فكروا بأطفالكم

كنتُ في طريقي ذات يومِ ،وإذ يستوقفني منظر الأطفال يلعبون في حديقة صغيرة تملؤهم السعادة يلعبون ويمرحون، فسرحت وأخذتني أفكاري الى أطفال آخرين نراهم كل يوم على شاشات التلفاز يتصدرون عناوين الأخبار في مشاهد مختلف تماماً .

تساءلت، وجرني التساؤل....الأمم المتحدة تحتفل سنويا ًبيوم الطفل العالمي، وتتحدث عن حقوق الطفل.. ولكن ما نراه في عالمنا اليوم لم يدع مكاناً للطفولة في العديد من أماكن الصراع والبلدان التي مازالت تصارع من أجل النمو.

إن تبلور الوعي في المجتمع يكون من خلال التفكير السليم المرن والموضوعي الذي يبنى على أساس الاهتمام بالطفل كجزء من الإهتمام بالواقع والمستقبل معاً ...هذا ما أكده عالم الإجتماع الفرنسي أميل دوركايم حيث ركز على دور المجتمع في تشكيل شخصية الطفل وكيفية انتقال القيم والأفكار الى الأطفال كي يتهيأ قيام مجتمع أفضل.

نتحدث هنا عن انتقال القيم والأفكار في بيئة طبيعية محايدة ولكن ماذا عن أجواء العنف والدمار التي يعيشها أطفالنا اليوم؟؟ هؤلاء الأطفال الذين يتهددهم شبح الحروب والصراعات السياسية التي تحتكر الأولوية في اهتمامات رجال اليوم، وما تأثير ذلك على تربية الأطفال وبناء شخصيتهم ومنظومة القيم والأخلاق لديهم.

ما تأثير العنف الذي يعيشه الأطفال وما تأثير الجوع والحصار والمعاناة الإنسانية اليومية ؟؟ ما تأثير ما يعايشونه على شاشات التلفزيون من أخبار وبرامج تحمل الكثير من العنف والاستباحة الجسدية والبعد عن الانسانية وما يدور حولهم من أحاديث سياسية وما ينتج عنها من نقاشات حادة قد تتطور أحياناً لمشاجرات ومهاترات ومقاطعة بين الأهل؟؟؟

الكثير من أطفال سورية والعراق واليمن وفلسطين مختبئون خلف الجدارن المهدمة يتفادون طلقات المدافع الرشاشة..وأحياناً يبحث واحدهم عن أشلاء أبيه تحت الركام وأحياناً أخرى يتم اتخاذهم دروع بشرية هنا وهناك.

ما يسمون أطفال الشوارع في القاهرة يجري واحدهم في الشوارع الحزينة يلتقط قرشا ً يتعشى به، فيما لا يزال الطفل الفلسطيني يبحث عن مدينة ينتسب إليها.. ناهيك عن تأثر الأطفال الآخرين المستقرين نسبيا ًبالمشاهد التي يرونها عن البلدان العربية الأخرى وخصوصا ً المشاهد التي تخص الأطفال المشردين والمتعرضين للقصف والغرق، وكلنا يذكر الطفل عمران وكثير غيره من الأطفال الذين هزوا الضمير العربي والعالمي!

وماذا عن ظاهرة عمالة الأطفال وتسول الأطفال في كثير من العواصم العربية و الإسلامية ووجود الملايين من الأطفال المشردين بدون تعليم، وبدون مأوى، وبدون توفر الحد الأدنى للبيئة المستقرة للرعاية التي تتطلبها تربية الأطفال؟

ففكروا بأطفالكم و أنتبهوا لهم…….

إن كل ما ذكرناه من أوضاع يؤثر تأثيراً سلبياً على أطفالنا بدرجة كبيرة ويدخلهم في دوامات العنف والصراع كما يؤسس لأجيال مهمشة ضيقة الأفق تفتقر الى المرونة والتعاطف والقدرة على تحمل الآخر وتنتهج العنف وسيلة لتحقيق أهدافها والوصول الى غاياتها.

واقع الأمر الذي يعيشة أطفالنا مؤلم ويستدعي منا أن نفكر ونتحرك سريعاً لتطويع كل الأدوات والامكانات التي تقلل من معاناة أطفالنا وتوفر لهم ولو الحد الأدنى من الرعاية والأمان والتعليم الهادف، ويجب أن لا ننسى أهمية التركيز على غرس القيم الثقافية والدينية والهوية الخاصة بنا في أطفالنا لأن واقع اليوم يشتت انتباههم والتطور التكنولوجي السريع بات يساهم في مسح الشخصية الاعتبارية لكل بلد وتشويه القيم والعادات الموروثة.. ففكروا بأطفالكم وأنتبهوا لهم.

ما نطمح إليه هو الاهتمام بالأطفال وبناء منظومة أخلاق متزنة لديهم، ومما لاشك فيه أن هذا يتطلب الكثير من العمل الجاد وعلى كل المستويات، لأن طفل اليوم هو رجل الغد ونحن بحاجة الى ما يمكن أن نسميـــه  ب" فرسان الوعي " ، يكونون على مستوى كبير من الثقافة والوطنية لمواجهة التحديات التي تعصف بأوطاننا لا سيما أنه لدينا اليوم الكثير من الأدوات والإمكانيات ووسائل التواصل التي تساعدنا في بناء طفل موهوب متعدد المهارات.

وخلاصة القول : لا يوجد نجاح في أي منهل من مناهل الحياة إلا بالتحدي والاستجابة كما قال المؤرخ والفيلسوف البريطاني أرنولد تونبي في كتابه "التحدي والاستجابة" وكما قال الحكيم الصيني كونفوشيوس " أعظم المنتصرين هو من ينتصر بدون حرب "...وحربنا الآن تتمثل في خلق جيل واعي متحضر قادر على مواجهة التحديات، قادر على امتصاص الصدمات والنزاعات والحروب التي تجتاح بلادنا لينهض  أقوى وأقدر من السابق.

لا بد لنا من بناء أمة " إقرأ " أول كلمة في دستور الإسلام..وترسيخ روح القراءة " الكتاب " في نفوس أطفالنا فالكتاب هو أعظم وسيلة للانتصار والنجاح والتقدم.

فاحلموا جيدا ً أيها الأطفال..لتكن أحلامكم بالغة الروعة، في منتهى الكمال والجمال والجلال، لتكن أحلاما ًعظيمة للغاية. فمن يدري.. قد تتحقق أحلامكم يوما ً، وكم من حلم صغير بعمر الورود بات مصباحاً منيراً في حياة الكثيرين.

فانتبهوا لأطفالكم....فكروا باطفالكم.

وسوم: العدد 692