رعاية حقوق المواطنين في الإسلام

مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات

 تكثر دعوات المصلحين في الدول العربية إلى رعاية حقوق المواطنين في هذا البلد أو ذاك، ربما أن بعض البلدان العربية والإسلامية لا يتمتع مواطنوها بحقوقهم الدستورية والقانونية، وقد يحصل بعض المواطنين على حقوقهم، بينما يفتقدها الآخرون على أساس التميز بين المواطنين عرقيا أو دينيا أو مذهبيا.

 وفي الأحوال كلها، فان في مثل هذه البلدان، يُشكل إحساس المواطنين وشعورهم بأنهم لا يتمتعون بحقوقهم وحرياتهم أو يحصلون على بعض منها دون البعض الآخر، مشكلة اجتماعية وسياسية وقانونية، هي بحاجة إلى اهتمام ورعاية المسؤولين الحكوميين في الدولة، إذ ذاك جزء لا يتجزأ من مفهوم "المواطنة" ومفهوم "حقوق الإنسان" وهو من صميم واجباتهم ومسؤولياتهم الوظيفية.

 تعني المواطنة، حسب دائرة المعارف البريطانية "علاقة بين فرد ودولة كما يحددها قانون تلك الدولة، وبما تتضمنه تلك العلاقات من واجبات وحقوق في تلك الدولة"، ويزيد البعض أن "المواطنة" ليست فقط هي العلاقة بين فرد ودولة، وإنما هي: "ممارسة سلوكية تنعكس على المواطنين جميعاً، بموجبها يدرك الجميع أهمية جميع المواطنين على قدم المساواة، دون تمييز بينهم بسبب الدين والمذهب والعرق والجنس".

 بناء على هذا، تفرض دساتير الدول وقوانينها، وفق مبدأ المواطنة، أن تقوم الحكومات بواجباتها ومسؤولياتها إزاء مواطنيها، مثل: واجب توفير الأمن والاستقرار والهدوء لهم والدفاع عنهم، وضمان الحريات العامة؛ كحرية السكن والتملك والعمل والتنقل، وتوفير التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية، وإقامة المرافق العامة كالنقل والاتصالات والكهرباء والمياه، وتحقيق العدالة القضائية والجنائية بين المواطنين، وتأمين ضمان اجتماعي لمواجهة حالات الشيخوخة والعجز والمرض، وتوفير السكن الملائم لكل مواطن، وغيرها من الواجبات التي تتكفل بها السلطات المختصة لضمان حياة كريمة للمواطن وتوفير احتياجاته.

 في المنظور الإسلامي، خلق الله تعالى النّاس وجعل بعضهم مُرتبطاً ببعض في معيشتهم وحياتهم، ومن حكمته سبحانه أن جعلهم بحاجةٍ إلى من يسوسهم ويتولّى أمرهم ويقوم على شؤونهم، ولا يَصلح حالهم ولا تستقيم حياتهم إلا بوجود وليّ أمرٍ وإمام يقوم بتنظيم أمورهم ويرعاها.

 يعتبر الإسلام الدولة خادمة للناس، وبناء عليه، فمقاصد الدولة لن تكون سوى تحقيق مصالح مواطنيها، الدينية والدنيوية، وتلك هي مقاصد الشريعة، فما جعله الشرع مقصدا لآحاد المكلفين، ومقصدا لجماعة المسلمين، فهو مقصود -ويحب أن يكون مقصودا- للدولة ومؤسساتها وسياساتها، فما الدولة إلا نائبة عن الأفراد وعن المجتمع وخادمة لهما، بمعنى أن الدولة ليس لها مقاصد مستقلة أو مختلفة عن مقاصد الأمة والمجتمع.

 حث الإسلام الحكومات والزعماء والملوك والقادة والولاة والمسؤولين في الدولة الإسلامية، كل بحسب مسؤوليته، أن يرعى حقوق الناس ويصونها (كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإمام رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ ومَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ).

 تكمُن مسؤوليّات الإمام "الرئيس" اتّجاه رعيّته وشعبه في تَفقُّد شؤونهم، وتلبية احتياجاتهم، وتحقيق حياة كريمة لهم، وحفظهم من الأعداء، وحماية الحدود، ونشر الأمن والاستقرار، بالإضافة إلى تعيين الأكفاء والأُمناء في المناصب ممّن يَثِق في قدرتهم على تولّي زمام المسؤوليّة وحمل الأمانة، وفضّ النّزاع بين المُتشاجرين وإحقاق الحقّ بينهم، وردّ الحقوق لأصحابها؛ كيلا يسود الظّلم والاعتداء على الحقوق، بالإضافة إلى تقدير الأمور الماليّة، وما يستحقّ النّفقة فيه وما لا يستحقّ، وأداءه في وقته دون تقصير، والمُتابعة والإشراف الدّائم، ومُراقبة أعمال أصحاب السّلطة والتأكّد من أدائهم لمَهامّهم وحقوق الرعيّة.

