The funny sheikh

سأتكلم اليوم شيخ خواجة من الظرفاء، يجب أن أتوقف أمامه قليلاً، رغم أن كلمة خواجة، وشيخ، ودمه خفيف، مسألة غير عادية، وفيها تركيبة عجيبة وحقيقية:

فهو شيخ لا شك فيه، تعرف ذلك من لحيته البيضاء الطويلة، وثوبه، وألفاظه، ومنهج حياته، والأحاديث الطريفة التي يبادهك بها، والمحاضرات والبرامج التلفزيونية، والفعاليات التي يشارك فيها!

وهو خواجة؛ لأنه أمريكي أصلي مش تقليد، حلو التقاطيع، أزرق العينين، أشقر الشعر، مسبسب الغرة، مياس القد، كحيل العين يا قمري؛ كما كان يقول الأخ محرم فؤاد.. كل هذا رغم أنه في السبعين من عمره، تبارك الله رب العالمين!

عجيب أميركي وخفيف الدم؛ ازاي؟

كيف يجتمعان.. مش فاهم؟

لأول وهلة لا أدري؛ فقد اشتهر بين العرب - خصوصاً المصريين منهم – أنهم احتكروا لأنفسهم النكت وخفة الدم، دون سائر العالمين، وهذه في رأيي (فَشرة) عربية، وشكل من أشكال الإسقاط النفسي (لنقول إننا أبرع منهم في حاجة وخلاص، مع أننا تركنا ميادين الريادة كلها لغيرنا، ومش محتاج أعدّ) لأنني رأيت من الخواجات من هم عفاريت في التنكيت، وأبالسة في خفة الدم، زي: نورمان ويزدوم، وبوب هوب أيام زمان، وزي مستر بين، وروبين ويليامز في أيامنا، ورأيت أنهم فتحوا أبواباً للتنكيت جديدة أبدعوا فيها، وسبقوا بها العرب مليون مرة: منها النكتة العملية، ونكتة الموقف، وطرائف الحيوان، وأشياء كثيرة زي برامج الكانديد كاميرا، والتي في بلبرز، والجاجز وما شابه.. في حين أن النكات العربية تعتمد كثيراً على (الإفيهات) الجنسية، أو الاستهبال بملامح الوجه، أو السخرية من الآخرين، خصوصاً السادة الصعايدة!

وربما يأتي عدم تفاعلنا مع نكاتهم، لأننا لا ندرك إسقاطاتها اللغوية، ودلالاتها اللفظية، فكيف نضحك على ما لا ندرك؟!

وحتى عندما قلدنا الكاميرا الخفية التي أنتجتها تلفزيوناتنا عشرات المرات لم ينجح منها غير عدد قليل منها، لثقل دم من يؤدونها، وسخافة العداد!

ويا رب اجعل كلامي خفيفاً على قلوب الذي لا يعجبهم هذا الرأي!

الشاهد عندي أن أخانا هذا كان قسيساً سابقاً، فأكرمه الله بالهداية، وتحول إلى داعية شديد التميز، رائع التألق، قادر على مخاطبة كل الشرائح، وإضحاك طوب الأرض، وتقديم أفكاره بصوته، وملامحه، وجوارحه، بحيث إنك لن تمل حتى لو جالسته ساعات، وهو - طول الوقت- يعطيك من وجهه وأفكاره ولطائفه (الجادة جداً) ما يجعلك تتأكد أن من الفكاهة ما هو شديد الجدية، وشديد الأهمية، وشديد البلاغة، وأننا في حاجة لعشرات الدعاة اللطيفين الواثقين المقتدرين، مثل الدكتور يوسف إستس الذي فاجأني – بلكنة عربية مصرية مكسرة - حين رآني، وعلم أنني من مصر، سائلاً:

انت صعيدي؟ أنا صعيدي زيك؛ بس من تكساستان؟ (يقصد من ولاية تكساس)

فقلت له: أنا شفتك في التلفزيون، ودائماً مكشر ودمك تقيل!

فقال: أنا؟ حرام عليك! أنا بيسموني: The funny sheikh أو الشيخ أبو دم خفيف، وأخذ يلعِّب لي حواجبه، ويبتسم..

فقلت فاتحاً فمي من المفاجأة: يا خبر دا مش من الصعيد.. دا من حتة تانية!

