رسالة الخير في المجتمع الإسلامي

*هي للقضاء على الفقر والتخلف ، وعلى مشاعر الأسى والإحباط ...

*وهي بستان ثمراتِ السكينة والمودة أيام المحن ونوازل الزمان ...

*وهي اليد الحانيةالتي تأخذ بأيادي المظلومين النازحين في أصقاع الأرض ...

*وهي منحة الأمل ، وإشراقة حسن الظن بالله ...

*وهي البرزخ لئلا يطغى الشرُّ على بساتين الفرج القريب ...

       فالشّّر الذي يجتاح عالمنا الإسلامي في هذه الأيام ، لابد له من خير يحتاج إليه أبناء هذا العالم الإسلامي الكبير ،الخير بكل معانيه ومساراته ،لينعكس عناوين سعادة  على الأمة . فبصمات متميزة بالضمانات الحفيَّة لفعل الخير لاتخفى على ذي عقل وبصيرة ،ترد عن المحتاجين طوفان الفساد والمفسدين ، فالفقر ربما كان أحد أسباب الانزلاق في المعاصي والموبقات ، والمجتمع فيه الكثير من الأيتام والأرامل والمطلقات  ، ومن الذين أجبرهم النزوح عن أوطانهم فأجبرتهم الفاقة ، بل ولقمة العيش إلى مالا ترضاه الأنفس ، لاندعو اليوم إلى تحقيق الرفاهية والرخاء لهم في مدنهم وقراهم وهجرهم ، وإنما ندعو إلى رعاية حانية من قلوب أوجعها ماتراه من المشاهد المحزنة في أصقاع الأرض لأبناء هذه الأمة . ولعلها الدعوة تعني الموسرين من أبناء الأمة وهم كُثرٌ بفضل الله تبارك وتعالى ،ونحسبهم من الصادقين الأتقياء الذين عناهم الله سبحانه وتعالى في قوله : (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) 177/ البقرة . فإن استجابة هؤلاء لدعوة الخير  ماهي إلا تتويجٌ لتطلعات المعوزين نحو أهل الفضائل والمآثر ، ويبقى هذا التتويج غاية نبيلة وهدفا كريما يحيي أواصر التراحم والتواد في مجتمعنا الذي مازال بفضل الله يسقي بيئة الخير  ، فتزدهر حقول التكافل والتواصل ، ولتخضر البيئة التي تراعي مكانة الأخوَّة في الله ، ولتبقى صفحات الخير مشرقة ، في تأثير حيٍّ يشعر من خلاله المسلمون عامة بالسعادة والاطمئنان ، وبولادة منعطف جديد تتسع دائرة عطائع ومآثره الإيجابية . ماكان علية المسلمون من قبل ، فما برحت الأمة معدنا للبِرِّ وموئلا للجود وملاذا للمحتاجين ، ذات حضور فاعل في مواطن الشدائد والمحن ، ولعل الله تبارك وتعالى يأتي بالفرج بعد الضيق ، وباليسر بعد العسر . وتتهيأ الظروف التي تعود فيه الحقوق إلى أصحابهـا ، فالأمة ــ ولله الحمد ــ حازت قصب السبق في خدمة المحتاجين ، وبُشِّرت برضوان الله تبارك وتعالى . وذلك بفضل أهل الجود الذين نسأل الله لهم أن يرعاهم ذخرا لكل خير ، وبابا لكلِّ بِـرٍّ ، حيث لبُّوا نداء المولى تبارك وتعالى : ( إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفْه لكم ، ويغفر لكم ، والله شكور حليم ) 17/ التغابن ، وهذا يحفِّزُ المقصِّرين ، ويشد همم الصالحين ، فإنه نداء المودة والتَّراحم والتآخي في الله سبحانه وتعالى كما قلنا، لمساعدة الأسر المحتاجة ، والعمل على تمكينها من العيش الرغيد . و لشدِّ أواصر التآلف  بين أبناء مجتمعنا الكريم ، وسدِّ عَوَزِ الفقير ،  وإجابة  لهفة المضطر  ، والوقوف معهم للتغلب على مشقات الحياة  . فبارك الله بأنفس تجود ،وبأيادٍ بيضٍ تدفع بؤسَ الفقيرِ بسخائها ، فهنا ينابيع الخير للظماء الذين أعياهم السعي ، وهنا ظلال الجود التي تمتد أفياؤها المباركة فتظلل القلوب التي أحزنتها الليالي ، هنا حقيقة مفردات المودة والرحمة والتكافل الذي ينادى به ديننا الإسلامي الحنيف . وهذا ما يتمناه الجميع وتصبو إليه جميع النفوس ، وهذه البادرة في هذه الأيام قديمة جديدة، ولم تزل تتفاعل قيمُها وأهدافُها في مجتمعنا ، وما زلنا نرى آثارها الكريمة ، وإنجازات أهلها في مساحات واسعة من عالمنا الإسلامي اليوم . إن قوة الخير اليوم أعلنت الحرب على قوى الشر ، وعلى قوى الظلم ...

