موقفُ امرأةٍ.... للتاريخ!!

قلَّ أنْ يتجرأَ عليه غيرُها...!!

هذه القصة من مجموع ما رواه البخاري وأحمد وغيرهما عن أنس بن مالك رضي الله عنه قَالَ: 

خَطَب أَبُو طَلحة أم سُليْم، فَقالتْ لَه: مَا مِثْلُكَ يا أَبا طَلحَة يُرَدُّ، وَلَكِني امْرَأة مسلمَة، وَأَنْت رَجُل كَافر، وَلَا يَحِلُّ لِي أَن أَتَزَوَّجك، فَإن تُسْلِمْ فَذَلِك مَهْري لَا أسْأَلك غيرَه، فأسلَم.

 ثم تزوجا فحمَلتْ فولَدت غلَامًا صَبِيحاً جميلاً، وَكان أَبُو طَلحة يحِبُّه حبًّا شديدًا، فَعَاش الغلام حَتى مشى ثم مَرِض، فَحزن عَليه أَبو طَلحة حزنًا شديدًا حَتى تَضَعْضع حاله، وهو يَغدو على رَسول الله صَلى اللَّه عَلَيه وَسَلم ويروح.

 فَرَاح رَوْحَة مَاتَ الصَّبِي أثناءها، فعَمدَت إِلَيْه أم سُليْم، فَطَيَّبَتْه وَنَظَّفْته وَجعَلَتْه فِي مخْدَع لها، وَقَالَت لِأهلها: لَا يخْبِرنَّ أَحَدٌ مِنْكُم أَبا طَلحَة بِوفاة ابْنه، فَأَتَى أَبُو طَلحة، فَقَال: كَيْفَ أَمسَى ابني؟ قالت: بخيْر، ما كَانَ منذ مرِضَ أَسكن منه كالليْلة، قَال: فحمد اللَّه وَسُرَّ بذلك.

 ثم قَرَّبَت لَه عَشاءه فَتَعَشَّى وقام إلى فراشه، فقامت هي ومَسَّتْ شَيْئا منْ طِيبٍ، وجاءت إلى الْفِرَاش وتَعَرَّضت لَه، فوَجَد رِيحَ الطِّيبِ، فكانَ مِنْهُ مَا يَكُونُ مِنَ الرَّجُلِ إِلَى أَهْلِهِ، ثم قالت: يَا أبا طَلْحَة، أرَأَيْتَ لَو أَنَّ جارًا لك أَعارَك عارِيَّة فَاسْتَمْتَعْتَ بها، ثُم أَراد أَخذها منكَ، أَكنتَ رَادَّها عليه؟ فقَال: إِي وَاللَّه، إِنِّي كنتُ لَرَادها عليه، قَالَت: طَيِّبة بها نَفْسُك؟ قَال: طَيِّبَة بها نَفْسي.

 قَالت: فَإن اللَّه قَدْ أَعَارك ابنك وَمَتَّعك بِه ما شاء، ثم قبضه إِلَيه، فاصبِر واحتسب، قال: فاسترجَعَ أبو طَلْحَة ـ أيْ: قال: إنا لله وإنا إليه راجعون ـ وصَبَر، ثم اغْتسل وأَصْبح غَادِيًا على رسول اللَّه صَلى اللَّه عَلَيه وَسلم، فحدَّثَه حديث أُم سُلَيْم كَيف صنَعت.

 فقال رَسُول اللَّه صلى اللَّه عليه وَسلم: " بارك اللَّه لَكما في لَيْلَتِكما "، فحملت أم سُليْم من تِلْك الْوَاقعَة، فأعْلمَ أبو طلحة رسولَ الله صَلى الله عَلَيه وَسلم بذلك فقال له: " إِذا وَلدت أُم سُلَيْمٍ فجئْنِي بِوَلدها ".

 فلما ولدتْ حمَلَه أَبو طلحة في خِرْقة، فجاء بِه إِلى رَسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيه وسلم، فَمضغ رسولُ اللَّه صلى الله عَليه وَسَلم تَمْرَةً، ومسح بها فمه، فجعل الصبِيُّ يَتَلَمَّظ، فدعا لَه، وسمَّاه عبد الله، فكَبُر وكَان من خَيْر أَهْل زَمَانه، ورُزق تسعةَ أَولاد كُلُّهُمْ قَدْ حفظ القُرْآن. أما هو رضي الله عنه فاستشهد في الفتوحات الإسلامية في العراق.

وسوم: العدد 708