الواحدة والشعب الواحد”.

كما حدد الإمام البنا نوعيات الوحدة التي تسعى الجماعة إلى تحقيقها من خلال جهدها السياسي، فيقول :

“ كثيراً مما تتوزع أفكار الناس في هذه النواحي الثلاث: الوحدة القومية، والوحدة العربية، والوحدة الإسلامية، وقد يضيفون إلى ذلك الوحدة الشرقية .

ثم تنطلق الألسنة والأفكار بالموازنة بينها، وإمكان تحققها أو صعوبة ذلك الإمكان، ومبلغ الفائدة أو الضر منها، والتشيع لبعضها دون البعض الآخر .

فما موقف الإخوان المسلمين من هذا الخليط من الأفكار والمناحي ؟

ولا سيما وكثير من الناس يغمزون الإخوان المسلمين في وطنيتهم، ويعتبرون تمسكهم بالفكرة الإسلامية مانعاً إياهم من الإخلاص للناحية الوطنية .

والجواب عن هذا أننا لن نحيد عن القاعدة التي وضعناها أساساً لفكرتنا، وهي السير على هدي الإسلام وضوء تعاليمه السامية .

فما موقف الإسلام نفسه من هذه النواحي ؟

( رسالة المؤتمر الخامس ) .

الوحدة الوطنية :

حدد الإمام البنا مفهوم الوحدة الوطنية تحديدا دقيقاً، فقال :

“ إن الإسلام قد فرضها فريضة لازمة لا مناص منها أن يعمل كل إنسان لخير بلده وأن يتفانى في خدمته، وأن يقدم أكثر ما يستطيع من خير للأمة التي يعيش فيها، وأن يقدم في ذلك الأقرب فالأقرب رحماً وجواراً، حتى أنه لم يُجز أن تنقل الزكوات أبعد من مسافة القصر-إلا لضرورة-إيثاراً للأقربين بالمعروف .

فكل مسلم مفروض عليه أن يسد الثغرة التي هو عليها وأن يخدم الوطن الذي نشأ فيه، ومن هنا كان المسلم أعمق الناس وطنية وأعظمهم نفعاً لمواطنيه، لأن ذلك مفروض عليه من رب العالمين، وكان الإخوان المسلمون بالتالي أشد الناس حرصاً على خير وطنهم، وتفانياً في خدمة قومهم، وهم يتمنون لهذه البلاد العزيزة المجيدة كل عزة ومجد وكل تقدم ورقي، وكل فلاح ونجاح ... فالإخوان المسلمون يحبون وطنهم، ويحرصون على وحدته القومية بهذا الاعتبار، ولا يجدون غضاضة على أي إنسان أن يخلص لبلده، وأن يفنى في سبيل قومه، وأن يتمنى لوطنه كل مجد وكل عز وفخار “.

 (رسالة المؤتمر الخامس ) .

           

الوحدة العربية :

          من البديهيات التي لا تقبل الجدل عند الإخوان " أن العرب أمة واحدة" ..

          وقال عنها الإمام "البنا"- يرحمه الله- في رسالة (دعوتنا في طور جديد): " والعروبة لها في دعوتنا مكانُها البارز وحظُّها الوافِر، فالعَرَب هم أمة الإسلام الأولى، وشعبه المختار، ولن ينهض الإسلام بغير اجتماع كلمة الشعوب العربية ونهضتها، وإن شبر أرض في وطن عربي نعتبره من صميم أرضنا ومن لباب وطننا".

          ويُضيف الإمام "البنا": "ومِنْ أروَع المعاني في هذه السبيل ما حدَّد به رسول الله- صلى الله عليه وسلم- معنى العروبة؛ إذ فسرها بأنها اللِّسان والإسلام، وبذلك تعلم أن هذه الشعوب الممتدة من خليج فارس إلى طنجة ومراكش على المحيط الأطلسي كلها عربية تجمعها العقيدة، ويوحد بينها اللسان، ونحن نعتقد أننا حين نعمل للعروبة نعمل للإسلام ولخير العالم كله..

والإخوان يرون أن " العرب .. هم أمة الأسلام الأولى وشعبه المتخير ولن ينهض الإسلام بغير اجتماع كلمة الشعوب العربية ونهضتها، فهذه الحدود الجغرافية والتقسيمات السياسية لا تمزق فينا أبدا معنى الوحدة العربية والإسلامية ( إذا ذل العرب ذل الإسلام ) .. إن الإسلام نشأ عربيا ووصل إلى الأمم عن طريق العرب وجاء كتابه بلسان عربى مبين وتوحدت الأمم باسمه".

وقد اصطلحت على تكوين الوحدة العربية وتدعيمها كل العوامل الروحية واللغوية والجغرافية والتاريخية والمصلحية، وليست تعوز هذه القضية الأدلة والبراهين؛ ولكن يعوزها ثبات المؤمنين وعدالة المنصفين ...

كما تقول مذكرة (الإخوان المسلمون) إلى اللجنة التحضيرية لمؤتمر الوحدة العربية في غرة شوال المبارك 1344 هـ، 18 من سبتمبر 1944 م .

ويذكر الإمام "البنا" عام 1946م أن الإخوان منذ تأسيسهم رأوا أن الدنيا ستصير إلى التكتل، وأن عصر الوحدات الصغيرة والدويلات المتناثرة قد زال أو أوشك، وأنهم رأوا أنه ليست هناك جامعة أقوى ولا أقرب من الجامعة التي تجمع العربي بالعربي، وأشار في مجلة (الإخوان المسلمون) تحت عنوان "آمالنا في الجامعة العربية" إلى أن هناك عوامل عدة تؤدي إلى الوحدة الكاملة، على العرب أن يأخذوها في حسبانهم، وتتمثل في:

          الوحدة الجغرافية :

          فالأرض واحدة، تمتد من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب في اتصال والتحام، لا تقسمها الفواصل الكونية أو التضاريس، مع تميزها بثرواتها الطبيعية واستغنائها بخيراتها.

          والوحدة الروحية:

          فالمسلمون يقدسون الإسلام عقيدة، وغيرهم يعتزون به شريعة قومية عادلة ونظامًا اجتماعيًّا ترعرع في أوطانهم.

          الوحدة اللغوية:

          فاللغة واحدة للمسلمين، وغير المسلمين من العرب الذين يحوطونها بمشاعرهم.

          الوحدة الفكرية الثقافية والاجتماعية :

          تشابه العادات والتقاليد في شعوبهم، وحدة الآمال والآلام التي يمثلها التاريخ المشترك في القديم والحديث، وحدة المصالح العملية المشتركة.

          هذه الروابط جميعًا تربط العرب، ومن ثمَّ فإن الوحدة أوالجامعة العربية هي الطريق الطبيعي لنهضة العرب، وهذا يمثل أحد أهداف الإخوان الذين أيدوا الجامعة العربية ورأوها عدة الحاضر وأمل المستقبل.

          وكانت مناصرة الإخوان في المنطقة العربية للجامعة العربية ممارسة واقعية لانتمائهم العروبي، وعملاً لإحياء الوحدة العربية، إلا أنهم كانوا يرون تخليصها من كل ما يحيط بها من عوامل الضعف والتخلخل ... فالإمام "البنا" يقول " .. والجامعة العربية في وضعها الصحيح يجعلها جامعة حقيقية تضم كل عربي على وجه الأرض في المشرق والمغرب، وتستطيع أن تقول كلمتها، فيحترم تقويتها وتدعيمها، ومن حقنا أن يعترف الناس بها وأن يقدروها قدرها، وأن يؤمنوا بأنها حين تقوى وتعتز ستكون من أقوى دعائم السلام العالمي".