       اليوم ... وغمرة الأحداث دامية ، والخسائر فادحة في الأنفس والأموال والأولاد ، والقلق بات صنو النازحين هنا وهناك ، إضافة إلى الفوضى في معالجة القضية ، والعبث الشنيع بمصير الملايين من المسلمين الذي باتوا فعلا أيتاما على موائد اللئام ، فالظلم عاث ، عاث بكل شيء  ، والله سبحانه وتعالى لايحب الظلم ، ولن يرحم الظالمين ، أمتنا ظُلمت ، وشعوبنا سُلبت كرامتُها ، والظلم جاءها من كل مكان ،وهكذا تعود الأمة إلى ماوعدها به ، فلن تهاب الظالمين الذين جاؤوا من كل حدب وصوب ،فلهم سوء المنقلب مهما تمادوا ،  يقول الله تبارك وتعالى : ( وسيعلم الذين ظلموا أيَّ منقلب ينقلبون ) 227/ الشعراء . ولهم اللعنة والعذاب في الدنيا والآخرة ، يقول سبحانه : ( الذين يظلمون الناسَ ، ويبغون في الأرض بغير الحق ن أولئك لهم عذاب أليم ) 42/ الشورى ، أجل عذابهم في الدنيا وسوف يلاقونه في غمرات الموت لامحالة ، ولهم الويل في الآخرة ، وعذاب الخلد الذي أعدَّته لعنة الله عليهم ، الظلم ظلمات ولعل أقبح وأشنع وأمرَّ الظلم ... ظلمُ مَن لاناصر له ولا مغيث إلا الله . وهو حال أمتنا اليوم ، ولذا نسمع المظلومين من أهل الشام والعراق وفلسطين ينادون بأعلى أصواتهم ، وهم يجأرون إليه سبحانه : ( مالنا غيرك ... ياألله ) ، فقد قتل الظالمون الناس ، وسلبوا أموالهم ، وانتهكوا أعراضهم ،وفعلوا مالم يخطر على بال ،ولكن أجل ولكن نستدرك المعنى لكيلا يفرح الظالمون ولو لحظة واحدة ،لقد حذَّر النبيُّ صلى الله عليه وسلم من الظلم فقال : ( إيَّاكُم والظلمَ ) ، وقال صلى الله عليه وسلم في حديث آخر : ( إنَّ اللهَ لَيُملي للظالم حتى إذا أخذه لم يُفْلِتْهُ ) . لقد اغترت هذه الدول الظالمة الباغية بقوتها وجبروتها ، فاعتدت على ديننا و أمتنا وبلادنا ، وربما نسيت هذه الدول الضَّالة الملعونة التي غضب الله عليها أنها تفلت من غضب الله عليها ن ولكن هيهات ... هيهات ... الحديث عن الظلم يطول ويتشعب ويتنوع ، ولكن ابناء الأمة اليوم بحاجة إلى الدعاء على الظالمين ، فوالله إن الدعاء لهو السلاح القوي ، وهو لك أيها المظلوم الذي لم يبق لك إلا الله ، فلتدعُ الأمةُ على أعدائها الغزاة العتاة ، ولن يرد الله دعوة مظلوم أي مظلوم ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ثلاثةٌ لاتُردُّ دعوتُهم : الصَّائم حين يُفطر ، والإمام العادل ، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام ، ويفتح لها أبوابَ السماء ، ويقول لها الربُّ : وعزَّتي و جلالي لأنصًرَنَّكِ ولو بعد حين )رواه البخاري في الأدب المفرد ، وأحمد في المسند وغيرهما من أهل السنن .

