لماذا تأخر الحسم في اليمن
كثيراً ما يتم تداول هذا السؤال عند المتابعين للشأن اليمني خاصة مع توارد الأخبار بتقدم قوات الجيش الوطني والمقاومة الشعبية على كافة جبهات مسرح العمليات حتى أضحى الكثير من مرافق العاصمة صنعاء تحت السيطرة النارية لتلك المدافع.
ومع استعداد قوات الجيش الوطني مسنودة بقوات التحالف العربي والمقاومة الشعبية لإكمال العدة لاجتياح مدينة (الحديدة) ومينائها الإستراتيجي المطلّ على البحر الأحمر فإنّ كثيراً من الشكوك تراود المتابعين والمحللين للشأن اليمني عن ماهية الألغاز التي تكتنف هذا المشهد الدامي اليمني.
ولكنّ العارفينَ ببواطن الأمور والقريبين من صنّاع القرار على كافة المستويات السياسية والعسكرية والأمنية.. وغيرها ملمّون، وعلى درايةٍ عاليةٍ بالكثير من الصعوبات والتحديات التي تكتنف هذا المشهد الذي بلغ الغاية في التعقيد.
ميدانيًا، لا بدّ من التذكير أن بداية التحول الإستراتيجي للحرب كانت مع استعادة قوات التحالف، السيطرة على ميناء عدن، في 17 يوليو الماضي، وما ترتب على العملية من إنزال بحري لقوات خليجية، لعبت دورًا محورياً في تحرير مدينة عدن وبقية المدن الجنوبية.
بيد أن مآلات الحرب، تبدّت في غضون سيطرة القوات المشتركة على مضيق باب المندب، الذي يربط البحر الأحمر بخليج عدن، وتقدمها باتجاه ميناء المخا والسيطرة عليه، وهو الميناءُ المطلُّ على البحر الأحمر غربي البلاد، والذي كان يشكلُّ قاعدة لتهريب الأسلحة للحوثيين من قبل السفن الإيرانية.
وحملت معارك الأيام الأخيرة على محوري تعز، ومأرب، وما رافقها من تهاوٍ سريعٍ لتحصينات الميليشيا، إشارات صريحة بتصدع جدار معسكر الانقلابيين، تحت وقع الضربات المميتة التي وجهتها إلى صدره، قواتُ التحالف العربي بقيادة السعودية على امتداد مسرح العمليات .
وقد بدت الصورة أكثر وضوحًا، بعد استعادة القوات المشتركة لتلك المناطق المهمة والاستراتيجية إذ لم يكن في خانة المتوقع انهيار ميليشيا صالح والحوثي أمام قوات الجيش الوطني والتحالف العربي بتلك السرعة قياسًا بالأهمية الجيوسياسية لمضيق باب المندب ولميناء (المخا)، وأيضًا لعدد القوات العسكرية التي حشدها إلى هناك،والراجح أن سيطرة القوات المشتركة على باب المندب، يفرض واقعًا عسكريًا وسياسيًا صعبًا على ميليشيا الحوثي، ولعل الأخيرة استشعرت للوهلة الأولى تداعيات هذا الحدث الفاصل في مسار الصراع، والكلفة الباهظة المترتبة عليه .
وبموازاة التحولات العسكرية الدراماتيكة، في مناطق جنوب وغرب اليمن، يتواصل تقدّم القوات المدعومة من التحالف العربي في أكثر من مدينة ومنطقة على حساب تراجع قوات صالح والحوثيين وصولًا إلى المعارك العنيفة الدائرة حاليًا في جبهتي تعز، ومأرب بعد السيطرة على باب المندب وجزيرة (ميون)، وكذلك سيطرةُ قوات التحالف على جزر أرخبيل حنيش واليوم على الأرض تتقدم قوات الجيش الوطني في مدينة ميدي متجاوزة مدينة حرض باتجاه المناطق الريفية في سهل تهامة والتابعة لمحافظتي حجة والحديدة.