الخطوات نحو الوحدة:

          ـ الأسس التى ينبغى أن تقوم عليها الوحدة :

          يرى الإخوان المسلمون أنه لكي تنجح الوحدة العربية، فمن الضروري الالتزام بأسس عدَّة، هي:

          - الإسراع في توحيد الثقافات حتى تتقارب الأفهام، ويفتح الباب للاندماج الكامل، وهذا يستدعي تغييرًا في مناهج وسياسة التعليم في المعاهد والمدارس العربية..

          - توجيه الثقافات وجهة واحدة تخدم أهداف الوحدة، وهذا يعني وضع المعاهدة الثقافية بين الدول العربية موضع التطبيق؛ حتى لا تظل الوحدة مقصورة على ناحيتها الرسمية بين الحكومات .

          - العمل لتحقيق الوحدة الاقتصادية عبر سلسلة من الاجراءات والبرامج المشتركة ومن ثم الوحدة السياسية ، واعتبار الجامعة العربية أداة لجمع كلمة العرب وتوحيدهم في قوة واحدة لتحقيق رسالتهم في الحياة لنشر المثل العليا، وأن تقوم الجامعة بحقها في حماية العرب وصيانة استقلالهم من خلال اتفاقية الدفاع العربي المشترك ..

          - تطوير مؤسسات الجامعة من جهة الدورية والالتزام بقرار الاغلبية

          - العمل على تطبيق الإسلام ، إذ أن تطبيق الإسلام فى أى بلد عربى يجعله بلداً وحدوياً بالضرورة ويمكن لفكرة الوحدة بين أبنائه ، ويمد الفكر الوحدوى بالقوى الدافعة.

 

طريق عملي مقترح لتحقيق الوحدة

          إن الخطوة الأولى نحو الوحدة قد تبدأ بتوجيه الدعوة للأحزاب الإسلامية والقومية والحركات الشعبية والنقابات والفعاليات البرلمانية لعقد مؤتمر عام وليكن باسم "مؤتمر الوحدة العربية" يسعى إلى الوصول إلى ميثاق .. عام " ميثاق الوحدة العربية" .. تتبناه جميع الأحزاب والحركات الشعبية المشاركة فى المؤتمر ، ويمكن أن يتولى المهمة المؤتمر القومي الاسلامي الذي يمكن أن يبلور ميثاق الوحدة العربية من خلال مؤتمر جامع .

 ويمكن تصور تكوين الآليات التالية لدعم فكرة هذا الميثاق :

          - تشكيل مجلس يسمى مجلس الوحدة العربية... يكون بمثابة البرلمان الذى تمثل فيه الشعوب العربية... ويقوم هذا المجلس بوضع السياسات والبرامج العامة للوحدة العربية.

          - انتخاب مكتب تنفيذى يقوم بتنفيذ السياسات والبرامج.

          - تشكيل أجهزة متخصصة تقوم بإعداد برامج التوجيه والضغط والتخطيط لمختلف الجوانب الاجتماعية والسياسية والفكرية والثقافية والتربوية والتشريعية والإعلامية والعملية والتقنية والاقتصادية والعسكرية.

          يصاحب هذا الجهد قيام المؤتمر بالتعاون مع أجهزة العمل العربي المشترك الرسمية بوضع الأليات المناسبة لـ :

          - العمل على حل قضية فلسطين حلاًّ يتفق مع وجهة النظر العربية ويؤدي إلى سلامة هذا الجزء من الوطن العربي، وهو منه بمثابة القلب من الجسد وإلى المحافظة كل المحافظة على أن يظل عربيًّا خالصًا ، وخاصة أن الشعوب العربية كلها قد وطدت العزم على أن تستنقذ فلسطين مهما كلفها ذلك من الجهود والتضحيات.

          - العمل على حل بؤر التوتر وقضايا النزاع سواء في داخل القطر العربي الواحد أو بين الأقطار العربية بعضها البعض .. ومن أمثلة الأولي قضايا الأقليات العرقية والدينية .. بينما النزاعات والخلافات الحدودية تمثل النوع الثاني من المعوقات .

          - السعي الدؤوب لتحقيق مظاهر الوحدة العامة

          - فهنالك خطوات أولية تعتبر وسائل عملية للوحدة المنشودة، وهي في الوقت نفسه من حق الحكومات العربية الخالص التي لا ينازعها فيه منازع، ومن تلك الخطوات:

          1- رفع الحواجز الجمركية.

          2- إلغاء جوازات السفر ومنح حرية المرور والتنقل في أي قطر من الأقطار العربية لكل عربي بعد التأكد من شخصيته وإباحة الهجرة والاستيطان على نظامٍ واسعٍ ميسرٍ.

          3- التوسع في التعاون الاقتصادي وتأليف الشركات العربية الواسعة النطاق من سكان البلاد العربية جميعًا في أي قطر من هذه الأقطار، ودراسة المشروعات العربية العامة دراسة مشتركة، وإحياء ما تتعطل منها كمشروع (سكة الحديد) الحجازية التي أنشئت بأموال العرب والمسلمين جميعًا وأوقافهم.

          4- تنمية التعاون الثقافي والتشريعي والعسكري بتوحيد برامج التعليم ومناهجه وتوحيد منابع التشريع وقواعده، وتوحيد نظم التدريب العسكري وأساليبه

          5- تنمية مؤسسات الوحدة العربية الشعبية في مستوى الهيآت الشعبية النقابية والشبابية والنسوية والاحزاب السياسيد للوحدة العربية في الواقع اليومي الشعبي تمهيدا للوحدة الرسمية.

          - الكيان السياسي العام للأمم العربية المتحدة

 وتأتي بعد الخطوات السابقة خطوة ثالثة يكمل بها بناء الوحدة العربية، تلك هي تحديد لون الكيان السياسي العام لهذه الحكومات العربية المتحدة.

          - السعي لتحديد الصلة بين البلاد العربية وجاراتها من البلاد الإسلامية غير العربية.

 وهو مما يعزز الوحدة العربية وتهتم له الحكومات والشعوب معًا، فهناك أقطار ليست عربية؛ ولكنها تجاور بلاد العرب وتجمعها بها جامعة المصلحة والجوار من جانب .. والعقيدة الإسلامية والذكريات التاريخية من جانب آخر كتركيا وإيران.

          وإذا كنا في العصر الذي تحاول فيه كل أمة من الأمم أن تتلمس الروابط والجامعات بينها وبين غيرها، فإن من واجب المؤتمر العربي أن يقرر أن بين العرب وبين هذه الأمم لمحالفة روابط تاريخية ودينية ومصالح اقتصادية واستراتيجية ، وأن يعلن أن من خير العرب وخير هذه الشعوب معًا أن تدعم هذه المحالفة الطبيعية بمحالفات سياسية واتفاقات يتحقق بها تعاون الجميع على خيرهم وخير الإنسانية، وبذلك يضع المؤتمر لبنة أخرى في بناء التعاون الإنساني المنشود.

وجديرة بالتشجيع مبادرة كل من تركيا وإيران تعبيرهما عن الرغيبة في الانضمام الى جامعة الدول العربية برتبة مراقب ، فهما عمق مهم جدا للأمة العربية .

تحديد لون الحضارة

التي يجب أن تصطبغ بها الأمة العربية

 ولعل من أهم واجبات المؤتمر التحضيري المقترح أن يعنى بدراسة هذه الناحية دراسة دقيقة وأن يكون لنفسه رأيا يوجه إليه الأمم والحكومات العربية، ولعل هذه الناحية الاجتماعية لا تقل أهمية عن الناحية السياسية إن لم تزد عنها.

          وفي هذا الخصوص تفصيل يقدم الأخوان في السطور التالية موقفهم تجاهه .

          " ذهب الرأي العام العربي في الفترة الماضية في هذه الناحية مذهبين مختلفين:

          فمن الناس من يدعو إلى الحضارة الغربية ويحض على الانغماس فيها وتقليد أساليبها خيرها وشرها وحلوها ومرها ونافعها وضارها ما يحب منها وما يكره وما يحمد منها وما يعاب ويرى أنه لا سبيل للنهوض والرقي إلا بهذا ومن زعم لنا غير ذلك فهو خادع أو مخدوع.