       إن وجوب تفعيل الأعمال الخيرية بكل أنواعها ومساراتها بشكل أكثر إيجابية وأكثر عطاء كلما اشتدت المحن بأبناء الأمة ، وكلما اشتد الحصار الظالم عليهم ، وقد يطول زمن الظلم ، زمن الاستعمار ، زمن التآمر والمكائد على الأمة ،وقد يطول زمن الظالمين المعتدين على الديار والأنفُس والأموال ، وقد يؤخر الله عقوبتهم والانتقام المحدق بهم ،فليس بمقدورهم أن يكونوا معاجزين لله ، فهم في حرج وألم وقلق وإن تظاهروا بثياب الاستكبار ، فحالهم مستَقبَحةٌ مذمومة عند أهل الأرض وأهل السماء ، وليس لهم أي كلاءة من الله ــ وحاشا لله ــ فمَن تطاول على خلق الله وطغى وبغى فلا بد له من العقوبة في مصطلم العذاب الأليم ، وهل أعظم من هدم بيوت الله ، وقتل الآمنين من الناس ،فهؤلاء الظلمة أعمتهم سكرة القوة والانتصارات المزعومة الكاذبة ، وحرمتهم زخارف العيش من حكمة العقل ، ومن نداءات الفطرة الإنسانية الصافية ، إنهم يعيشون في نتن مستنقعات الإثم والضلالة ، فحُرموا مرة أخرى من نصيب كان لهم من الفضل والعمل الصالح ،فهم في غفلة عن المآل المحتوم يوم الدين ، حيث استكثروا من دنيا لعب ولهو ، واختاروا أن يكونوا أشقياء محرومين ، فقيمة الإنسان في مذاهبهم الباطلة مايملك من مال ومنصب وترف ، ومن ظلم وبغي واستكبار ــ وحسب ــ لا مايدخر عند الله من الأعمال الصالحات الباقيات التي تدخله جنَّات الخلود ، واسمع القولَ :

وإذا افتقرتَ إلى الذخائرِ لم تجد فغدا ستبكي حيث لم ينفعْ بُكا اليوم تزرعُ يامُغَفَّلُ ، والجنى وهي النتائجُ حُلوةٌ أو مُــرَّةٌ   ذخــرًا يكونُ لأقرب الآمالِ وتُساقُ ــ بئس السَّوقُ ــ بالأغلالِ بئسَ الجَنَى للظالمِ المختالِ تلقاكَ حسب صحيفةِ الأعمالِ

       الخير في الإسلام وجهٌ من وجوه الإخاء ، وحبل مكين للتواصل والتآزر بين أبناء المجتمع الإسلامي ، وبه تُدفع الأثقال المعيشية عن الناس في زمن المحن والابتلاء ، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (المسلم أخو المسلم؛ لا يظلمه، ولا يُسْلِمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فَرَّج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فَرَّج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً سترة الله يوم القيامة) متفق عليه. وهكذا تبقى رسالة الخير الإسلامية متميزة بأدائها والرقي بإنجازاتها ، وبمفاهيمها الربانية السامية ، فهي ليست بالغريبة على مجتمعنا ، ولا بالجديدة على علمائنا ومفكرينا ،فرسالة الخير  يجب على كل مسلم القيام به ، طاعة لأوامر الله سبحانه وتعالى ، وامتثالا لهدي نبيِّنا صلى الله عليه وسلم ، فتقديم المبرات والزكوات والتبرعات والوقف من صفات المسلم وشيمه وأخلاقه ، ومن الذي لايقف مدهوشـــــــا الأعمال الخيرية العظيمة التي تتلألأ في آفاقنا مؤثِّرة في النفوس ، محركة للقلوب ،  والمسلم يقوم بهذا الواجب ، وإنما هو العمل الأخلاقي الذي يحاكي الضمير ، ويترجم صدق النية في القلب ، يقول صلى الله عليه وسلم : (  إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) ، إن البخل والاحتكار وغلاء الأسعار ليس من شيم المسلم ولا هو من عقيدته ،ولا هي من أخلاقه ، وإنما هي تدمير لصرح الخير في صدور الناس ، وبعثرة لجهود المخلصين في كل ميدان مبارك يسعى عليه الصالحون . فإن من دأب الصالحين الأعمال الصالحات ، والله سبحانه يجازي كل مخلوق على عمله ،  (ولتسئلنّ عمّا كنتم تعملون )  93 / النحل. ويثيب عزَّ وجلَّ مَن يكون عمله صالحا ويحسن أداءَه ، يقول سبحانه : (  إنّا لا نضيع أجر من أحسن عملا ) 30 / الكهف ، فالأعمال الخيرية التي أرادها الإسلام هي مجموعة القيم العالية من رحمة وعطف وإخاء ومودة ، ويترجمها العمل الصالح في أحسن صوره ، من خلال مراقبة الله في أي موقع من مواقع الإحسان . ولعلها الأجمل في حياة المحسنين الذين تتجلى أعمالهم الخيرية في حصول المستفيدين على أفضل الخدمات والمنافع ، من خلال جودهم ، وفي الأبواب التي يحتاجها الفقراء ، والتي تحقق لهم مصالحهم المعيشية ، وتأخذ بيد الأيتام والأرامل والمطلقات وعامة الأسر الفقيرة ،يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله ) ، أو قال : ( كالصائم لا يفطر والقائم لا يفتر )  رواه البخاري ومسلم .

