معركة الأذان في فلسطين
تتدرج إسرائيل في إزالة كل ما هو عربي وإسلامي في فلسطين وفق ما تيسره الظروف من حيث قوتها وضعف أعدائها من العرب والمسلمين . وخططها في هذا المجال مجهزة دائما في ملفاتها السرية ، ومتى رأت ظرفا سانحا استخرجت الخطة التي يلائم تنفيذها . وإذا فوجئت بمقاومة تمنع التنفيذ تعيد الخطة إلى ملفها وتنتظر ظرفا أفضل ، لكنها لا تلغيها أبدا ؛ لأنها وضعت بعد دراسة وتقييم لأهميتها وفعاليتها إزاء أسس الوجود العربي والإسلامي في فلسطين لتصبح ، فلسطين ، إسرائيلية نقية مع الزمن . آخر خطة استخرجتها من ملفاتها كانت خطة منع الأذان بمكبرات الصوت في القدس وداخل الخط الأخضر والمناطق القريبة من المستوطنات في الضفة الغربية . وجوبهت الخطة باعتراضات واحتجاجات فلسطينية شعبية حازمة فاجأت إسرائيل ، فأجلت الكنيست التصويت عليها بطلب من وزير الصحة يعقوب ليتسمان من حزب يهدوت هتوراه تخوفا منه _ مثلما قيل في تفسير طلبه_ من أن يطبق القانون على الكنس اليهودية أيضا ، فتمنع صافرة إعلان دخول السبت فيها . وتقول الإذاعة الإسرائيلية العامة إنه سيطبق في حال الموافقة عليه على الكنس اليهودية والكنائس المسيحية مع تخويل وزير الداخلية صلاحية وضع استثناءات في تطبيقه ، وهنا يحسن التساؤل : لصالح من ستكون هذه الاستثناءات ؟! بالتأكيد ليس لصالح المساجد والكنائس ، وإنما لصالح الكنس بهذه الحيلة أو تلك . الهبة الفلسطينية الإسلامية والمسيحية القوية التي تصدت للمشروع وأجبرت الكنيست على تأجيله بينت تجليا عظيما للوطنية الفلسطينية التي دفن توهجها تحت ركام قبيح عقيم من الخلافات الفلسطينية _ الفلسطينية ، وما يجتاح الدول العربية من حروب يبرز فيها الصراع الديني المذهبي بروزا مصطنعا لتدمير كل ما هو عربي وإسلامي . في الناصرة العربية ، لؤلؤة الجليل الفلسطيني المغتصب ، رفع إخواننا المسيحيون الأذان من كنائسهم ومنازلهم ، وأصدرت بلدية الناصرة بيانا ضد منع الأذان أوردت فيه الآية ال115 من سورة البقرة : " ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم " ، وفي الآية حكم رباني على من يفعل ذلك بالمساجد بأنه أظلم إنسان ، بالمعنى الأوسع للظلم . ورفع أهل القدس الأذان من فوق منازلهم في وقت واحد . وحجة الإزعاج التي تبرر بها إسرائيل منع الأذان بالمكبرات الصوتية لا يمكن أن تحجب غرضها الحقيقي الذي أبناه سلفا ، وهو اقتلاع أسس الوجود العربي مسلما ومسيحيا في فلسطين ؛ فالأذان بنوعيه ( إعلاما بدخول وقت الصلاة ، وإقامة لها ) سنة في الصلاة ، ولا صلاة بدونه ، وأي مس به مس بالصلاة ذاتها التي هي عمود الدين الإسلامي . ومن يمسه اليوم بسوء يمس الصلاة ذاتها غدا وفق أسلوب التدرج الذي تنتهجه إسرائيل . ويكشف الكاتب الإسرائيلي أفرايم هرارة بصورة معكوسة في " إسرائيل اليوم " المقربة من نتنياهو الذي يؤيد منع الأذان ؛ غرض إسرائيل في هذه القضية حين يقول : " الطلب الفلسطيني سياسي في أساسه : نحن هنا السيد ، نحن المسلمون ، وهذه البلاد تعود لنا ، وأحد أبرز الرموز هو أذان المؤذن خمس مرات في اليوم ... " ، فالصحيح أن هذا هو غرض إسرائيل ، أي أن تثبت أنها صاحبة السيادة والأرض أما الفلسطينيون فرد فعلهم طبيعي تلقائي ؛ لأنه دفاع عن الركن الثاني لدينهم ، ومن حقهم وواجبهم أن يفعلوا هذا في أرضهم التي تغتصبها إسرائيل قاسية متوحشة ، والمسلم ينشرح صدره ويخشع قلبه حين يسمع الأذان مجردا أو في مكبر صوت أما مغتصب الأرض والسيادة فيزعجه ، بل يرعبه الأذان في الحالتين لما فيه من تذكير عنيف له بوجود أهل الأرض الأصليين الذين برر اغتصابه بوهم خلوها منهم . ومن ثم فالمعركة موصولة بين الطرفين ، وتأجيل تصويت الكنيست على المشروع ليس أكثر من إعادته إلى ملفه ترقبا لسانحة تُسهِل تنفيذه ، وهو ما يوجب على كل فلسطيني وعربي ومسلم أن يجهز نفسه ومقاومته لظهوره ثانية .
وسوم: العدد 695