          ومن الناس من ينفر من هذه الحضارة أشد التنفير ويدعو إلى مقاومتها أشد المقاومة ويحملها تبعة هذا الضعف والفساد الذي استشرى في الأخلاق والنفوس .

          ولاشك أن كلا الفريقين قد تطرف وأن الأمر في حاجة إلى دراسة أعمق وأدق وإلى حكم أعدل وأقرب إلى الإنصاف والصواب.

          لقد وصلت الشعوب الغربية من حيث العلم والمعرفة واستخدام قوى الطبيعة والرقي بالعقل الإنساني إلى درجة سامية عالية، يجب أن تؤخذ عنها وأن يقتدى بها فيها، وهي إلى جانب ذلك قد عنيت بالتنظيم والترتيب وتنسيق شئون الحياة العامة تنسيقًا بديعًا يجب أن يؤخذ عنها كذلك، وهذه الحقائق لا يكابر فيها إلا جاهل أو معاند.

          ولكن هذه الحياة الغربية والحضارة الغربية التي قامت على العلم والنظام فأوصلها إلى المصنع والآلة، وجبى إليها الأموال والثمرات وملكها نواصي الأمم الغافلة، التي لم تأخذ في ذلك أخذها ولم تصنع صنيعها، هذه الحياة المادية الميكانيكية البحتة- مع ما صحبها من خصومة حادة بين علماء الدنيا وحراس الدين – قد أغفلت هذه الأمم عن أخص خصائص الإنسانية في الإنسان؛ عن الغرائز ومستلزماتها والمشاعر ومطالبها والنفس وعالمها وطرائق تنظيم ذلك كله وضبطه ضبطًا يضمن خيره ويجنبهم شره.

          ودفعت بها دفعًا عنيفًا إلى التبرم بالعقائد والأديان والخروج عليها خروجًا قاسيًا شديدًا وإقصائها إقصاءً تامًّا عن كل نواحي الحياة الاجتماعية العملية.

          فأسقطت الحياة الغربية من حسابها جلال الربانية والتسامي بالنفس الإنسانية، والاعتقاد بالجزاء الأخروي، واضطربت بذلك بين يديها المقاييس الخلقية، وانطلقت غرائز الشر من عقالها تحت ستار الحرية الشخصية أو الاجتماعية، ونَجَمَ عن ذلك أن تحطمت الفضائل في نفوس الأفراد وتهدمت الروابط بين الأسر وفسدت الصلات بين الأمم وصارت القوة لا العدالة شريعة الحياة، واندلعت نيران هذه الحرب فذاق حرها المحاربون والآمنون على السواء.

          وقد أدرك هذه الحقيقة أخيرًا ساسة الأمم الغربية أنفسهم فهبوا ينادون بوجوب العناية بالشئون الروحية ويتغنون بالمثل الخلقية العليا، ويهيبون بالحكومات أن تصبغ المدارس ومناهج التعليم والتربية بعد الحرب بهذه الصبغة وأن تعود بالشعوب إلى الأديان والعقائد الموروثة.

          ونحن العرب قد ورثنا مفاخر هذه الحياة الروحية ومظاهرها .. فأقطاب الرسالات العظمى وأنبياؤهم المطهرون في أوطاننا نشأوا ، وعلى أرضنا درجوا .. ورموز الديانات المقدسة لازالت شامخة باذخة في ديارنا ، تهوى إليها قلوب المؤمنين بالكتب والرسل في أنحاء الأرض، وهذا القرآن الكريم الذي ورثناه نحن العرب فخلد لغتنا ورفع الله به ذكرنا وخاطب به نبينا فقال: " وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ ".. (الزخرف:44) ... كما خاطبنا فقال:" لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ".. (الأنبياء:10).

          هذا القرآن قد حدد أهداف الحياة الروحية تحديدًا دقيقًا مبسطًا بعيدًا عن الأوهام الخيالية والفروض الفلسفية، ووفق بينها وبين مطالب الحياة العملية توفيقًا عجيبًا لم يستقم لغيره من الكتب ولم يتح لسواه من مناهج الحياة ونظمها.

          فإذا كنا نحن العرب نملك هذه الثروة الروحية الجليلة التي تصل القلب الإنساني بجلال الربانية فتكلؤه بذلك إشراقًا وريًّا ، وتكرم في الإنسان معنى الإنسانية فترفع في عينيه قيم الفضائل العليا ، وتذكر الناس بجزاء الآخرة فتسمو بهم عن الوقوف عند أغراض الحياة الدنيا ، وتوثق بين بني الإنسان رابطة من الأخوة لا تمتد إليها يد التفريق والبلى ، وتقيم ميزان العدالة الاجتماعية بين مختلف الطبقات على أساس من التعاون والرضى ، وتضع لأصول المشاكل حلولاً ترتكز على الحق لا على الهوى .. إذا كنا نملك ذلك كله فإن من العقوق لمجدنا وكتابنا وللإنسانية كذلك ألا نتقدم للدنيا بهذا الدواء والعلاج الشافي.

          ولهذا نعتقد أن من واجب المؤتمر التحضيري أن يقرر وجوب استمساك البلاد العربية بقواعد حضارتها التي تقوم على ما ورثت من فضائل نفسية وأوضاع أدبية، ودوافع روحية ، على أن نقتبس من الحضارة الغربية كل ما هو نافع مفيد من العلوم والمعارف والصناعات والأساليب وعلى أن ندعو أمم الغرب إلى الانتفاع بهذا الميراث الروحي الجليل ، ونبصرها بما فيه من خير ، ونذكرها بما يحتويه من نفع وضر .. وبذلك تقوم الصلة بيننا وبينها على أساس من التعاون المشترك يتآزر فيه العقل والقلب على إنقاذ الإنسانية واستقرار الأمن والسلام.

          قد يقال: إن هذا المعنى ينحدر بالعاملين له والداعين إليه إلى معنى من التعصب الديني أو التحزب المذهبي يمزق وحدة الوطن المجتمع ويفرق بين المسلم وغير المسلم وهذا وهم خاطئ، فنحن إنما ندعو إلى الفضائل الروحية والمثل الدينية العليا التي يدعو إليها أهل الأديان جميعًا كما ندعو إلى الانتفاع في حياتنا العملية بهذا التراث القرآني المجيد الذي هو للمسلم دين ونظام ، ولكل عربي قومية ومجد ، وللدنيا بأسرها طمأنينة وسلام.

          يقول الإمام البنا رحمه الله تعالى : “يظن الناس أن التمسك بالإسلام وجعله أساساً لنظام الحياة ينافى وجود أقليات غير مسلمة فى الأمة المسلمة .. وينافى الوحدة بين عناصر الأمة وهى دعامة قوية من دعائم النهوض فى هذا العصر .. ولكن الحق غير ذلك تماماً ، فإن الإسلام الذى وضعه الحكيم الخبير الذى يعلم ماضى الأمم وحاضرها ومستقبلها قد احتاط لتلك العقبة وذللها من قبل .. فلم يصدر دستوره المقدس الحكيم إلا وقد اشتمل على النص الصريح الواضح الذى لايحتمل لبساً ولا غموضاً فى حماية الأقليات .. وهل يريد الناس أصرح من هذا النص (لاينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخُرجوكم من دياركم أن تَبَرُّوهم وتُقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين) .. الممتحنة ...

فهذا نص لم يشتمل على الحماية فقط ، بل أوصى بالبر والإحسان إليهم ، وإن الإسلام الذى قدس الوحدة الإنسانية العامة فى قوله تعالى : ( يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ) الحجرات ..