إن المحسنين يدفعون آثار الفاقة عن المحتاجين ، والله عزَّ وجلَّ يدفع عنهم بلاء الأيام ومصارع السوء ، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الصدقة تدفع البلاء ، وتقي مصارع السوء ) ، فاليتيم  يحتاج إلى كفالة ،والفقير يحتاج إلى سلةغذائية في شهر رمضان المبارك ، و الشباب بحاجة إلى مساعدة على الزواج ، وأسر الأسرى والشهداء  والمساجين بحاجة ، والتلاميذ الفقراء بحاجة إلى الحقائب المدرسية ، وبحاجة إلى  كسوة أيام الشتاء ، وما إلى ذلك من أنواع شرائح المحتاجين ، ومن أنواع متطلبات العيش ، وكل ذلك من أبواب التضامن والتكافل . أجل إنها احتياجات لابد منها ، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من مشى في حاجة أخيه كان خيراً له من اعتكاف عشر سنوات ) متفق عليه.

فالهدف من رسالة الخير في الإسلام  هي تحقيق مايصبو إليه المحتاج ، وما يحقق الأهداف المنشودة لهذا الإنسان ، على أيدي المحسنين الصالحين ، الحاملين همَّ العمل الخيري ،فلايجهل أحد مكانة القيام بالأعمال الخيرية عند الله سبحانه وتعالى ، ولا يجهل أحد أهمية إنجازات ومآثر العمل الخيري في خدمة الناس ،  ولا ننسى في هذا الموقف  أن المولى تبارك وتعالى يبارك هذه الأعمال ، وهو جلَّ وعلا مع أهلها ، إذا ما أخلصوا النيات وهم يؤدون واجباتهم في هذا السبيل ، يقول تعالى : ( والله معكم ولن يتركم أعمالكم ) ، فالذين يتصدون للعمل الخيري لابد لهم من صدق النية  وصفاء الطوية  للوصول إلى أهدافهم الكريمة بإذن الله تعالى ، فالأخذ بالأسباب ، وبذل الجهود ، والصبر على تخطي العقبات ، حتى لايصيبهم الضعف أو الكسل ،فالمحسن والعامل في هذا المجال إنما هو جندي لله ، يترجم مفاهيم العمل الخيري التي بيَّنتْها الشريعة الإسلامية في القرآن الكريم وفي سُنَّة النبيِّ صلى الله عليه وسلم . يسعون إلى تقوية أواصر المودة بين الأغنياء والفقراء ، وإلى تنقية الأجواء مما قد يشوبها من الدعايات المغرضة التي تنال من العمل الخيري ، والتي تريد تغيير نظرة الناس إليه على أنه مجرد استجداء  ، ولهذا لابد من إغناء العاملين في هذا الميدان بالصفات الحميدة والسجايا الكريمة لصيانة سمعة هذا العمل المبارك . وهذا الغِنى بهذه المواصفات الراقية يمنح العاملين في حقول العمل الخيري القدرة على متابعة الطريق ، فيبحثون عن المشاريع والبرامج التي تقدم لهم التمويل اللازم لإعانة المحتاجين ، ويتواصلون مع المحسنين الداعمين للعمل الخيري ، ومع المتطوعين في مختلف الجوانب العملية لتكتمل أسباب تطوير ه ، من خلال تذكير هؤلاء وأولئك بما عند الله من أجر ومكانة لهم ، وأن تقديمَ جهودِهم في سبيل الله ترفعهم إلى رضوان الله ، فهم الذين يدخلون الفرحة على الأيتام والأرامل والمساكين ، وعلى كل شرائح المجتمع المحتاجة ، وهم الذين فرَّجوا كرباتهم بإذن الله تعالى وتوفيقه . فطوبى لهم على مايقدمون ، وبشرى لهم من الله ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : ( من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا ، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ، ومن يسر على معسر ، يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ، ومن ستر مسلما ، ستره الله في الدنيا والآخرة ، والله في عون العبد ، ما كان العبد في عون أخيه ، ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما ، سهل الله له به طريقا إلى الجنة ، وما جلس قوم في بيت من بيوت الله ، يتلون كتاب الله ، ويتدارسونه بينهم ، إلا نزلت عليهم السكينة ، وغشيتهم الرحمة ، وحفتهم الملائكة ، وذكرهم الله فيمن عنده ، ومن أبطأ به عمله ، لم يسرع به نسبه ) رواه مسلم .  