حكايتي مع الفيسبوك facebook

محمد بن يوسف كرزون

أنظر إلى هذا العالَم الأزرق نظرتي إلى مدينة كبيرة جداً من مدن عالمنا المعاصر، في هذه المدينة الواسعة كلّ ما يخطر على البال من ألوان وأشكال، نحبّ بعضها، ونأنف من بعضها الآخر، ونبتعدُ عمّا لا نرغبه.

والساكن في مدينة كبرى يرى في شوارعها ومعالمها ألواناً وأشكالاً، ولكنّه لا يدخل إلى كلّ مبنىً فيها، إمّا لصعوبة الدخول أو امتناعه عنه، وإمّا لأنّه لا يرغب فيه.

حقّق لي عالم (الفيسبوك) فرصاً في التواصل لم أكن أحلمُ بها، وقدّمَ لي أصدقاء أعزّاء هم رياحين روحي، والابتسامات الطيبة في عصر عزّ فيه الابتسام. فأراهم إلى جانبي – روحياً – بسرعة عجيبة، يواسونني، ويشدّون على يدي، ويباركونَ لي... وسواءٌ أكانوا يوافقونني في رأيي أو يخالفونني فيه، فأنا مطمئنٌّ إليهم كلّ الاطمئنان، لأنّهم لا يخافون من كلماتهم ومواقفهم، على غير عادة مَنْ كنتُ أعاشرهم في وطني، الذين كانوا يحسبون حساب أيّ حرف ينطقونه، خوفاً أو تزلّفاً أو رياءً.

في هذا العالَم الأزرق وجدتُ أصدقاء يناقشون أيّ عمل أدبي أكتبه مناقشة عميقة مستفيضة صريحة، فيوجّهون لي الملاحظات، بل يقوّمون عملي تقويماً سديداً، فأعيدُ النظر فيه من جديد، وإذا به يخرج من بين يديَّ أخيراً في أفضل صورة أرضاها له، ويرضاها المخلصون.

وتعرّفتً إلى أصدقاء هم لا يكتبون الأدب، لأنّهم يخافون من الكتابة، ولكن عندهم عالمهم النفسي الداخلي الرائع، الذي يكشف عن رقيّهم الإنسانيّ، ونبلهم، ومشاعرهم المرهفة.

في هذا العالم الجميل أراني أبتعد عن أماكن – إنْ صحّ التعبير – لا يهمّني دخولها، وهي لا تثيرُ فضولي في التعرّف عليها، وعلى الغالب، إمّا أدعو لمن نشرها بالهداية والصلاح، في سرّي طبعاً، وإمّا أن أقوم بحذفها إن كانت سافرةً إلى حدّ يثير الاشمئزاز. كلّ هذا دون أن أبثّ حرفاً واحداً عدائياً تجاهها. فهذا ليس غرضي، ولن أدخل في جدل عقيم مع أناس افتراضيين على الغالب، أو هم غيّبوا أسماءهم الحقيقيّة عمداً لغاية في نفوسهم هم أدرى بها.

نظرتُ في صفحة ميزة (الحظر)، فلم أحظر خلال أكثر من سنتين سوى أقلّ من خمسة عشر اسماً، مع العلم أنّ عندي أكثر من 1800 صديق، والسبب الوحيد هو وقاحتهم الزائدة، وعدم تقيّدهم بآداب الحوار وأساسياته. أمّا الذين اختلفتُ معهم في الرأي، وهم كُثُر، فما زالوا أصدقائي، أحترمهم ويحترمونني، وأتعرّف من خلالهم على ألوان متعدّدة من طرق التفكير البشريّ، وهذا يفيدني ولا يقيّدني.

لا أنكر أنّ معلوماتي قد ازدادت بل تضاعفت خلال هٰتين السنتين، وصار إنتاجي الأدبي أفضل وأغزر.

باختصار، لقد روّضْتُ سلوكي على الحوار الديمقراطي في أفضل صوره، وصرتُ أتعرّف إلى أخبار لا تبثّها وسائل الإعلام الرسميّة، بأيّ حالٍ من الأحوال.

بقي أن أعترف بأنّ كثيراً من المعلومات والأخبار والنصوص حتّى هي مغلوطة أو مشوّهة أو كاذبة عمداً أو مضلِّلة، وهذا أمر طبيعي في المدن الكبرى، فأنتَ إن اشتريتَ سلعةً من (بسطة) أو بعض الدكاكين الرخيصة فلا شكَّ أنَّكَ ستتعرّض لأنواعٍ من الغشّ والاحتيال والخداع، وأمّا إن اشتريتَ من محلاّت تحترم زبونها وبضاعتها معاً فإنَّكَ ستحصل على ما تطلبه دونَ غشّ. 

تعالوا ننصفُ هذا العالم الأزرق المسمّى (فيسبوك facebook) بأن نفكّر قبل أن نطلق الأحكام، وأن نعلم بأننا ندخل إلى عالم واسع شديد السعة، ليس لنا منه سوى ما يهمّنا تحديداً، وإلاّ فإنّنا سننفق من أوقاتِنا وجهودِنا الكثير، ونجعله يضيعُ في أمورٍ لا فائدةَ لنا بها.

وسوم: العدد 697