معركة حلب.. معركة كسر قيد الأمة
أكاد أجزم بأنه لم تُجمع الأمة من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها في الفترة الأخيرة كإجماعها على معركة حلب، ورغم أنها حملت معركة كسر الحصار عن حلب، إلا أن تفاعل الأمة مع الحدث يُظهر وكأنها معركة كسر لقيد الأمة كلها، ونفض لغبار ران عليها لعقود، ومرحلة جديدة تؤذن بالميلاد في ظل تضامن وتكاتف التركستاني مع المصري مع الخليجي والتركي يتقدمهم الشامي لكسر الحصار عن الشهباء. بالمقابل نرى جموع الاحتلال والإجرام والبلطجة من روس وصفويين وأدواتهم من ميليشيات الحثالة الطائفية في العراق وأفغانستان ولبنان وباكستان وغيرها، تقدم نفسها كأدوات في مشروع المحتلين المجرمين للإبقاء على تجويع وتركيع أهالي الشهباء..
معركة حلب هي معركة الأمة نجاحاً وفشلاً -لا سمح الله- وهي التي ستحدد خياراتها مستقبلاً وربما لمائة عام أخرى، فلا يخفى جيوبولوتيكياً التداخل والترابط والتشابك بين حلب والموصل واسطنبول ومن بعدها الخليج العربي، لاسيما وقد رأينا تصاعد منسوب الإجرام الحوثي بدعم صفوي غير مسبوق في إطلاق صواريخ بالستية معدلة وبخبرات إيرانية تستهدف مكة المكرمة، وهو ما أعاد إلى الأذهان قصص القرامطة في اقتلاع الحجر الأسود وتعطيل فريضة الحج لأربعين عاماً، كما أعاد إلى الأذهان فعل أبرهة الأشرم بهدم الكعبة ، فكان أن أطلق البعض على ميليشيات الحوثي ميليشيات أبرهة، ترافق ذلك مع تهديدات للحشد الشيعي في العراق بأن معركته بعد العراق في الشام..
تراجع الدب الروسي سريعاً عن معركة حلب حين رفض بوتن طلب الجيش الروسي تنفيذ غارات جوية على المدينة، إنقاذاً على ما يبدو لقواته المحاصرة في داخل المدينة، ولكن كعادته سريعاً ما تبين كذبه، حين أرسل طائراته لإنقاذ موقفه دون جدوى، في ظل تصميم المجاهدين على كسر الحصار، لكن العزلة الدولية التي يعاني منها بوتن تزداد يومياً، والتي بدأت برفض إسبانيا تزويد الوقود للأسطول الروسي المتجه إلى سوريا للمشاركة في القتال، بالإضافة إلى إعلان وزير خارجية مالطا أن بلاده لن تقوم بتزويد الوقود للسفن الحربية الروسية المتجهة لسوريا من أراضيها، ما يؤكد أن الوضع ربما قد اختلف، وأن روسيا تعاني من عزلة أوروبية حقيقية. تضاعف ذلك مع رفض ترشيح روسيا لمجلس حقوق الإنسان في منظمة الأمم المتحدة..
الظاهر أنه ربما أدركت روسيا أن الحسم العسكري على الأرض غير ممكن أبداً في ظل الإصرار الشامي المثير على تحقيق النصر العسكري، ولذا فجأة تحول لافروف إلى حمامة سلام تنشد الحل السياسي، وهو الذي كان يتوعد ويهدد قبل يومين بإخراج المسلحين وفتح ممرات آمنة كما وصفها كذباً وبهتاناً، وبالتالي فإن روسيا يبدو أنها أدركت أن الحسم العسكري سيستغرق وقتاً ليس بالقليل، خصوصاً أن التجربة الثورية في داريا والزبداني والمعضمية أثبتت أن الثوار يثبتون لسنوات رغم الحصار، فكيف في حلب التي تتمتع بعمق شعبي وعمق جغرافي ممتد إلى تركيا وإدلب ووجود آلاف وربما عشرات الآلاف المسلحين حولها التائقين إلى فك الحصار عنها..
و في حال نجاح الطائفيين في معركة الموصل ـ لا سمح الله ـ ، فإن كل قواهم العسكرية والمالية والتسليحية ستنتقل مباشرة إلى الرقة وحلب وتركيا، وهو ما سبق أن توعد به نوري المالكي من الانتقال إلى الرقة وحلب، ولذا فعلى الأمة أن تأخذ هذه التهديدات على محمل الجد، وعليها أن تحمل معركة حلب على أنها الخط الدفاعي الأخير للأمة، وإلا فإن المعركة القادمة في تركيا والخليج، ترافق ذلك مع اختراق روسي نوعي لاستعصاء لبناني دام سنتين، حين برز بوتن وكأنه حمامة سلام يجمع بين الحريري وأذنابه في لبنان على ترشيح ميشال عون لرئاسة الجمهورية، وهو حلقة ضمن سلسلة متواصلة ومترابطة في التضييق على الأمة وضرب كل مكامن قوتها وتقوية كل مكامن قوة العدو الطائفي الحقيقي..
لا مفر للأمة من المواجهة في حلب، ولا مفر للزعماء والقادة من دفع كل ما يملكونه في معركة حلب، وإلا فليتحضروا لليوم الذي سيُسلبونه قريباً لا بعيداً، وليتحضر تجار الأمة ومثقفوها وعلماؤها ليوم فصل ليس بالهزل، إنه يوم حلب، بل يوم الأمة..
وسوم: العدد 692