ونؤكد مرة أخرى  على أهمية تذكير الناس بما عند الله للمحسنين الداعمين للأعمال الخيرية ، الذين يمسحون غبار الآلام والأحزان عن صدور المحتاجين ، ويقومون بأحب الأعمال إلى الله ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال : (إن من أحب الأعمال إلى الله إدخال السرور على قلب المؤمن, وأن يفرِّج عنه غمًا, أو يقضي عنه دينًا, أو يطعمه من جوع ) رواه البيهقي . إن أهل الخير مكانتكم محفوظة في قلوبنا ، ودعاؤُنا لهم بالمثوبة والتوفيق لاينقطع ، ولثقوا بأن مايقدمونه من دعم مادي أو معنوي لن يكون إلا في خدمتهم يوم يجدون ماقدموا من خير حاضرا بين أيديهم  ، ولعلها المواقف النبيلة ،التي يتغنى بها المجتمع ،  فشكركم واجب ، والجميع على طريق الخير ماضون . فرسالة الخير الإسلامية تعيد نسمات الطمأنينة إلى المجتمع في ظل رعاية محمودة وآمال منشودة ، فالرسالة ضمانة  للمحتاجين لِما يصبون  إليه ، ليس في تقديم إعانة عابرة من المواد الغذائية أوالمبالغ النقدية , وإنما  لتبقى مسيرة الخير ذات قطوف دانيات ــ إن شاء الله ــ وأن يكون العمل الخيري عبادة تمنح القيم الأخلاقية الرائدة وهجاً متميزاً ، لتكون منارات ترشدنا لتحقيق سعادة الناس. وليفرح أهل الخير بما يقدمون لإخوانهم المحتاجين , وليتفاءلوا بما أعد الله لهم من مكانة وثواب , وليفرح المستفيدون بهذا التكافل الاجتماعي الذي نادى به ديننا الإسلامي الحنيف , وكلا الطرفين من أهل الخير  ومن المستفيدين هم سفراء الخير الذين يمثلون حركة البِـرِّ  المبذول في هذا الدين العظيم .

أهداف الرسالة الخيرية ليست خيالاً يتوارى في الأذهان ولا سراباً يتماوج بين العيون . . وإنما تمَّ وضع حجر الأساس منذ عهد النبوة ، وعلى أيادي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم  ،  و التي اخضرت وازدهرت في دورة الخير التي لا تنتهي . بفضل الله وتوفيقه ، ثم بفضل هذه الأيادي المباركة التي  تشد على بعضها لصنع الإنجاز  ، وبهذه العقول الواعية  لأهمية العمل الخيري في حياة المجتمعات ، ونحن كمسلمين لا نجهل أبداً هذه القيم . ولن نبخل أبدا ونحن في مجتمع التآخي والتراحم  ، فالمسلمون هم أهل الجود  ، وهم أهل مراقبة الله تعالى في جميع الأقوال والأفعال والتصرفات ، فما أطيب معاني الخير في نفسٍ تتلهف للقيام بالفعل الذي يُرضي الله سبحانه وتعالى ، وهي من صلب بعثة النبي صلى الله عليه وسلم،بل  مابُعث به نبيُّنا صلى الله عليه وسلم حيث قال : (  إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) رواه الترمذي ، فمَن تحلَّى بالأخلاق الفاضلة في أعماله وأقواله ومواعيده فإنه يقدِّم لمجتمعه السيرة المحمودة التي تبعده عن الغش والتواني ، وتقربه إلى الصدق في الأداء، والإخلاص في فعل الخير ، والجودة والإتقان ، فإن الله طيب ولا يقبل إلا طيبا ، وعلى المسلم أن يُحسن عمله ويؤديه على أكمل وجه ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه ) ، والمسلم هنا يخشى العقوبة ويخشى أن يُسأل يوم القيامة عن التقصير والإهمال ، ناهيك عن الغش والكذب في التعامل ،  يقول الله تعالى: ( ولتسئلنّ عمّا كنتم تعملون ) 93 /  النحل. ولقد أمرنا المولى سبحانه بإتقان الأعمال ، والمسلم يستلهم من وحي الله مايؤكد هذا الأمر في أعماله . إنها ربانية الإنسان الذي آمن بالله ، وأيقن  بوعد الله ، بالمثوبة والمقام الكريـــــــم ، يقول جلَّ من قائل : ( إنّا لا نضيع أجر من أحسن عملا  )  30 / الكهف .