          ثم قدس الوحدة الدينية العامة كذلك ، فقضى على التعصب ، وفرض على أبنائه الإيمان بالرسالات السماوية جميعاً فى قوله تعالى : (قولوا آمنا بالله وما أُنزل إلينا وما أُنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتى موسى وعيسى وما أوتى النبيون من ربهم لانفرقُ بين أحد منهم ونحن له مسلمون . فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولَوا فإنما هم فى شقاق فسيكفيكهُم الله وهو السميع العليم . صبغة الله ومن أحسنُ من الله صبغة ) البقرة..

          ثم قدس بعد ذلك الوحدة الدينية الخاصة فى غير صلف ولا عدوان ، فقال تبارك وتعالى : ( إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخَوَيْكُم واتقوا الله لعلكم ترحمون ) الحجرات .

          هذا الإسلام الذى بنى على هذا المزاج المعتدل والإنصاف البالغ لايمكن أن يكون أتباعه سبباً فى تمزيق وحدة متصلة ، بل بالعكس إنه أكسب هذه الوحدة صفة القداسة الدينية بعد أن كانت تستمد قوتها من نص مدنى فقط .

وبعد فإن الإخوان حين يريدون لأوطانهم وشعوبهم الوصول إلى هذه الأهداف والحصول على كامل الحرية والاستقلال وتمام الاتحاد ، لا ينكرون ولا يغفلون أن بيننا وبين دول العالم وأممه وشعوبه صلات يجب أن تبقى ومصالح يجب أن تنظم؛ حتى يقوم التعامل على أساس من الحب والتعاون والإنصاف، وإن من الواجب أن ينظم ذلك كله بحيث لا تسوَّى مصالح الدول والشعوب على حساب العرب كما لا يحال بين دوله وبين مصلحة من مصالحها الحقيقية التي لا تنتقص من استقلالنا ولا تقف عقبة دون رقينا ونهوضنا ووحدتنا.

دائرة العلاقات الإسلامية

(وهدف تحقيق الوحدة الإسلامية):

الوحدة الإسلامية :

يرى الإخوان في التجمع العربي حلقة وسيطة من حلقات النهضة المطلوبة بين الوطنية والوحدة الإسلامية كما يقول الإمام “البنا” " كما يؤيد الإخوان الوحدة العربية باعتبارها الحلقة الثانية في النهوض" .. وهي عندهم ضرورية لتحقيق الاستقلال السياسي والحرية.

والإسلام في فهم الإخوان المسلمين جاء وضمن أهدافه العليا السامية القضاء على الفوارق النسبية بين الناس.. فالله تبارك وتعالى يقول ( إنما المؤمنون أخوة ).. والرسول عليه السلام يقرر ( المسلم أخوالمسلم ... والمسلمون تتكافئ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على سواهم ).. فالإسلام والحالة هذه لا يعترف بالحدود الجغرافية ولا يعتبر الفروق الجنسية والدموية ويعتبر المسلمين جميعا أمة واحدة ويعتبر الوطن الإسلامى وطنا واحدا مهما تباعدت أقطاره وتناءت حدوده.

والإخوان يقدسون هذه الوحدة ويؤمنون بهذه الجامعة ويعملون لجمع كلمة المسلمين وإعزاز أخوان الإسلام وينادون بأن وطنهم هو كل شبر أرض فيه مسلم يقول ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ) وما أروع ما قال فى هذا المعنى شاعرهم :

ولست أدرى سوى الإسلام لى وطنا                الشام فيها ووادى النيل سيان

وكلمـــا ذكر أسم الله فى بلــد               عددت أرجاءه من لب أوطـانى

وقد يجادل البعض فيقول“ إن ذلك غير ممكن والعمل له عبث لا طائل تحته ومجهود لا فائدة منه، وخير للذين يعملون لهذه الجامعة أن يعملوا لأقوامهم ويخدموا أوطانهم الخاصة بجهودهم.

والجواب على هذا أن هذه الأمم كانت من قبل متفرقة ومتخالفة في كل شيء: في الدين واللغة، والمشاعر والآمال والآلام، فوحدها الإسلام وجمع قلوبها على كلمة سواء، وما زال الإسلام كما هو بحدوده وبرسومه، فإذا وجد من أبنائه من ينهض بعبء الدعوة إليه وتجديده في نفوس المسلمين، فإنه يجمع هذه الأمم جميعاً من جديد كما جمعها من قديم، والإعادة أهون من الابتداء، والتجربة أصدق دليل على الإمكان”.

(رسالة المؤتمر الخامس).

والجماعة وهي تدرك أننا نعيش في عالم من التكتلات الإقليمية والدولية يقتضي أن تحول هذه الأماني إلى مؤسسات وأنظمة تغير من واقع المسلمين على الأرض، وتمكنهم من التعامل مع تكتلات اليوم بنفس المنطق والأساليب، كتلة إسلامية عالمية تتشابك علاقاتها السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، في إطار محكم ومتطور من التنظيم والفعالية تساعد المجتمعات الإسلامية على التخلص من تخلفها، وتساهم بإيجابية في تطور مسيرة الحياة البشرية، وتعتمد الحوار الحضاري بدلا من الصراع في التعامل مع الآخرين.

ومع تكتل الدول الإسلامية واتحادها أشار الإمام الشهيد إلى دائرة أوسع من التجمع تشمل الأمم الشرقية في مواجهة دول الاستعمار الغربي، وبذلك تنشأ دائرة أوسع من التأثير والتعاون والتنسيق والتجمع من بلدان العالم المختلفة، جوهر هذا التكتل وقيادته للأمة الإسلامية، ترسى فيه دعائم الحق والمساواة وتعمل قيم الإنسانية والتعارف والتعاون، وتواجه أطماع الدول الاستعمارية.

وكان الإمام الشهيد أول من نادى بسياسة عدم الانحياز والحياد الإيجابى، وقد توجه بهذا في خطاباته للملوك والرؤساء العرب.

وهذا التكتل العالمى الدولى لا يهدف الصراع أو إذكاء الحروب، وإنما هدفه السلام العالمى القائم على الحق والعدل، ومواجهة العدوان والظلم والأطماع المختلفة من الدول العظمى، وحماية الدول الضعيفة والنمو بها وبناء الحضارة الإنسانية العالمية التي أرسى الإسلام معالمها ومبادئها في الأرض؛لينعم بها كل البشر.

كما يستهدف الإخوان المسلمون في هذه المرحلة العالمية تقويم وإصلاح المؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة ومجلس الأمن وما شابهها من مؤسسات ؛ لتخرج من سيطرة قوى الاستعمار والإمبريالية واليهودية، والتي أفرغتها من مضمونها وجعلتها خادمة لمصالح هذه القوى وألعوبة في يد أمريكا واليهود.

ولنكون بحق مؤسسات تعبر عن قيم الحق والعدل، وحينها سيكون لتكتل الدول الإسلامية والشرقية من الآليات ما يمكنها من إحداث هذا التغيير الدولى المنشود، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

وهذه الرابطة الشرقية ليست تحزبا ضد الغرب، وإنما هي عاطفة وتعاون وتكتل دولى يشمل كل الدول التي تقبل التعاون، وتقيم علاقتها على أساس العدل والمساواة.

يقول الإمام الشهيد - موضحا ذلك ومبينا موقف الدعوة من الصراع بين الشرق والغرب:

“ يهتف بعض الناس بعد هذا بالوحدة الشرقية، وأظن أنه لم يثر هذه النعرة في نفوس الهاتفين بها إلا تعصب الغربيين لغربهم وسوء عقيدتهم في الشرق وأبنائه، وهم في ذلك مخطئون، وإذا استمر الغربيون على عقيدتهم هذه فستجر عليهم الوبال والنكال، والإخوان المسلمون لا ينظرون إلى الوحدة الشرقية إلا من خلال هذه العاطفة فقط، والشرق والغرب عندهم سيان إذا استوى موقفهما من الإسلام، وهم لا يزنون الناس إلا بهذا الميزان “ ....