وباستقراء النتائج الأولية للمواجهات في هاتين الجبهتين المشتعلتين وقبلهما في جبهات المناطق الجنوبية، يمكن استنتاج بديهة أن التحالف العربي نجح إلى حدٍّ كبيرٍ في قلب الطاولة عسكريًا وسياسياً على تحالف صالح والحوثيين، وأيضًا في تقويض وجودهما على الأرض لصالح قوات الحكومة الشرعية التي يساندها، بحيث صارت المسألة مجرد وقت، وتحسم المعركة بإطباق قوات الجيش الوطني والمقاومة الشعبية مسنودة بقوات التحالف العربي على كافة مناطق ومحاور المواجهات العسكرية المحيطة بالعاصمة صنعاء وصولاً إلى قلبها.
وفيما يلي نستعرض بعضاً من هذه الصعوبات والتحديات
طبيعة الأرض وتضاريسها الوعرة :
خاصة في (نهم)، و(صرواح) و(صعدة) وحيث المرتفعات الجبلية الشاهقة، والتي يزيد ارتفاع بعض هضابها عن تسعة آلاف قدم عن سطح البحر وحيثُ التحصينات المنيعة لقوات الانقلاب وأسلحتهم النوعية ومنها الأسلحة المتوسطة الرشاشة الصامتة وذات المناظير (مثل رشاش 12,7 ملم)، والتي تحارب عن بعد خمسة كيلومترات من ساحة العمليات القتالية.
تبلغ مساحة مديرية (نهم) أكثر من ضعفي مساحة أمانة العاصمة صنعاء، وهي مليئة بالجبال الشاهقة، والتباب المرتفعة، والكهوف الطبيعية، والتي تعدُّ في زمن الحروب تحصينات طبيعية غاية في المنعة والاستعصاء.
ومعركة (نهم) هي معركة مستمرة بدأت في منتصف ديسمبر 2015 في مديرية نهم (40 كم شرق العاصمة صنعاء) وحتى اليوم، وذلك بعد سيطرة القوات الحكومية على “معسكر ماس” في حدود محافظتي الجوف ومأرب، والقريب من حدود مديرية نهم، وفي اليومين التاليين 19 و20 ديسمبر2015م, تعمقت قوات الجيش القادمة من مأرب، والجوف داخل مديرية (نهم ( شرق العاصمة صنعاء والتابعة لمحافظة صنعاء حيث سيطرت على جبل “الدود” ثالث جبل مطلّ على “فرضة نهم” التي يوجد بها عدة ألوية عسكرية منها اللواء / 312 / مدرع التابع لصالح، والحوثيين، واللواء/ 314 / مدرع.
واجهت القوات الحكومية مقاومة شرسة استمرت حتى فبراير 2016م، حين استطاعت السيطرة على معسكر اللواء /312 / مدرع في (نهم).
اليوم لم يبق لمليشيات الحوثي وصالح في نهم سوى شراذم من عناصر مليشياوية تتحصن في أعالي كهوف منيعة متسلحة برشاشات متوسطة وكاتمة للصوت يصل مداها القتالي إلى حوالي خمسة كيلومتر مع تمكن تلك المليشيات من زراعة آلاف الألغام في كل الأراضي المحيطة بتلك الكهوف والجبال وهذه بلا شكٍّ تعيق تقدم قوات الجيش الوطني الراغبة في التقدم للسيطرة على تلك المواقع.
وقد أظهرت مليشيات الحوثي والقوات الموالية لصالح استماتة في الدفاع عن آخر التحصينات القتالية في جبهة (ميدي) مستخدمة أقذر وسائل الحرب باعتبار جبهة ( ميدي) هي في الواقع أخر خطوط الدفاع المنيعة الشمالية الغربية لأمانة العاصمة صنعاء وبسقوطها سيكون الطريق ممهداً، وإلى حدٍّ كبيرٍ لوصول جحافل الجيش الوطني إلى قلب صنعاء حيث معقل صالح، وأبرز قيادات الحوثي، وبقايا مليشياتهم الانقلابية.
