من الذكريات الطريفة في حلب
١/ كان لي طربوش وهو شعار الخسروية استيقظت متأخرا بعد صلاة الصبح طبعا ، فأخونا ابن معرة مصرين حمدو سواس لايدع أحدا يترك صلاة الصبح ، حان الوقت للذهاب إلى المدرسة فتشت الغرفة فلم أجد الطربوش في الخزانة ، في العتبة ، على الرف لا أثر له ! ولما أردت رفع الفراش وجدته تحت الفراش ! وصار كأنه فردة جراب حمراء !
حملته بيدي وذهبت للمدرسة ونعمان السخيطة يتفرس في الوجوه ! فرأى الطربوش في يدي فابتسم ، ونجاني الله من عقابه !
٢/ في احتفالات عيد الجلاء كنت لابسا طربوشي معتزا به ، وكان إلى جانبي أحد الأقارب من بني مغارة جذبني إليه فطار الطربوش ، وكنا على الجسر الذي سمي بعد ذلك بساحة سعد الله الجابري ، طار الطربوش ووقع قرب نهر قويق ، نزلت إلى طرق فرعية من جانب الحديقة العامة فوجدت بغيتي سالما ينتظرني ، ولله الحمد لم يجرفه النهر ، بل وجدته يتمع بمنظر نهر قليط حلب !
وعدت به وكأني ملكت الدنيا ، وعاد رأسي مطربشا ، ودخلت الخسروية ورأسي مرفوع وعين نعمان سخيطة ترمقني !
٣/ حضرت حفل لبس العمامة لقاضي حلب الأستاذ عبد الوهاب الالتونجي ، أقامه له إخوانه لأنه صار قاضيا للشرع في الباب ، وبين الزغاريد والتكبير لبس أبو رضوان العمامة التي كانت تخيف الباب وحلب ، وصار بعدها عضو محكمة التمييز العليا ، وهو كما يقول الدكتور المحدث العلامة نور الدين عتر حفظه الله : إن الالتونجي حجة في الأحوال الشخصية في الزواج والطلاق ومايتبع ذلك
٤/ أرسل معي من حلب إلى الباب والد قاضي الصلح والشرع في مدينة الباب الالتونجي الرجل المعمم ، بعث معي قدر فيه كبة بصينية ، وهي أكلة لم نكن نعرفها في الباب ، فأكلنا هو المجدرة والمخلوطة والمغمومة والباذنجان المقلي ، في الطريق من حلب إلى الباب أخرجت قطعة وأخذت أنظر إلى مافيها من فستق أخضر وجوز فيسيل لعابي !
هل آكل قطعة ! حرام ، طالب علم وحرامي لا يجتمعان ، شممتها ولحست أطرافها ثم أعدتها إلى مكانها ، وأوصلت الأمانة إلى قاضي الباب وكان أبي موظفا عنده واسمه المباشر ، أي مباشرة تنفيذ الأحكام
٥/ وصلت إلى البيت فقدمت لي الضيافة وهي مغمومة العظيمة بنفعها ، ففيها برغل وسبانغ مفروم ، لكن بجانب الكبة التي أوصلتها للسيد القاضي فرق عظيم ! وبعد سحيق كما بين السماء والأرض ، وأكلت مضطرا ، وتكاد المعدة ترفض ماقدم لي لأن العين وشبكتها اختزنت صورة الكبة بصينية والفستق الحلبي الظاهر من أطرافها ، وبعد أن درست وتعلمت أيقنت أن المغمومة أنفع للبدن لما فيها من فيتامينات في السبانغ ، وإقرا إن شئت كتاب الدكتور صبري القباني ( الغذاء لا الدواء ) عندها أدركت أن المغمومة أفضل من الكبة بصينة لكنني لم أقتنع !
٦/ وتذكرت مادرسته في الخسروية أن الصحابة رضوان الله عليهم وفي مقدمتهم نبينا عليه الصلاة والسلام كانوا يربطون الحجارة على بطونهم ، ومع ذلك فتحوا الدنيا ، إذا اسمحوا لي أن أقول: تعيش المغمومة والقرع بحامض ولتسقط الصينية وماحوت ، فالقناعة كنز لا يفنى ، والله أعلم .
٧/ سيارات النقل بين الباب وحلب صدرها يتسع لثلاث ركاب وضع السائق خمسة ، ومع أحد الركاب علبة لبن كبيرة دخل راكب جديد ومن الزحام دخلت رجله في علبة اللبن فصاح عفوا ، وكان صاحب اللبن من السفهاء من أصحاب اللسان البذيء فطار صوابه وقذف بكلمات بذيئة لا تسمعها لا في الشارع ولا في المدرسة ؟
٨/ عندما كنت أدرّس في مدرسة سيف الدولة في الفرافرة كنا في كل صباح ندعى لتحية العلم ، وهي تريدد لشعارات الحزب القائد واسميه الحزب الخائن ، كان يدير الموكب ضابط تجنيد فلسطيني برتبة ملازم ، ويختم ترديد الشعار بتحية لبطل التشرينين ، وغاب الرجل فترة شهرين ثم رأيته فجأة في باب الفرج ، أين أنت ؟ لماذا فقدناك ؟
قال اسكوت ملوخونا بالقتل ، وصبغت أجسادنا العصي والكرباج ، لأن الفلسطنيين يريدون التظاهر من أجل فلسطين ، وهيك وهيك في بطل التشرينيين وولى هاربا ؟
ولله الأمر من قبل ومن بعد
وفرجك ياقدير
وسوم: العدد 713