ويقول أيضا: “ والشرقية لها في دعوتنا مكانها، وإن كان المعنى الذي يجمع بين المشاعر فيها معنى وقتيا طارئا، إنما ولده وأوجده اعتزاز الغرب بحضارته وتعاليه بمدنيته، وانعزاله عن هذه الأمم التي سماها الأمم الشرقية وتقسيمه العالم إلى شرقى وغربى...هذا المعنى الطارئ هو الذي جعل الشرقيين يعتبرون أنفسهم صفا يقابل الصف الغربي، أما حين يعود الغرب إلى الإنصاف ويدع سبيل الاعتداء والإجحاف فتزول هذه العصبية الطارئة وتحل بمحلها الفكرة الناشئة، فكرة التعاون بين الشعوب على ما فيه خيرها وارتقاؤها”...

رسالة: دعوتنا في طور جديد، ص231

السياسة الخارجية

في فكر جماعة الإخوان

مفهوم السياسة الخارجية:

يرى الإخوان أن: “العلاقات الدولية تحظى بأهمية كبيرة في عالمنا المعاصر، إذ لم يعد ممكناً لأي شعب أن يعيش بمعزل عمن حوله في عصر أصبح فيه الاعتماد المتبادل بين الدول ضرورة حيوية، ومدخلاً مؤثراً في العلاقات الدولية في مختلف جوانبها الثقافية والاقتصادية والسياسية والعلمية.

والجماعة ترى أن على الدول العربية والإسلامية أن تبذل المزيد من الجهد في تطوير صيغ التنسيق والتعاون الصادق من خلال توثيق الروابط السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية دفعاً نحو الاستقرار والتنمية وحماية المصالح المشتركة والمشروعة، وتلبية طموحات وآمال شعوبها العربية والإسلامية، مستفيدة من التجارب الناجحة التي شهدتها وتشهدها مناطق إقليمية متعددة من العالم.

والطليعة النهضوية تتطلع – أيضاً- إلى عالم يسوده التعاون بين الأمم كمرتكز أساس للمحبة والسلام، فإنه يدعو إلى مجتمع دولي متسامح تتجسد فيه معاني الأخوة الإنسانية وتسود فيه روح التكافل والتعاون والتراحم بين شعوبه وأممه، وتقوم العلاقات بين دولة على العدل وتكافؤ المصالح، واحترام التمايزات الحضارية، والثقافية والوفاء بالعقود والعهود الدولية”

(الإخوان وقضايا معاصرة).

ولتحديد مفهوم هذه السياسة، ويقول الأستاذ البنا – رحمه الله-:

“.. إن أريد بالسياسة معناها الخارجي، وهو المحافظة على استقلال الأمة وحريتها وإشعارها كرامتها وعزتها والسير بها إلى الأهداف المجيدة التي تحتل بها مكانتها بين الأمم ومنزلتها الكريمة في الشعوب والدول، وتخليصها من استبداد غيرها بها وتدخله في شئونها، مع تحديد الصلة بينها وبين سواها تحديداً يفصل حقوقها جميعاً، ويوجه الدول كلها إلى السلام العالمي العام وهو ما يسمونه (القانون الدولي)، فإن الإسلام قد عنى بذلك كل العناية وأفتى فيه بوضوح وجلاء، وألزم المسلمين أن يأخذوا بهذه الأحكام في السلم والحرب على السواء، ومن قصر في ذلك وأهمله فقد جهل الإسلام أو خرج عليه”.

(رسالة في مؤتمر طلبة الإخوان المسلمين).

وعليه، يرى الإخوان أن العلاقات الخارجية في مفهوم الجماعة يجب أن تقوم على عدد من المبادئ، من أهمها ما يلي:

المحافظة على استقلال وسيادة الأمة.

إعادة الأمة إلى مكانتها الكريمة بين الأمم.

تخليص الأمة من استبداد غيرها بها وتدخله في شئونها.

تحديد الصلة بين الأمة وبين سواها تحديداً يفصل حقوقها جميعاً.

تقوية الروابط بين الأقطار الإسلامية جميعاً، وبخاصة العربية منها تمهيداً للتفكير الجدي العملي في شأن الخلافة الضائعة.

الكفالة التامة لحقوق غير المسلمين، سواء أكانت حقوقاً دولية أم كانت حقوقاً وطنية للأقليات غير المسلمة.

(رسالة الطلبة ورسالة نحو النور).

اعتبار السلم أساسًا للعلاقات الدولية، وعدم الاعتداء على الآخرين، مع احترام خصوصياتهم الثقافية والسياسية، والإيمان أن اختلاف الثقافات والأجناس ليس ذريعة لعدوان جنس على جنس أوثقافة على أخرى، بل هومدعاة للحوار والتعارف، مصداقا لقوله تعالى (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا) الحجرات – 13.. خاصة وأن التطور الهائل في الاتصالات يتيح فرصا للحوار والتفاهم بين الشعوب لم تكن متاحة من قبل.

احترام العهود والمواثيق، وديننا الحنيف هوالذي شرع لنا منذ فجر الإسلام الوقوف عند التعهدات والالتزامات التي نرتبط بها مهما بدا لنا من مصلحة ظاهرة في نقضها أو التخلي عنها ( وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا ) الإسراء – 34..

سياسات وبرامج

في مجال العلاقات الخارجية

انطلاقا من قول الله عز وجل: (ان هذه امتكم امة واحدة وانا ربكم فاعبدون) فان الجماعة تنظر الى وحدة الامة العربية والاسلامية باعتبارها فريضة شرعية ويرى الحدود القائمة بين الاقطار العربية والاسلامية جراحا في قلوب المسلمين ويعدها منكرات وآثار جريمة تأمرية عالمية يجب العمل على ازالتها، وستسعى الجماعة لتحقيق وحدة الامة بالتدرج من خلال ما يلي:

- السعي لتعزيز الوحدة الثقافية المستندة الى عقيدة الامة وحضارتها من خلال تعميق الثقافة الاسلامية واعطاء اللغة العربية ما تستحق من عناية في جميع المراحل التعليمية والبرامج الاعلامية وتبادل المطبوعات والاعمال الادبية والمواد الاعلامية والتجارب العملية وعقد المؤتمرات الثقافية والعلمية.

- السعي لتعزيز الوحدة الاقتصادية القائمة على التكامل الاقتصادي وايجاد السوق العربية المشتركة وتوحيد العملة والغاء تأشيرات السفر والقيود الجمركية واعطاء الاولوية عمليا للتبادل التجاري بين الدول العربية والشعوب الاسلامية وتوظيف موارد الامة وثرواتها لخير ابنائها.

والتصدي لفكرة اقليم الشرق الاوسط أو أي تقسيمات اخرى يراد منها الغاء الهوية العربية والاسلامية ومسمى العالم العربي وفرض الهيمنة الصهيونية.

- تشجيع الصناعات العربية والإسلامية المشتركة ومواكبة التطور التقني ( التكنولوجي ) في العالم على مستوى الصناعات الخفيفة والثقيلة.

- الدعوة الى تحرير ثروات العالم العربي والاسلامي ولاسيما ثروته النفطية من الهيمنة الاستعمارية.

- العمل على تنفية الاجواء بين الاقطار العربية والاسلامية ووضع حد للنزاعات الحدودية واللجوء الى الحلول الاخوية بعيدا عن الاستجابة للمناورات الدولية الهادفة الى تمزيق الامة.

- السعي لوضع حد للاقتتال الداخلي بين بعض الانظمة العربية والحركات الوطنية والاسلامية الذي لا يستفيد منه الا اعداء الامة، والعمل على ضمان حرية العمل الوطني والاسلامي باعتبارها حقا مشروعا وضمانة للاستقرار وداعما لصمود الامة في مواجهة التحديات والاخطار.