الألغام الفردية :
هناك عشرات الآلاف من الألغام التي زرعتها المليشيات الانقلابية في مسرح العمليات، والتي تعيق إلى حدٍّ كبيرٍ تقدم تلك القوات.
إنّ الألغام مع القنص المستمر لأفراد الجيش الوطني يشكل عائق عسكري يحد من تقدم تلك القوات باتجاه مديرية (أرحب) المتاخمة لأمانة العاصمة صنعاء.
ووفق تقارير منظمات دولية ومحلية يمنية، فإن مليشيا الحوثي والمخلوع صالح، متورطة بشكل مباشر في انتهاك قوانين الحرب، عبر زرع ألغام مضادة للأفراد، التي تسببت في مقتل آلاف المدنيين، وحرمان الكثير من الأهالي الذين شردتهم الصراعات الدامية مع الانقلاب، من العودة إلى قراهم بعد أن تعطلت الطرق المؤدية إليها بسبب انتشار الألغام التي لا تميز بين ضحاياها، ولا يبطل مفعولها بمرور الوقت.
وقد قدّر خبراء عسكريون أن ما قام به الحوثيون وقوات صالح يتجاوز نصف مليون لغم قدمتها إيران هدية للشعب اليمني, تمّ زراعتها في مسرح العمليات القتالية منذ البدء بعاصمة الحزم.
هذه الألغام أودت بآلاف الضحايا خاصة من المدنيين بين قتيل وجريح ومعاق وفيهم أعداد كبيرة من النساء والأطفال.
وللتدليل على فداحة الجرم الذي قامت به مليشيات الحوثي وصالح فقد قام الجيش الوطني بنزع حوالي خمسة عشر ألف لغم أرضي مضاد للأفراد من ثلاثة مناطق فقط في ثلاث محافظات شهدت انحسار مليشيات الحوثي وصالح منها.
وفي هذا الصدد يقول ( ستيف غوس)، مدير قسم الأسلحة في هيومن رايتس ووتش: “باستخدام الألغام الأرضية، تُظهر قوات الحوثيين وحلفائها قسوة بالغة تجاه المدنيين في اليمن وخاصة في تعز
وتنتشر ألغام الحوثيين في المحافظات اليمنية الجنوبية والشرقية : “عدن، وأبين، ومأرب، ولحج، وتعز”، منذ بداية انقلابهم على الحكومة الشرعية، الأمر الذي تنظر إليه دول التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، ودول المنطقة والعالم، بعين الاهتمام البالغ، وتدعو كافة المنظمات الدولية والإقليمية كافة، والمعنية بنزع الألغام، وعلاج ضحاياها وتأهيلهم، إلى تكثيف جهودها ومبادراتها للمساهمة الفنية في نزع الألغام في اليمن. وتعمل قوات دعم الشرعية في اليمن، على مساعدة الجيش الوطني لتطهير المواقع التي استهدفها الحوثيون بزراعة الألغام المضادة للأفراد، وتأمين الطرق التي عمدوا إلى الانتقام من المستفيدين منها عبر زرعها بعشرات الألغام المضادة للأفراد.
حماية المدنيين القريبة من مناطق الصراع :
حرصت قواتُ الجيش الوطني وقواتُ التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية من عدم إلحاق الضرر بالمدنيين خاصة مع اقتراب تلك القوات من مناطق مأهولة بالسكان ممّا يؤخر من تقدمها.
علق فريق الخبراء التابع لقوات عاصفة الحزم والمكلفين بتقييم حوادث الاستهداف في اليمن على ثمانية حوادث يُتهم التحالف العربي فيها باستهداف مدنيين باليمن، حيثُ قالَ : إنه تبيّن أن حالتين فقط كانتا ناتجتين عن أخطاء لقوات التحالف، بينما كانت إجراءات التحالف في الحالات الست الأخرى متسقة مع القانون الدولي.