وما أجمل أن نتذكر دائما قول الله تبارك وتعالى : (وتعاونوا على البر والتقوى ) وقوله : ( ومن تطوع خيراً فهو خير له ) ، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أن تغدو مع أخيك فتقضي له حاجته خير من أن تصلي في مسجدي هذا مائة ركعة ) وقوله صلى الله عليه وسلم : ( من كان له فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له ) وقوله صلى الله عليه وسلم: ( مثل المومنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد؛ اذا إشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ) رواه مسلم وأحمد .

 (( نهرُ الخيرِ الجاري ))

روى أنسُ بنُ مالكٍ رضي اللهُ عنه أنَّ رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ : ( سبْعٌ يجري للعبدِ أجرُهُنَّ وهو في قبرِه بعدَ موتِه :  مَنْ علَّمَ علمًا .أو أجرَى نهرًا .أو حفرَ بئرًا .أو غرسَ نخلاً .أو بنى مسجدًا . أو ورَّثَ مصحفًا . أو تركَ ولدًا يستغفرُ له بعدَ موتِه ) .

الخيرُ أزهرَ ، والأكفُّ عطاءُ  والمحسنون : الدَّوحُ والأشذاءُ كانتْ وما برِحتْ لأُمَّتِنا هُدَى  تزهو بظلِّ حُنُوِّه النعماءُ والخيرُ شذوُ الخيرِ  يجلو صفحةً  بيضاءَ تُغنيها اليدُ البيضاءُ قرأتْ معاني الجودِ في إسلامِنا  عين التكافلِ  فاسْتُجيبَ نِداءُ وهي النَّفائسُ للشعوبِ ، رصيدُها :  أمنٌ ، وبِرٌّ مغدقُ ، وهناءُ فليبشر الفقراء إنَّ حباءَنا  لذوي المكارهِ قوَّةٌ و وِقاءُ رفَّتْ بأربُعِها المشاعرُ فرحةً  ومودَّةً ـ بالطِّيبِ ـ والأفياءُ ورمالُها أضحتْ مباسمَ جنَّةٍ  تيَّاهةٍ ، وحقولُها خضراءُ وهنا حِباءُ الخيرِ في أكنافِه  طيبُ النداءِ العذبِ والأصداءُ بشريعةِ الإسلامِ ، بالخيرِ الذي  يجنيه من بستانِها الفقراءُ بشرى ـ بإذنِ اللهِ ـ لم ترحلْ فذا  فضلٌ لكلِّ مؤمِّلِ ورخاءُ فمآثرُ ابتهجتْ بهنَّ كما ترى

 أُسَرٌ تطيبُ لها الرُّؤى القمراءُ

لبَّى نِداها كلُّ قلبٍ مؤمنٍ  والمحسنون لنهجِها نُصَراءُ جنَّاتُ عدْنٍ موعدٌ لِمَن ابتغى  بالمالِ ما تُطوَى به الضَّرَّاءُ لفقيرِها ويتيمِها ، ولِمَنْ عرتْهُ ...  ... الفاقةُ العسراءُ والبلواءُ لاتبخلوا فالبخلُ ليسَ بشيمةِ ...  ... العربيِّ أحيتْ قلبَه السّمحاءُ قد باركَ الرحمنُ زرعَكُمُ ، وقد  درَّتْ ضروعٌ ـ بالمنى ـ عجفاءُ والأمنُ والإيمان بينَ ربوعِكم  وهما لدفعِ أذى الشَّقاءِ دواءُ فتعاونوا . ترحلْ مرارةُ مَنْ شكا  فقرًا ، وأدركه هناكَ شقاءُ

واستبشروا يومَ القيامةِ بالرِّضا

 إنَّ الجنائنَ أهلُها الكرماءُ

 

وسوم: العدد 692