- السعي لاخراج القوات الاجنبية المحتلة من الاراضي العربية والاسلامية والمتحكمة في شواطئها وممراتها المائية تحت شعارات خادعة كالانسانية والشرعية والارادة الدولية وحقوق الانسان او تحقيق الامن لبعض الدول وانهاء القواعد الامريكية في المنطقة.

- التصدي للدعوات العرقية والاقليمية والطائفية التي تستهدف تجزئة الامة وزرع الاحقاد بينها.

- العمل على تفعيل المنظمات العربية لتستأنف رسالتها في مجالات التربية والثقافة والعلوم والاقتصاد والزراعة والصناعة وسائر مناحي الحياة.

- تفعيل اتقافية الدفاع المشترك بين الاقطار العربية للوقوف في وجه الاطماع الخارجية التي تستهدف منطقتنا.

- تشجيع أي مسعى للوحدة بين أي قطرين عربيين او اسلاميين او اكثر وصولا الى الوحدة الشاملة على ثوابت الامة وعقيدتها. والدعوة الى انشاء وحدات اقليمية و تفعيل التكتلات الإقليمية على النحو التالي شريطة ان تظل الوحدة العربية الشاملة هدفا استراتيجيا ثابتا :

- وحدة بلاد الشام والعراق - وحدة الجزيرة العربية واليمن - وحدة وادي النيل - وحدة المغرب العربي.

ـ التنسيق والتعاون مع مختلف الأحزاب والحركات الإسلامية والقومية في العالم فيما يخدم الأمة ويحقق مصالح شعوبها.

ـ العمل على تكوين رأي عام عربي إسلامي من خلال المجتمع المدني والأحزاب التي تتقاسم نفس الأفكار والاهتمامات.

- العمل على توثيق الروابط الثقافية والسياسية والاقتصادية بين الاقطار الاسلامية بعضها البعض.

- دعم الاقليات الاسلامية والشعوب الاسلامية المضطهدة في مطالبها العادلة لنيل حقوقها والمحافظة على هويتها ودفع العدوان عنها.

- العمل على تعميم التجربة النيابية الشورية في الوطن العربي والعالم الاسلامي وتفعيل دور المجالس العربية في الاتحادات الدولية المتنواعة، والعمل على انشاء اتحاد برلماني اسلامي.

          - تنسيق وتوحيد المواقف العربية والإسلامية إزاء المتغيرات الدولية والمخاطر الجمة التي تهدد الأمن القومي والوجود الحضاري الإسلامي والدفع بالحوار العربي العربي،والعربي الإسلامي المباشر كوسيلة فاعلة لحل مشاكلها وتطوير علاقاتها وتوحيد صفوفها.

- تشجيع كل فرص الحوار والتواصل والتعارف بين الشعوب الإسلامية، ونشر اللغة العربية لغة القرآن الكريم، وإقامة المؤسسات الثقافية والتعليمية والتربوية التي تعنى بتعميق الهوية الثقافية المشتركة للمجتمعات الإسلامية.

- إقامة سوق إسلامية مشتركة، تشجع على التبادل التجاري، وإقامة المشاريع المشتركة، وتسهل حركة تنقل رؤوس الأموال والخبرات بين الدول الإسلامية، كي تستفيد من الإمكانيات الهائلة التي يزخر بها العالم الإسلامي، وتطوير هذه الإمكانيات لخدمة شعوبها.

- مواجهة التغلغل الصهيوني في بعض الدول الإسلامية، وإجراء المزيد من الصلات والعلاقات الهادفة إلى توسيع دائرة التفهم لقضية الحق العربي والإسلامي في فلسطين، وخطر المشروع الصهيوني على الأمة كلها.

- اعتبار العالم الإسلامي بعد العالم العربي، المجال الأول لحركتنا الدبلوماسية والسياسية، والعمل على توحيد مواقف الدول الإسلامية، لإبراز كتلة إسلامية مستقلة للوجود، تقوم على المصالح المشتركة فيما بينها، وتحافظ على الخصوصيات والاعتبارات السيادية.

          - دعوة الدول العربية والإسلامية إلى تنسيق جهودها سعياً لإيجاد مقعد دائم العضوية لدول العالم الإسلامي في مجلس الأمن الدولي.

- دعم منظمة المؤتمر الإسلامي وتطوير آلياتها لتكون قادرة على حل المشاكل والنزاعات التي تنشب بين الدول العربية والدول الإسلامية وعلى الإسهام في دعم مشاريع التنمية لكل الشعوب الإسلامية بما يحفظ أموال المسلمين ودمائهم وطاقاتهم من التبدد والهدر الذي لا يثمر سوى الفشل.

- الاهتمام بالجاليات والأقليات الإسلامية ومدها بالمشاريع للحفاظ على هويتها وحمايتها من الذوبان والانسلاخ.. والدفاع عن مصالحها وإعطاء الأجيال المتعاقبة من أبناؤ هذه الجاليات “ كالجيل الثاني والثالث والذين يلونهم” العناية المطلوبة من حيث العقيدة والفكر والسلوك.. والاهتمام بإنشاء المدارس والمعاهد الخاصة بأبناء الجاليات لتمكينهم من تعلم اللغة العربية والعلوم الإسلامية وتاريخ الوطن الأم.

- المشاركة في الندوات والمؤتمرات ومختلف التظاهرات خارج الوطن من أجل نشر أفكار الدعوة وشرح مواقفها.

- إلغاء جوازات السفر ومنح حرية المرور والتنقل في أي قطر من الأقطار العربية لكل عربي بعد التأكد من شخصيته وإباحة الهجرة والاستيطان على نظامٍ واسعٍ ميسرٍ.

- التوسع في التعاون الاقتصادي وتأليف الشركات العربية الواسعة النطاق من سكان البلاد العربية جميعًا في أي قطر من هذه الأقطار، ودراسة المشروعات العربية العامة دراسة مشتركة، وإحياء ما تتعطل منها كمشروع (سكة الحديد) الحجازية التي أنشئت بأموال العرب والمسلمين جميعًا وأوقافهم.

- تنمية التعاون الثقافي والتشريعي والعسكري بتوحيد برامج التعليم ومناهجه وتوحيد منابع التشريع وقواعده، وتوحيد نظم التدريب العسكري وأساليبه.

- تنمية مؤسسات الوحدة العربية الشعبية في مستوى الهيآت الشعبية النقابية والشبابية والنسوية والاحزاب السياسيد للوحدة العربية في الواقع اليومي الشعبي تمهيدا للوحدة الرسمية.

ويأخذ ذلك عدة مسارات أساسية، منها:

1- تشجيع ودعم صور التكافل المختلفة بين الشعوب والدول الإسلامية، وخاصة في المجال الاقتصادي والتعاون العلمى، سواء على المستوى الأهلى، أو مستوى الحكومات.

2- إقامة الروابط، وإنشاء التجمعات المشتركة التي تعمل على التواصل والتعاون والتنسيق، وخاصة المؤسسات الاجتماعية والأهلية.

3- إحياء الفكرة في النفوس، وإزالة ما يُثار حولها من شبهات واتهامات.

4- الدعم الإعلامى، والتوجيه الفكرى لتعاون هذه الشعوب، وترسيخ معانى الوحدة والترابط فيما بينها.

ومن بين ما يمكن أن تتخذه هذه المسارات من صور وأشكال:

1- التنسيق بين: النقابات، والاتحادات، والجامعات، والهيئات، والجمعيات الخيرية بين دول العالم الإسلامي، والرقى بها إلى مستوى عالى من التعاون والترابط والتوحد، وكذلك المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية من الأحزاب والبرلمانات ورجال الأعمال... الخ.

2- دفع الحكومات إلى إزالة المعوقات، وتنشيط هذا التواصل، والعمل على تفعيله قدر الإمكان، وتغطيته إعلاميا.

3- الاهتمام بدور الأزهر ودعمه لشعوب العالم الإسلامي والتوسع في ذلك.