وأخذ يشرح لي لماذا هو صعيدي؛ لأكتشف أن الذي أخذ بيده للإسلام رجل أعمال صعيدي الأصل، أراد أخونا يوسف إستس أن يصطاده للكاثوليكية - هو وثلاثة آخرون معه، كلهم قساوسة - ليتكثلك، فتحولوا هم جميعاً للإسلام، وليفرِّغ يوسف نفسه بعدها ليكون داعية في أنحاء العالم، على طراز من أروع ما يمكنك أن ترى؛ فهو ممن يحببون إليك الدين، بالعقل، والحجة، والبسمة، والطرفة العفوية، ولطف المعشر..

المهم بدأ الدكتور إستس (أو أستاذ كما أفهمني) في إطلاق سيل من النكات، فسألني: كم صعيدياً مطلوبون لتركيب (لمبة كهرباء)؟ فقلت: واحد!

قال: غلط: مطلوب ثلاثة، واحد يضع اللمبة في مكانها، واثنان يدوران به لتثبيت (القلاووظ)!

فلما ضحكت سألني بسرعة: طيب: كم شخصاً مطلوبون لتحريك جمل؟

قلت: واحد، فقال: غلط، مطلوب خمسة: واحد يمسكه من الزمام، وأربعة، كل واحد منهم يمسك رجلاً ويحركها!

ثم سألني: تعرف ماذا يفطر المصريون في الصباح؟ قلت: قل ماذا؟

فقال: عيش، وجبنة، ومربى، وفول، وفول، وفول، وفول، وظل يعد فول فول، حتى أوقفته!

وجاء ذكر عالمين إسلاميين يتشابهان في الاسم، ويختلفان في القبول والمصداقية، فقال بسرعة:  أوه الفرق بينهما كبير، فهذا للفتوى، وهذا للفسْوَى!

وبدأ أخونا في سرد جملة من النكات السياسية التي يمكن أن تطلق - فقط - في بلاد حرة، ليس فيها قتل بالاشتباه، ولا قوانين طوارق، ولا خوازيق للبشر، ولو قال بعضها خارج بلاده لسحلوه، ونفخوه، وشرّحوه، ثم اتهموه بأنه عميل ابن عميل، وأنه في القاعدة والواقفة والنايمة، وكل البلاوي السودة اللي ربنا ابتلانا بها!

طبعاً سيادته أمريكاني، تكساساني، ما يهمهوش!

ومنها نكتة أن أحد المسؤولين الكبار في دولة من دول العالم الثالث عشر السعيد، زار أميركا فوجد على أبواب المحلات كلها كلمة (Push) فقال لوزيره: في أمريكا يكتبون على كل الأبواب اسم الرئيس بوش (وهو خطأ نتج عن جهله بالإنجليزية) اشمعنى أنا؟! لماذا لا تكتبون اسمي على كل الأبواب مثله.

فقال له: اسمك يا سيدي مكتوب على الأبواب من الناحية الأخرى (Pull) ونطقها بطريقةٍ غيرت المعنى إلى معنى قبيح!

طفت مع د. يوسف إستس في المركز الذي أعمل به فظل طول الوقت ينكت، وتغديت معه فظل طول الوقت ينكت، ثم التقى بالصحفيين من الجرايد الست، فظل طول الوقت يكلمهم وينكت، ثم ألقى محاضرة في دعاة المركز، فأخذ طول الوقت ينكت، ثم ذهب إلى المدينة التعليمية ليلقي في طلاب جورج تاون فأخذ طول الوقت يتكلم وينكت، ليقوم أحد الصينيين الحاضرين فيعلن إسلامه، بعد أن شده إقناع يوسف إستس، ومنهجه الذي يفتح القلوب المصمتة للإسلام!

ثم ذهب إلى نورث أتلانتك ليلقي في طلابها محاضرة عن مساواة المرأة بالرجل، فأخذ طول الوقت يتكلم وينكت، ثم ذهب إلى مش عارف فين ليتكلم عن الصورة الغبية التي تقرن الإسلام بالإرهاب، فأخذ طول الوقت يتكلم وينكت ثم.. ثم.. أسبوع كامل والرائع يوسف إستس يبدع، ويضحك، ويوزع حكمته وخبرته.. ليقول إن كثيراً من دعاتنا (غلطانين) وإنهم يسدون النفس، ويصدون عن سبيل الله..

وبس..