حرية العبادة في الإسلام ورأس الجالوت..
حرية العبادة:
كانت نقطة الإنطلاق في الاسلام (لا إكراه في الدين) سورة البقرة الآية 256.
ضَمِنَ الإسلام لأبناء الديانات الأخرى حرية العبادة، فقد ورد في عهد خالد بن الوليد لأهل عانات في سورية: (ولهم أن يضربوا نواقيسهم في أي ساعة شاءوا من ليل ونهار، إلا في أوقات الصلاة، وأن يخرجوا الصلبان في أيام عيدهم) انظر كتاب الخراج لأبي يوسف، ص 146.
ورغم أن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم امتنع عن اتخاذ الشَّبُّور، وهو البوق عند اليهود، أو النواقيس، وهي الأجراس عند النصارى، لدعوة المسلمين إلى الصلاة مفضلاً الأذان بصوت بلال إلا أنه لم يأمر بحظر استعمال النفخ بالبوق، أو الضرب بالنواقيس في عبادة اليهود والنصارى.!.
كما أجاز فقهاء المسلمين بناء الكنائس في الأمصار الإسلامية أي في المدن التي بناها المسلمون، فقد سمح عبد العزيز بن مروان(47-68ﻫ) حين أنشأ مدينة حلوان ببناء كنيسة فيها، وسمح لبعض الأساقفة ببناء ديرين. وقد ذكر المؤرخ المقريزي في كتابه الخطط أمثلة عديدة على ما ذكرناه وختم حديثه بقوله: (وجميع كنائس القاهرة المذكورة محدثة في الإسلام بلا خلاف.(المقريزي، المواعظ والاعتبار المعروف بالخطط، ج4، ص 374). ولم نسمع أن خليفة منع الشوفار اليهودي، الذي أسماه العرب شَبُّور أو القُنع، أو حظر ضرب النواقيس. والمعلوم أن صوت الشوفار أو رنين الأجراس يسمع من بعيد تمامًا كصوت المؤذن بمكبر الصوت.
رأس الجالوت في الدولة الإسلامية:
عاش كثير من اليهود في العراق منذ السبي البابلي في القرن السادس قبل الميلاد. في العهد الأموي انتقلوا للسكنى في الأمصار أي المدن التي بناها المسلمون. في العهد العباسي كان لهم رئيس يسمى بالعربية رأس الجالوت، وهو تعبير مأخوذ من الآرامية ريش جالوتا ריש גלותא، أو من العبرية روش جالوت ראש גלות، ومعناه رأس الجالية اليهودية. كان هذا الرئيس يقوم بتعيين الربانيين ورؤساء المدارس الدينية، والبت في شؤون الطائفة الداخلية، وتسليم الجزية المجبية إلى السلطة، وكان من الأثرياء حيث خصص له الخليفة العباسي قطائع في السواد ومنحه امتيازات مالية كبيرة. وقد أثبت في رسالتي للدكتوراة أن ربط الزنار الذي فرضه الخليفة المتوكل على أهل الذمة كان متماشيًا مع ما قرره رأس الجالوت الذي كان معنيًا بفرض الزنار لوجوبه في الديانة اليهودية. وعلى كل حال حظي أهل الذمة بالحرية الكاملة باستثناء بعض الفترات القصيرة التي قام فيها الخليفة بالتشديد عليهم وعلى أصحاب الرأي الحر من المسلمين على حد سواء. أعطيت لليهود حرية النفخ بالبوق أو الشوفار عند رأس كل شهر وفي الأعياد، كما منح النصارى حرية ضرب النواقيس وحمل الصلبان. يقول الجاحظ في القرن الثالث الهجري إن بعض النصارى اتخذ له شاكرية أي حراسًا مسلحين، وتسموا بالحسن والحسين وصاروا من كبار الأغنياء. أما الجزية المسماة بالجوالي ففرضت على أهل الذمة نظير حماية المسلمين لهم وحفاظًا على ممتلكاتهم، وهي ليست مستحدثة وإنما فرضها الروم على أقباط مصر من النصارى، كما فرضها ملوك بريطانيا وفرنسا في القرن الثامن عشر، وفرضتها حكومة الانتداب البريطاني على سكان القرى في فلسطين ، كما فرضتها مرجريت تاتشر في بريطانيا عام 1988م. من الجدير بالذكر أن حكومة بن غوريون فرضت في الخمسينيات من القرن الماضي ضريبة الرأس على العرب في القرى الواقعة في داخل الخط الأخضر لتمويل نفقات التعليم ودفع رواتب المعلمين ما أثار حفيظة العرب وزاد من تذمرهم.
وسوم: العدد 697