ملعب سوري ولاعبون أجانب

بدأت المسألة السورية كما هو واضح تأخذ أبعادا جديدة، ودون أن تصبّ تلك الأبعاد بالضرورة في خدمة الشعب السوري الذي يعاني الأمرين، سواء داخل سوريا أم في مخيمات لجوئه ونزوحه.

الأبعاد الجديدة أخذت بالتشكّل مع فشل مؤتمر جنيف 4 وترحيل مسألة المفاوضات إلى جنيف آخر ربما، وقد تزامن ذلك مع بدء توافد الآليات العسكرية الأميركية على الأرض الملتهبة، وقد غابت واشنطن عن الحضور في جنيف، وهي لا تبدو مكترثة أصلاً بالوصول إلى حل سياسي لما يعرف عالمياً بالأزمة السورية، وإن كانت الإدارة الأميركية قد فوتت خلال السنوات الماضية فرصة أن تكون صاحبة القرار الأول والأخير، في معالجة الملف السوري، وتركت الساحة مفتوحة أمام اللاعبين الروس والإيرانيين، فإنها اليوم تبدو أكثر جدية ولن تكرر أخطاء الإدارة السابقة، التي يسابق الرئيس دونالد ترامب الزمن لمحوها والتخلص من إرثها الذي يعتبر أنه قد أضعف صورة بلاده.

قد تبدو طهران، تحديدا، الأكثر تخوفا من التطورات الأخيرة، لا على المستوى السياسي، ولكن عسكريا بطبيعة الحال، فهي قد تجد نفسها وجها لوجه أمام من ظنت أنه صار حليفا في الأمس القريب إبان عهد الرئيس باراك أوباما، وقد بدأ شهر عسل بينهما يتحول إلى كابوس ثقيل، منذ أن أدى الرئيس ترامب القسم رئيسا للولايات المتحدة وتحولت العلاقة الدافئة إلى عداوة معلنة وغير مستترة، إذ لا يكاد ترامب، خاصة خلال الأسابيع الأولى لرئاسته، يوفر فرصة دون أن يعلن أن تلك “الدولة” لا تعجبه، وهو يريد “تأديبها”، لا كرمى لعيون السوريين والعرب، كما قد يوهم البعض أنفسهم، ولكن لأنه يدرك أن إيران أخذت أكبر من حجمها، وهي باتت تهدد بشكل أو بآخر مصالح بلاده في المنطقة، التي يبدي حرصه على البقاء فيها، ولا يريد أن يخسرها أقلّه في الوقت الحالي.

غابت إيران، أو غُيّبت، عن الاجتماع الأخير الذي شهدته مدينة أنطاليا التركية وضمّ رؤساء أركان كل من روسيا وتركيا والولايات المتحدة الأميركية، وكان العنوان العريض لذلك الاجتماع الذي لم تتسرب أي من تفاصيله هو القضاء على تنظيم داعش، وهو الهدف الذي يسعى الرئيس ترامب من خلال تحقيقه لإسكات منتقديه وهم كثر داخل وخارج بلاده، وخاصة في ضوء قراراته المثيرة للجدل، والارتباك الذي تعاني منه إدارته. ولعل استبعاد إيران من ذلك الاجتماع رغم حضورها القوي في سوريا وفي العراق يضعها في خانة غير المرغوب فيهم، فمزاعمها حول محاربة الإرهاب تصطدم بحقيقة يعلمها الجميع وهي أن إيران واحدة من أكبر مصدري الإرهاب في العالم، بل إن مشروعا أميركياً، تم إرجاء إقراره إلى أجل غير مسمى، كان ينوي تصنيف الحرس الثوري الإيراني كقوة إرهابية أسوة بتنظيم داعش الذي تقول إيران إنها تحاربه، كما أن الميليشيات التابعة لها والناشطة على الأرض السورية والعراقية لا تقل خطورة وإرهاباً عن تنظيم داعش، وقد يكون رؤساء الأركان الثلاثة ناقشوا، وإن على هامش اجتماعهم، وضع تلك الميليشيات ومستقبلها، ولن نستغرب لاحقاً أن يتوالى تصنيف بعض تلك الميليشيات على لوائح الإرهاب، وهو ما يعني تقليم أظافر إيران والحدّ من أحلامها التوسعية البغيضة.

في ظل الغياب الواضح لأي طرف سوري سواء كان ممثلاً للنظام أم للمعارضة عن الترتيبات التي يتم التخطيط لها، فإن ما ستسفر عنه التطورات اللاحقة سيفرض على أولئك الذين ينتظرون توجيهات مشغليهم أو الأوصياء عليهم أن يعلنوا قبولهم بالتحولات التي أقرها “الأقوياء”، وقد اختارت واشنطن على الفور أن تتحالف مع قوات سوريا الديمقراطية رغم أن هذا الأمر يغضب الأتراك، أما الروس فإنهم لن يبحثوا طويلا وسيكون نظام دمشق جاهزا لتلقي الأوامر والبدء بتنفيذها كما قد ترده من قاعدة حميميم، وسيكون لزاما على تركيا أن تواصل عملها مع بقايا الجيش الحر الذي تدعمه لقطع الطريق على قوات سوريا الديمقراطية التي تصنفها أنقرة قوة إرهابية.

ودون أن نتوقع أن تكون معارك محاربة تنظيم داعش سريعة، وأن يسير جدولها الزمني بيسر وسهولة، فإن علينا ألا ننسى أن إيران التي لا تظهر في الصورة، رغم كل ما أسلفناه من احتمالات، ستكون منشغلة، بعيدا عن الأضواء، بإنجاز مشروعها الطائفي بعيدا عن الأنظار في مناطق لا يوجد فيها تنظيم داعش، ولن يلتفت إليها “الأقوياء”، هناك في “سوريا المفيدة” التي يحكمها دكتاتور فاقت جرائمه أضعاف ما اقترفه تنظيم داعش، وهو باق ويتمدد طغياناً واستبدادا.

*كاتب سوري.

وسوم: العدد 711