الأراجيف أسلوب لتثبيط من يحمل هم إصلاح ما فسد
الأراجيف عبارة عن أخبار مختلقة كاذبة تروج لإشاعة الفتنة بين الناس والنيل من أبراء. والأراجيف من الرجف وهو الاضطراب لأنها أخبار مضطربة غير ثابتة . ولقد استعمل أسلوب الأراجيف ضد أنبياء ورسل الله صلواته وسلامه عليهم أجمعين لأنهم إنما بعثوا في أقوامهم للقضاء على الفساد بالإصلاح ، ولم ينج نبي أو رسول من كيد المرجفين ، وكان آخرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد ذكر القرآن الكريم المرجفين الذين روجوا عنه الأراجيف من أجل عرقلة دعوة الإسلام التي هي دعوة إصلاح ما فسد من طباع وأحوال الناس . ولقد جمع الله عز وجل بين المرجفين والمنافقين والذين في قلوبهم مرض ، وهؤلاء تجمع بينهم الأراجيف . فعلى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد منافقون لا يخفى نفاقهم ، ووجد مرضى القلوب وهم المذبذبون بين الإيمان والنفاق وهم انتهازيون ، ووجد المرجفون وهم منافقون أيضا ويهود والذين كانت تجمعهم المصلحة بالمنافقين . وما ذكر القرآن الكريم الإرجاف إلا لأنه سلوك بشري منحرف ملازم للناس إلى قيام الساعة لفضحه والتحذير منه . ولقد توعد الله عز وجل المرجفين بعذاب الدارين . والإرجاف مرتبط بالفساد، وهو أسلوب من أساليب تكريسه حين يحاصره الإصلاح . وحيثما وجد الإصلاح يكون الإرجاف حاضرا .والإرجاف يكثر ويقل حسب أحوال ودرجات الإصلاح ، فكلما كانت في الإصلاح جرأة إلا واشتد الإرجاف . وينتقل المرجفون من ترويج الأخبار الملفقة والمختلقة حول أعمال المصلحين حيث يصفونها بالانحراف ، وينعتونها بكل نعت مشين إلى حياتهم الخاصة، فلا يكاد يصدر عن هؤلاء المصلحين فعل أو قول إلا وتلقفه المرجفون بالتشويه ليصل إلى الرأي العام مغلوطا ، ولا يقفون عند حد تتبع أقوال وأفعال هؤلاء المصلحين بل يقعون في أعراضهم وأحوالهم الشخصية الخاصة فيروجون عنهم الأباطيل من أجل النيل من مصداقيتهم والوصول بذلك إلى نقض الإصلاح واستئصاله لإفساح المجال للفساد المرتبط بالمصالح . فإذا ما فشل المرجفون في طمس معالم الإصلاح عمدوا إلى أحوال المصلحين الشخصية وإلى أعراضهم ينهشونها نهش الكلاب الضارية . ولقد أوذي سيد المصلحين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في عرضه من طرف المرجفين الذين قذفوا، و رموا أم المؤمنين عائشة الصديقة بنت الصديق رضي الله عنهما للنيل من عرض رسول الله الذين صانه الله عز وجل ، وكان الغرض من ذلك ثنيه صلى الله عليه وسلم عن نشر وتثبيت دعوة الإسلام الإصلاحية . ولم ينج عبر التاريخ مصلح يواجه الفساد من كيد المرجفين، لأن الإرجاف كما أسلفنا مرتبط بالفساد وبالباطل . والمرجفون لا ينتظرون أن تطلب منهم أراجيفهم بل يسوقونها لمن طلبها ولمن لم يطلبها ، ويغتنمون كل فرصة سانحة لنشرها على نطاق واسع . ويختلي المرجفون ببعضهم لاختلاق أراجيفهم وصياغتها للتسويق . وتجمع الأراجيف بين المستفيدين من الفساد وإن اختلفت مشاربهم كما حصل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جمع الإرجاف بين المنافقين واليهود، وكلهم مفسدون كانوا يستفيدون من الفساد بشكل أو بآخر . وهذا دأب كل المفسدين في كل عصر وفي كل مصر حيث يتعاطون الإرجاف ضد الإصلاح حين يهدد مصالحهم . وقد يكون المرجف راع فاسد له رعية صالحة ،فيلجأ إلى الأراجيف للتمويه عن فساده والنيل من رعيته ، كما أنه قد يكون الراعي صالحا ورعيته فاسدة ،فتعمد إلى الأراجيف للنيل منه . وتجد الأراجيف طريقها بسهولة إلى النفوس المهيأة لتقبلها وتعاطيها خصوصا إذا كانت مطبعة مع الفساد ومستفيدة من ريعه . وتجد نار الأراجيف وقودها أو حطبها الجزل في صفوف الذين لا يتبينون الأنباء ، ولا يميزون بين غثها وسمينها ، ولا يبالون بفسوق المرجفين . ونظرا للتطور التكنولوجي الذي يعرفه عصرنا خصوصا في مجال التواصل ازدادت ظاهرة الإرجاف بشكل غير مسبوق ، فلا يكاد مرجف يسوق أراجيفه عبر وسائل التواصل الاجتماعي حتى تنتشر انتشار النار في الهشيم ، ويتعاطها المتواصلون عبر أجهزة التواصل ، وتنتقل عدوى فيروس الإرجاف بينهم . والإرجاف يقلب الحقائق ، ويزورها ، ويجعل الظالم مظلوما ، والمظلوم ظالما ، والمفسد مصلحا ، والمصلح مفسدا ، والباطل حقا ، والحق باطلا . وكما كان الإرجاف على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يمارس من طرف فئة المنافقين وفئة اليهود ، فإنه في عصرنا أيضا تمارسه فئات وهيئات وتنظيمات وأحزاب وجماعات لها مصالح في ظل سيادة الفساد ، فتتحد لمواجهة الإصلاح المهدد لمصالحها، وتعمد إلى ترويج الأراجيف ضده . وقد يستغرب البعض حين يرى المتطرف في يمين والمتطرف في يسار يجتمعان لترويج الأراجيف عمن يهدد مصالحهما المرتبطة بالفساد . وعلى كل من ندب نفسه للإصلاح مهما كان نوعه أن ينتظر نصيبه من الأراجيف التي تروم تثبيط عزيمته ، وصده عن إصلاحه ، فإن ثبت وصمد فاز، وإن استسلم خاب وخسر وندم ولات حين مندم .
وسوم: العدد 695