كانت الواقعة الأسوأ بين هذه الهجمات في الثامن من أكتوبر/تشرين الأول 2016م عندما استهدفت ضربة جوية مزدوجة من قبل إحدى المقاتلات الجوية التابعة للتحالف مجلس عزاء في العاصمة صنعاء, واعترفت قوات التحالف العربي بالحادثة والتي أدت إلى وفاة قرابة 140 مدنياً.
وأبدت المملكة العربية السعودية استعدادها لتعويض أقارب الضحايا وتقديم التدخلات العلاجية للجرحى عبر نقلهم جواً إلى مستشفيات خارج اليمن، وهو ما تمّ بالفعل حيث قامت طائرات نقل مستأجرة من قبل التحالف العربي بنقل الكثير من المصابين عبر مطار صنعاء إلى عمان، ومن ثمّ إلى دول أخرى لتلقي العلاج .
وعلى الأرض لم تسجل على قوات الجيش الوطني وكذلك قوات التحالف العربي أية أخطاء لاستهداف مدنيين في مناطق القتال والعمليات الحربية.
إلا أن كل تلك الحوادث السابقة ومع اقتراب مسرح العمليات من مناطق مأهولة نسبياً بالسكان، فإن هذا العامل يكون مدعاة لأن تحتاطَ قواتُ الجيش الوطني والتحالف العربي من سقوط ضحايا مدنيين لعملياتها الحربية بالرغم من حرص مليشيات الحوثي وصالح من استخدام المدنيين كدروع بشرية بغية إصابتهم أثناء احتدام المعارك مع قوات السلطة الشرعية.
كما سجلت بعض الإصابات في صفوف المدنيين من جراء استخدام الحوثيين لبعض المدارس في الأحياء السكنية كمخازن للأسلحة أو تعمد انتقال بعض السيارات التي تقل المليشيات المسلحة أثناء مطاردتها من قبل طائرات التحالف العربي لتفرَّ من المعسكرات، وتتوارى بين المدنيين في الأسواق الشعبية في بعض المناطق المتاخمة لمناطق الصراع.
صعوبات وتحديات فنية وإسنادية يعاني منها الجيش الوطني والمقاومة الشعبية
يعتبر الجيش الوطني التابع للسلطة الشرعية حديث التكوين نسبياً حيث جرى البدء في تكوين وتعبئة وتدريب وحشد الأنساق العسكرية بعد الإعلان عن قيام عاصفة الحزم. ومعظم أفراده يجري تعبئتهم من صفوف المقاومة الشعبية.
وطيلة السنتين الماضيتين والتي أعقبت قيام عاصفة الحزم جرى العمل بوتيرة عالية وبدون كلل أو ملل في تهيئة وتكوين السرايا والكتائب والألوية العسكرية بمختلف تكويناتها المسلحة وفق قواعد الاشتباك المتناغمة مع العقيدة العسكرية التي قامت عليها فلسفة عاصفة الحزم ومرجعية السلطة الشرعية اليمنية.
إلا أنّ هذ المهمة الصعبة لم تكن مسيرتها مفروشة بالورود, فقد واجهتها صعوبات جمّة حتى بدت في أحايين كثيرة كما لو كانت مهمّة مستحيلة.
إنّ تجهيز جيش بقوامه التسليحي المتكامل وبأفراده المدربين في ظل احتدام المعارك، وعلى كافة جبهات القتال في مسرح للعمليات العسكرية يتجاوز طوله مئات الكيلومترات في مناطق مترامية الأطراف يعد مهمّة صعبة للغاية فضلاً عن أن تكون مهمة مستحيلة.