4- التواصل والتنسيق بين الجماعات الإسلامية، التي تعمل في مجال الدعوة ولا تنحرف عن المبادئ والأصول الإسلامية، والسعى لعمل شكل تنسيقى، أو مؤتمر دورى، يرتقى بعد ذلك إلى مستوى الرابطة والمؤسسة الجامعة.

5- تشجيع المنتجات الوطنية لهذه الدول، وكذلك السياحة والتواصل الإعلامى فيما بينها.

6- تشجيع الحكومات على تشكيل روابط وتكتلات اقتصادية وسياسية مع دول العالم الإسلامي في عالم أصبح يحتاج إلى التكتل، وتفعيل الزشكال القائمة حالية، وإن كانت ضعيفة أو فارغة المضمون، وتقويتها، بدءا من جامعة الدول العربية ورابطة العالم الإسلامي ومنظمة الدول الإسلامية...الخ.

7- تعريف الشعوب بعضها ببعض، وتبنى مشاكلها وقضاياها، ومعرفة زعمائها ورموزها وتتبع أخبارها، وتبنى قضايا العالم الإسلامي، واتخاذ مواقف إيجابية معها.

8- الاهتمام بالوافدين والمبعوثين من بلاد العالم الإسلامي.

9- الاهتمام بتاريخ انتشار الإسلام في هذه البقاع وما قدموه من حضارة وإنجازات عبر التاريخ.

.. كل هذه الوسائل وغيرها تصب أساسا في تحقيق هذا الهدف، الذي يحتاج إلى صبر دءوب، وعمل متدرج هادئ متواصل، وإلى الالتفاف على المعوقات، وإلى الواقعية في التحرك في ذلك المجال، وإن هذا الأمر يحتاج إلى سنوات طويلة، وإلى أجيال متوالية، لكنه لا يغيب لحظة واحدة عن مشروعنا الإسلامي المتكامل، ولا نغفل عن دعمه والتخطيط الحثيث له.

موقع القضية الفلسطينية

في منهج جماعة الاخوان المسلمين

للقدس وفلسطين مكانة مقدسة في قلب كل عربي ومسلم، فهي القبلة الاولى، وهي الارض التي اختارها الله مسرى لنبيه صلى الله عليه وسلم، وام الانبياء على ارضها رمزا لوراثتهم في الرسالة والارض على السواء، ومسجدها الاقصى مع المسجد الحرام والمسجد النبوي، هي المساجد الثلاثة التي لا تشد الرحال الا اليها. وفيها اهم المقدسات المسيحية، لذلك فاننا نعتقد ان ارض فلسطين من البحر الى النهر ملك للامة العربية والاسلامية جميعا، وهي وقف مقدس وجزء من دين المسلم، تحفظها الاجيال، ويسلمها الجيل الى الجيل حتى يرث الله الارض ومن عليها.

ولا شك أن القضية الفلسطينية هي القضية المركزية للعالمين العربي والإسلامي، وهي المحور الذي تدور حوله أو تنبثق عنه معظم القضايا المصيرية للأمة.

إن المتتبع للقضية الفلسطينية لابد أن يلاحظ القضايا التالية:

عاش الشعب الفلسطيني فوق أرضه بشكل متواصل منذ أكثر من ألفي عام، وحمل الهوية العربية الإسلامية منذ أكثر من أربعة عشر قرنا، وهويطرد اليوم من أرضه، ومن حقه أن يعود إليها، وحق العودة حق دائم لا يسقط بالتقادم، ولا تستطيع أي جهة نقضه أوالتخلي عنه.

تميز المشروع الصهيوني منذ نشأته بأنه مشروع استيطاني يقوم على اغتصاب الأرض، وتشريد شعبها، وقد اعتمد في قيامه على إرهاب المنظمات (شتيرن، أرغون،.....)، ويمارس حاليا إرهاب الدولة بتدمير المنازل، وتجريف الأراضي الزراعية، وقتل السكان المدنيين الآمنين.

الكيان الصهيوني كيان توسعي، ويشكل تهديدا مباشرا للأمن القومي للدول المحيطة به، ومازال يحتل أراضي دول عربية مجاورة متحديا الشرعية الدولية، وهويعتمد على قوة بشرية، وعسكرية متطورة، وكذلك على دعم عسكري واقتصادي ودبلوماسي لا محدود من دول نافذة، أهمها الولايات المتحدة الأمريكية.

ثوابتنا على صعيد القضية الفلسطينية:

فلسطين عربية اسلامية، وتحريرها واجب على جميع العرب والمسلمين وفي كل الاحوال، يبقى العمل على تحرير فلسطين قضية مركزية بالنسبة لجميع المسلمين.

- ليس لاحد كائنا من كان الحق في التنازل عن أي جزء من ارض فلسطين او اعطاء الشرعية للاحتلال على أي جزء من ارضها المباركة.

- صراعنا مع الصهيونية صراع عقائدي، حضاري لا تنهيه اتفاقيات سلام وهو صراع وجود وليس صراع حدود.

- ارتباطنا بقضية فلسطين ارتباط بجزء من ديننا، والدين لا يقبل القسمة ولا يقبل التجزيء.

- الجهاد هو السبيل لتحرير فلسطين مما يقتضي ضرورة تعبئة الامة جهاديا، وحشد كافة الطاقات، واستنهاض جميع القوى، لمواجهة الهجمة الصهيونية الاستعمارية.

- مدينة القدس والمسجد الاقصى، آية في الكتاب العزيز، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والتفريط بأي منها تفريط بجوهر القضية وعدوان على العقيدة والدين.

- اسناد قوى الجهاد والمقاومة في فلسطين، ودعمها واجب شرعي مقدس اليوم وغدا، والجهاد ماض في فلسطين حتى تحرير الارض وزوال الاحتلال، والتضييق على الحركات المجاهدة وممارسة الضغط عليها خدمة للعدو وحرمان للامة من امضى اسلحتها في مواجهة عدوها.

ب- موقفنا من التسوية السياسية:

- الاعتراف بالعدو الصهيوني، اعتراف بشرعية الاغتصاب على الجزء الاكبر من ارض المسلمين في فلسطين.

- ان اخطر ما تحمله اتفاقيات التسوية القائمة خطر صهينة المنطقة وافساح المجال واسعا للاختراق الصهيوني لبلاد المسلمين، من خلال التعاون المشترك في مجالات الاقتصاد والاستثمار والمياه.. الخ ومقاومة ذلك واجب ديني ووطني.

- ان المخطط الصهيوني في المرحلة القادمة يهدف الى تحويل الصراع من كونه صراعا ضد الاحتلال، ليصبح صراعا داخل الصف العربي والفلسطيني، والواجب الوطني والقومي والاسلامي يفرض علينا تحريم الاقتتال الداخلي، والتأكيد على وحدة أبناء الامة، وتوجيه السلاح للاحتلال لا الى صدور أبناء القضية المشتركة والوطن والواحد.

- ان من اخطر استحقاقات التسوية القائمة، دمج الكيان الصهيوني في المنطقة العربية، مما يعني اعادة التعريف السياسي للمنطقة على اسس جديدة تلغي اي اعتبارات للوحدة تستند الى خصوصية العلاقة العربية الاسلامية المستمدة من الاسلام والعروبة.

- ليس لاحد ممن وقع اتفاقيات التصالح مع الاحتلال خلافا لمبادئ الامة وخروجا على مصالحها يمنع أبناء الأمة من التعبير عن موقفها الرافض للاحتلال ومواصلة التعبئة الجهادية واسناد القوى المجاهدة لان الجهاد ماض الى يوم القيامة، وضعف مرحلة لا ينبغي ان يغطي على كل المراحل.

- رفض كل الحلول المطروحة التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينة لصالح العدو الصهيوني وتجريد الشعب الفلسطيني من سلاح المقاومة الذي اثبت نجاعته في تحقيق توازن الردع الامر الذي يحتم على شرفاء الامة دعم قوى الجهاد والمقاومة والتأكيد على وحدتها الوطنية.