 لقد ورد في كتاب الإمام علي "عليه السلام" لمالك الأشتر لما ولاّه على مصر (ثُمَّ اللَّهَ اللَّهَ فِي الطَّبَقَةِ السُّفْلَى مِنَ الَّذِينَ لَا حِيلَةَ لَهُمْ مِنَ الْمَسَاكِينِ وَالْمُحْتَاجِينَ وَأَهْلِ الْبُؤْسَى وَالزَّمْنَى فَإِنَّ فِي هَذِهِ الطَّبَقَةِ قَانِعاً وَمُعْتَرّاً...) حيث يأمره "عليه السلام" بأن يتق الله في أفراد هذه الطبقة برعاية حقوقهم... وتكرار لفظ الجلالة مشعر بأهمية الموضوع، وذلك لما ذكره "عليه السلام" من أن هذه الطبقة من الناس لا حيلة لهم أي لا يملكون وسيلة لتأمين حوائجهم، وذكر منهم المساكين والمحتاجين وأهل البؤسى والزمنى... وأهل البؤسى هم الذين وقعوا في البؤس وسوء الحال من شدة الفاقة. والزمنى هم الذين أصيبوا بالزمانة أي المقعدون غير القادرين على العمل...

 ثم يقول الإمام "عليه السلام": (واحفَظ لله مَا استَحْفَظَكَ من حَقِّه فِيهِمْ) فان الله جعلك حاكما عليهم وواليا وحافظا لحقوقهم المالية والاجتماعية حتى تؤدي إلى كل فرد منهم حقه فأحفظ هذه الوديعة المهمة واعتن بحقوق هؤلاء طلباً لمرضاة الله تعالى وحذرا من نقمته لأنهم لا يقدرون على مقابلة من يهضم حقوقهم.

 ويقول الإمام علي في وصيته (فَإِنَّ لِلْأَقْصَى مِنْهُمْ مِثْلَ الَّذِي لِلْأَدْنَى وَكُلٌّ قَدِ اسْتُرْعِيتَ حَقَّهُ) والأقصى والأدنى يمكن أن يراد بهما البعيد والقريب من حيث السكن، ويمكن أن يراد بهما البعد والقرب من الحاكم سببا أو نسبا أو علاقة أو محبة أو منصبا أو عشيرة، ونحو ذلك من الجهات. فعلى المعنى الأول يكون لا فرق في العناية بين من يكون بحضرتك من الفقراء وبين من يكون ساكنا في المناطق البعيدة، وعلى المعنى الثاني لا فرق بين القريب إليك لأحد الأسباب المذكورة والبعيد عنك، وإن كانوا جميعا في بلدك أو في غيره، وبالتالي فان المناط في إعانتهم ورعايتهم بالتساوي فقرهم وحاجتهم لا الأمور المذكورة.

 ومن هذا المنطلق، يوضح الإمام السيد محمد الشيرازي في موسوعة الفقه تحت عنوان "مهمة الحاكم" أن مهمة الحاكم والحكومة في الإسلام هي: إدارة البلاد والعباد، إدارة تؤدي إلى عمران البلاد وازدهارها، وصلاح العباد وتقدمهم تقدماً مطلوباً في جميع مجالات الحياة، ومن ذلك يلزم على الحاكم والحكومة أن تكون انتخابية واستشارية، ومتواضعة وخدومة، وحكومة الرسول "صلى الله عليه واله" وأمير المؤمنين "عليه السلام" خير أسوة في ذلك. وقال الإمام الشيرازي في الفقه العولمة "أهم واجبات الحاكم والحكومة" إن " من أهم ما يجب على الحاكم والحكومة الإسلامية أن تتعامل مع شعبها أفضل وأنظف تعامل إنساني يمكن تعامله مع الشعوب، وذلك في جميع المجالات، وبما للكلمة من معنى"

 نخص مما تقدم أن الحكومة في الدول العربية والإسلامية مطالبة بتقديم خدماتها إلى مواطنيها وغير مواطنيها ممن يقيمون في بلادها، ولا ينبغي للمسؤولين الحكوميين أن يتخلوا عن خدمة مواطنيهم تحت أي مبرر كان بل عليهم أن يجتهدوا في السراء والضراء من أجل تقديم ما يأتي:

الأول: واجب قيام نظام سياسي واجتماعي يكفل وحدة الأمة كانصهار شعوري، ووحدة كلمة الشعب كموقف ديني وسياسي، فيؤمن العلاقة المتينة بين أفراده وفئاته، ويدفع نحو التكافل الاجتماعي.

 الثاني: واجب بناء دولة العدالة الاقتصادية، والمساواة وتكافؤ الفرص بحسب الأحكام الإسلامية، والأمن والاستقرار الاجتماعي.

الثالث: واجب بناء دولة الحريات الشخصية والفكرية والسياسية، والحريات الدينية للأقليات، ومساواة الجميع أمام القانون دون تمييز بين المواطنين، والحرية هي أصل في الإسلام والإيمان فلا يجوز بل لا يمكن في الإيمان الإكراه. فالعقيدة يجب أن تكون بوعي ودليل وحرية، والإنسان حر في سلوكه الشخصي إلا ما خلف الدستور والقوانين أما حرية التعبير والعمل السياسي فهي مصانة ضمن استقلال البلاد واستقرارها وعدم إفسادها.

الرابع: واجب عمارة الأرض، واستثمار ثرواتها، وبناء الحضارة والمدنية الإسلامية.

وسوم: العدد 713