سيّارة الرئيس السوري!
يتداول بعض السوريين قصة تعود إلى الخمسينيات من القرن الماضي، مفادها أن الرئيس السوري شكري القوتلي لم يتمكن من تجديد سيارته القديمة، لأن البرلمان السوري رفض ذلك لأن المواطن السوري أحق بثمنها، فيما تقول روايات أخرى إن القوتلي لم يرغب بتجديد سيارته، وقرر الإبقاء على سيارته القديمة منعا لهدر أموال الدولة. أتذكّر هذه الحكاية لأقول إن السوريين عرفوا التجربة البرلمانية وخاضوا الانتخابات، وأصدروا الكثير من الصحف وعرفوا بناء الدولة منذ وقت طويل، لذلك هم وحدهم من يمكنهم بناء مستقبلهم وحياتهم السياسية والديمقراطية، وأنا واثق أن لديهم قدرات هائلة للقيام بذلك.
كما أستذكر هذه القصة ونحن على أبواب إتمام الأزمة السورية عامها السادس والدخول في مفاوضات جنيف 4، فيما يتطلع السوريون إلى النظام والمعارضة والمجتمع الدولي بنظرة مؤلمة تحمل سؤالاً كبيراً: ماذا أنتم فاعلون لإنهاء كارثتنا؟
بالتأكيد هذه مفاوضات سورية-سورية وللسوريين أن يقرروا فيها. موقف بريطانيا يتلخص بدعم هذه المفاوضات برعاية الأمم المتحدة وعلى أساس بيان جنيف الذي يدعو إلى هيئة انتقالية تقود حوارا وطنيا جامعا وشاملا لكل أبناء البلد. نعم إن سوريا بحاجة إلى انتقال سياسي. بعد سنوات طويلة من انتهاكات النظام لحقوق الإنسان ورفض الحوار الجدي مع أطياف البلد، ودخول تنظيمات إرهابية وأخرى طائفية إلى الأراضي السورية، وتشرد الملايين من الشعب السوري في مخيّمات اللجوء والنزوح، وبعد الكوارث التي أحلت باقتصاد البلاد، وموت وفقدان واعتقال واختطاف مئات الآلاف من الشعب السوري، هل يحتاج "الانتقال السياسي" بقيادة كل السوريين إلى جدل ونقاش؟ إنه حاجة ماسة لإعادة الحياة والاستقرار إلى سوريا.
هناك ملفات إنسانية كبيرة عالقة تحتاج إلى حل عاجل. اليوم أتساءل ما هو مصير شخصيات معارضة سلمية كان سلاحها الرأي والقلم فقط مثل المحامي المدافع عن حقوق الإنسان خليل معتوق والدكتور عبد العزيز الخيّر، ومن المناسب التذكير أن النظام دأب على إطلاق سراح متطرفين في وقت أبقى فيه على شخصيات سورية لامعة وراء القضبان. المشكلة السورية سببها رفض النظام الانفتاح الجدي نحو تغيير يلبي تطلعات الناس. كما أني عندما أتحدث عن شخصيات إنسانية وسياسية وحقوقية وإعلامية وراء قضبان النظام السوري أود أن أشير إلى أن هؤلاء هم الذين يمثلون المجتمع السوري المتنوع والغني وليس أولئك الذي يقطعون الرؤوس أو يقتلون لأسباب طائفية أو عرقية.
المواطن السوري سواء كان بائعا متجولا في الشارع، سائقا، ممرضا، مزارعا، مثقفا، أو في أي عمل ومهنة كانت، كان تاريخيا يتسم بالاعتدال والعيش مع الآخر فيما التنظيمات المتطرفة والإرهابية تمثل نفسها وفكرها الأسود المريض ولا تمثل شارعا أو مجتمعا. هذا الإنسان السوري يتطلع لعودة الاستقرار والحياة الكريمة؛ واحترام حقوقه وحرياته، وفق قانون يحميه لا يأسره، ودستور هو يقرره وليس مقررا له، وحكم هو يحاسبه وليس بالعكس. هذا الإنسان السوري يأتي من كل الجغرافيا السورية وينتمي إلى أطياف وأعراق عديدة تريد العيش بسلام.
دعونا نتفاءل ونأمل نجاح السوريين في جنيف 4، وعلى جميع المفاوضين المشاركين في هذا المؤتمر التفكير جيدا وجديا بأن هناك الملايين الذين ينتظرون حلا سوريا-سوريا ينقلهم من عصر القمع والخوف والاستبداد إلى عصر جديد هم يقررون سماته ومواصفاته بما يلبي حقهم في العيش الكريم والاستقرار والحرية.
*غاريث بايلي الممثل البريطاني الخاص لسوريا.
وسوم: العدد 709