إن الجماعة تدعوإلى إتباع السياسات التالية تجاه القضية الفلسطينية:

- إعادة القضية إلى بعدها العربي والإسلامي، وعدم حصرها في البعد الفلسطيني، والنظر إلى الشعب الفلسطيني المجاهد على أنه جندي الخندق الأول في الدفاع عن الأراضي المقدسة.

- دعم الشعب الفلسطيني لمقاومة الاحتلال الصهيوني على كافة المستويات، وفي كل المجالات، والإيمان بأنها مقاومة مشروعة، توجبها الأديان السماوية، والشرائع الأرضية، ورفض وجهة نظر الصهاينة التي تساوي بين مقاومة الشعب الفلسطيني المشروعة، وبين الإرهاب وإحباط جهودهم لفرض وجهة نظرهم هذه على العالم.

إننا ندعو لدعم المقاومة للمبررات الشرعية:

لأنّ الشعب الفلسطيني شعب عربي مسلم شقيق أعتدي عليه وله علينا حق النصرة.

لأنها تحقق جزءاً من سياستنا التي تدعوإلى دعم القضايا العادلة، والشعوب المستضعفة، للحصول على حقوقها.

لأننا بدعمها إنما ندعم خط المواجهة الأول لحماية الأمن القومي للدول المجاورة للكيان الصهيوني ضد ممارساته التوسعية.

لأن الاعتداء الصهيوني على فلسطين يعتبر عدوانا على الأمة كلها، وإذا لم يستطع المسلم المشاركة في المقاومة فإن دعمها هو أقل الواجب.

التخلي عن الوهم الشائع بأن المفاوضات في ظل هذه الموازين المختلة هوالخيار الاستراتيجي الوحيد أمام الفلسطينيين للحصول على حقوقهم، إذ لابد من الاحتفاظ بخيار المقاومة باعتبارها الخيار الأساسي في مواجهة الاحتلال.

- تفعيل المقاطعة، ومقاومة كل أشكال التطبيع مع العدوالصهيوني.

- إعداد مشروع إسلامي عربي شامل يعتمد المواجهة الجادة للمشروع الصهيوني الاستيطاني، يحرر الإنسان العربي من الخوف والعجز والمهانة، ويحرر المجتمعات العربية من الاستبداد والتخلف، ويوجد برامج طموحة للتقدم والتنمية والبناء، ويحقق أقصى فعاليات التعاون بين الدول العربية والإسلامية.

- مخاطبة المنظمات الشعبية والثقافية والسياسية، ومنظمات حقوق الإنسان في العالم، ودعوتها إلى الالتزام بمبادئها في رفض سياسة الكيل بمكيالين، التي ميزت التعامل مع القضية الفلسطينية.

التنسيق الإيجابي مع الأنظمة والجمعيات والمنظمات الحكومية وغير الحكومية المناهضة للصهيونية.

تنظيم المهرجانات والمعارض والندوات وإعداد التقارير الخاصة بالقضية الفلسطينية لتبقى حية في ضمير الأمة.

تشكيل رأي عام عالمي يؤمن بعدالة القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في المقاومة والنضال.

السعي لإيجاد تكتل دولي فاعل يعمل يعمل على إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية.

ج- التصدي لسياسات التطبيع مع العدو الصهيوني:

- التطبيع في أي مستوى وعلى أي صعيد ليس اقرارا بشرعية الاغتصاب فحسب، ولكنه قبول نفسي ومادي وانسجام اختياري مع واقع هذا الاغتصاب.

- السماح للكيان الصهيوني بالتدخل في مناهجنا التعليمية وموادنا الاعلامية والثقافية بحجة التطبيع، اساءة للدين وللكرامة، واختراق ثقافي ومحاولة لتشكيل عقول الاجيال القادمة بما يخدم المخطط الصهيوني.

- ان من أسوأ أثار التطبيع انه يفتح المجال واسعا أمام الاختراق الاخلاقي وينشر الفساد في المنطقة عبر الانشطة السياحية ومن خلال المواد الاعلامية والثقافية التي يتفنن الصهاينة في توجيهها وتوظيفها لخدمة اغراضهم.

- يحمل التطبيع خططا كثيرة تستهدف القوة العسكرية العربية، من تخفيض لاعداد الجيوش وتحديد لنوعية الاسلحة وطبيعة الاعداد والتعبئة العسكرية مما يجعل المنطقة غنيمة سهلة للعدوان في ظل التفوق العسكري الصهيوني المطلق، مما يستدعي رفض جميع هذه المخططات ويحتم الوقوف في وجهها.

- ان اول واخطر أهداف التطبيع، ازالة الحاجز النفسي بين ابناء الامة وواقع الاحتلال بحيث يتم القبول بهذا الواقع، مما يعني التخلي عن المطالبة بالحقوق والاوطان ولتفتح ابواب الوطن العربي الكبير ليعبر منها الاحتلال الى حيث يشاء.

لكل ذلك فان موقف جماعتنا سيظل واضحا في رفض التطبيع مع العدو الصهيوني في كل مستوياته وسيعمل جاهدا وبكل الوسائل الممكنة لمقاومة جميع اشكاله، انطلاقا من موقف عقائدي، يحرص على مصلحة الامة ولا يفرط بحقوق أبنائها.

والجماعة إذ تتحمل مسؤولياتها العملية واستعدادها الدائم لتنفيذ مقتضيات هذا البرنامج، فإنها تطالب الجميع .. الأمة العربية والإسلامية حكاما ومحكومين ، أفرادا وجماعات ، بل شعوب العالم ومؤسساته المحبة للسلام والمناصرة للعدالة وحق الشعوب في نيل حريتها وحقوقها ، قاطبة بتحمل مسؤولياتهم أيضا.

موقف الإمام الشهيد

من الحركات الانفصالية لبعض القوميات الإسلامية:

وحول موقف الإمام الشهيد من الحركات الانفصالية لبعض القوميات الإسلامية بحجة أنها تتعرض لظلم حكومى وتعامل كدرجة ثانية في الدولة الواحدة، وقد تلجأ هذه الحركات للسلاح أو تتعرض للقمع الشديد من هذه الحكومات، فإن الإمام الشهيد كان له رؤية سياسية عميقة، فهو يدعو إلى وحدة العالم الإسلامي والحرص عليها، ولكن في نفس الوقت لابد من إعطاء الحقوق وردها لأصحابها، ويرفض أن يتم ذلك عبر السلاح والقمع، أو يؤدى إلى إراقة الدم المسلم.

ففى أثناء عام 1945م أثناء الثورة البارزانية الكردية، ضد الحكومة العراقية، أرسل فضيلته برقية إلى الحكومة العراقية (نشرت في مجلة الإخوان المسلمين في حينها) يناشدها أن تحل القضية الكردية عبر الحوار، وتحقيق المساواة، ورفع الظلم، لا عبر السلاح والقمع.

وذلك انطلاقاً من المفهوم الشرعى في وجوب وحدة الأمة، مع الإقرار بوجوب منح الحقوق: السياسية.. واللغوية.. والإدارية.. والتراثية لكردستان، وتقرير حصة في الميزانية مناسبة.

دراسة شرعية وسياسية للقضية العراقية للأستاذ محمد أحمد الراشد 2002م،ص20 .

إنه مع اعتبار أهمية القوميات الخاصة، والتطلعات للتجمعات النوعية، والحرص على ذاتيتها وهويتها، إنما يتم ذلك في إطار الوحدة الإسلامية والإخاء الإسلامي، وموازين العدل والمساواة ليصب في مصلحة الأعداء ويؤثر على دورها العالمى.

والله الموفق وهو الهادي إلى سواء السبيل

والله اكبر ولله الحمد

وسوم: العدد 690