دهاء زوجة

د. محمد رشيد العويّد

كان محامياً شهيراً، يكسب أصعب القضايا، وخاصة قضايا الأحوال الشخصية، وفي مقدمتها نزاعات الزوجين، وظلم أحدهما للآخر، فينتصر للمظلوم منهما، ويأخذ له حقه سواء أكان زوجاً أم زوجة.

جاءته يوماً امرأة ظلمها زوجها كثيراً ليرفع لها قضية يحصل لها بها على الطلاق الذي كان زوجها يرفض منحها إياه ليزيد في عذابها وظلمها وقهرها.

اهتم بقضيتها، وتعاطف معها ، وضاعف جهده حتى نجح في الحصول على حكم المحكمة بتطليقها للضرر، وأحس بسعادة لم يشعر بها في القضايا الأخرى، حتى إنه سأل نفسه: أتراني أحببتها؟ أم أنها الشفقة وحدها ولا شيء سواها؟!

وكانت المفاجأة التي حسمت تردده حين صارحته المرأة نفسها بأنها أحبته، وتتمنى أن يتزوجها.

كانت جميلة جداً، وأسرتها من خير الأُسَر في المدينة، وذات ثراء كبير.

لم يتردد في الموافقة، لكنه صارحها بأنه متزوج ويُحب زوجته. ردّت عليه تقنعه بأنه لايفعل شيئاً محرماً، ثم إنها لن تُحيجه للإنفاق عليها؛ فعندها بيتها ومالها الوفير، وسيبقى ماله لزوجته وأولاده، بل إنها مستعدة لتُعينه في الإنفاق عليهم إذا أحب.

عاد إلى بيته وهو يحلم بهذا الزواج الذي لن يكلفه شيئا، بل ويُحقق له السعادة مع هذه المرأة الشابة التي أحبها وأحبته.

بعد أن وصل إلى بيته، ووضعتْ له زوجته طعام الغداء الذي تناوله معها ومع أبنائهما، لاحظت زوجته التي تعرفه جيّداً أن هناك شيئا يشغله.

ما إن مضى أبناؤهما بعيداً عنهما حتى قالت لزوجها: أرجو أن مايشغلك ليس أمراً مُحزناً!

ابتسم وقال: كيف عرفتِ أن هناك مايشغلني؟

ابتسمت هي أيضاً وقالت: ألا أعرف وأفهم من عشتُ معه ست عشرة سنة؟!

قال: صدقيني أنني كنت أودّ إخباركِ به؛ فأنا لاأخفي عنكِ شيئاً، بل إنني سأستشيركِ فيه؛ ولن أُقدم عليه إلا إذا كنتِ راضية.

ركزت نظرها في عينيه وقد ظهر الاهتمام واضحاً على وجهها لمعرفة هذا الذي يشغل زوجها.

حدّثها بكل شيء، منذ أن جاءته ليرفع لها قضية للحصول على الطلاق من زوجها الظالم، إلى أن حصل لها على حكم المحكمة بتطليقها، ثم عرضها عليه أن يتزوجها، وأنها لن تدعه ينفق عليها شيئا، فعندها من المال مايكفي، بل هي مستعدة لتعينه بمالها إذا احتاج إليه.

كانت تنظر بثبات إلى زوجها، لم يظهر عليها أي انفعال، وإن كانت الابتسامة قد غابت عن وجهها.

سألها: مارأيك؟

صمتت، لم تقل شيئاً

تابع: صدقيني لن أتزوجها دون موافقتكِ ورضاكِ.

تكلمت أخيراً فقالت: هل لي أن أتعرف عليها؟

قال متحمساً: بالتأكيد، وأحسب أنها ترحب بذلك.

قالت: ادعها لزيارتنا الخميس المقبل.

أشرق وجهه بالسرور، وشكر زوجته على ذلك، واستأذنها للاتصال بها على الفور ودعْوَتِها لزيارتهما في البيت.

اتصل بها وأخبرها بموافقة زوجته على زواجهما، وأنها ترغب في أن يتعارفا، ردّت بتعبيرها عن سرورها وذكرتْ أنها أيضاً كانت ترغب في هذا التعارف.

ما إن جاء يوم الأربعاء حتى تفرغت الزوجة لبيتها، ترتبه وتهيئه لاستقبال تلك الراغبة في الزواج من زوجها الذي يبادلها رغبتها.

اهتمت أيضاً بشكلها، فذهبت إلى صالون التجميل، وما إن جاء يوم الخميس حتى كانت في أجمل صورة وكان بيتها في غاية الترتيب والنظافة.

ما إن طُرق باب البيت حتى قفز زوجها من مقعده فرحاً ليفتح لها الباب، فأشارت له زوجته بأنها هي من ستفتح لها، فخفَّف من اندفاعه وتراجع تاركاً لزوجته فتح الباب.

فتحت الباب ورحبَّتْ بالضيفة القادمة بوجهها المشرق الجميل وهي تقول لها: أهلاً وسهلاً ومرحباً.. تفضلي.

كادت الضيفة تُصعق وهي ترى شابة جميلة كانت تحسبها غير ذلك. وما كادت تخطو خطواتها الأولى داخل البيت حتى استنشقت روائح العطور والأطياب التي ملأت أجواء البيت. ثم جلست إلى أقرب مقعد في الصالة وانبهارها بأناقة البيت وجمال ترتيبه يغطي وجهها كله.

ودار الحديث بينهما، لتكتشف الضيفة أنها أمام امرأة ذكية لبقة مثقفة جميلة.

ثم دعتها إلى مائدة الطعام لتجد ما لذّ وطاب مما تشتهيه الأنفس وتلذّ الأعين.

لم يمضِ وقت طويل بعد قيام الضيفة عن مائدة الطعام حتى حملت حقيبتها، وشكرت مضيفتها، واستأذنتها في المغادرة.

وكانت تلك الزيارة آخر عهدها بها، إذ إن المحامي الحالم بالزواج من موكلته اتصل بها ليسألها عن انطباعها بعد زيارتها زوجته وتعرفها إليها فقالت له: يا مجرم.. عندك مثل هذه الزوجة وتريد أن تتزوجني.. أرجوك انسَ ذلك.. وامسح رقم هاتفي من هاتفك..!

وسوم: العدد 711