ومع تضافر الجهود الوطنية والعربية المخلصة والدعم السخي من قوات التحالف العربي وعلى رأسها المملكة العربية السعودية أمكن للجيش الوطني التابع للشرعية اليمنية من أن يرى النور وبالرغم من الخسائر الفادحة في صفوفه إلا أنه وبفضل من الله ومنّة، ومن ثم بجهود وبذل وتضحيات من قوات التحالف العربي, استطاع الجيش الوطني مسنوداً بالمقاومة الشعبية وبقوات عاصفة الحزم أن يحرز الكثير من الانتصارات، وأن يحقق الكثير من بنوك الأهداف التي حددت له.
بالرغم من كل ذلك إلا أن هناك صعوبات جمّة ما زالت تعترض طريق عمل هذا الجيش والمقاومة الشعبية خاصة في محافظة تعز والتي ترزح تحت الحصار الجائر حتى يومنا هذا وخاصة في مجال التسليح والتمويل والتأهيل والتدريب لمواجهة مليشيات جرى تدريبها بشكل جيد على حرب العصابات وعلى الحرب القذرة كما توجد أنساق من كتائب الحرس الجمهوري أعدت لخوض الحروب البرية منذ فترة طويلة، وجرى تسليحها بشكل ممتاز كما خضعت بعض كتائبها للتدريب العالي من قبل الجيش الأمريكي بحجة إعدادها لمحاربة الإرهاب كما جرى منذ فترة طويلة تسليحها بأسلحة حديثة نسبياً.
وفي جبهة (ميدي) حيث الأرض المكشوفة والمنبسطة افتقد الجيش الوطني للكثير من الأسلحة المتوسطة والثقيلة، وقد زجّ به في مواجهات غير متكافئة مع مليشيات الحوثي وقوات الحرس الجمهوري التابعة لصالح، ولم يكن يملك أثناء تلك المواجهات سوى الأسلحة الفردية, وبالرغم من تحقيقه للكثير من الانتصارات ومنها على سبيل المثال تحريره لميناء (ميدي) الحيوي والهام، والذي كان بمثابة الرئة التي تتنفس منها مليشيات الحوثي في نقل الأسلحة الإيرانية من السفن التي كانت ترسو في عرض البحر، وكانت تقوم مراكب بحرية صغيرة في نقل تلك الأسلحة إلى ميناء ميدي ومنها إلى أعالي الجبال في حجة وصعدة.
لكنّ ثمن ذلك الانتصار كان باهضاً حيث قدّم الجيش الوطني قرابة سبعمائة شهيد وأكثر من ألف جريح وبالمقابل فقد خسرت مليشيات الانقلابيين الآلاف من قواتها بين قتيل وجريح وأسير.
وبالإمكان تلخيص أبرز التحديات والصعوبات التي تعترض مسيرة الجيش الوطني في طريقه لحسم المعركة لصالح السلطة الشرعية في اليمن على النحو التالي:
ضعف في تناغم الأنساق القتالية في جبهة مترامية الأطراف تمتد لمئات الكيلومترات خاصة أثناء ألعمليات الهجومية. عدم اكتمال القدرات الإدارية للجيش الوطني في الكثير من مرافقه الحيوية مما يضعف من قدراته الإسنادية وبالذات أثناء المواقف الحرجة تذبذب الولاءات القبلية في مناطق العمليات القتالية مما يتسبب في إرباك العمليات القتالية، ويوهن من أدائها، فتضطر كثير من الأنساق القتالية في بعض الأحيان إلى التراجع عن تنفيذ خطط هجومية. بعض من ظواهر الفساد تعاني منه بعض قطاعات الجيش الوطني. خلط الأوراق :
خلط الأوراق عند بعض اللاعبين الإقليميين في الشأن اليمني مما يؤثر على الخطط العسكرية، ويربك من تقدمها في ميادين القتال, وحيث يعد هذا الملف من أخطر الملفات الشائكة التي تعترض مسيرة الحسم لعاصمة الحزم والذي يعرقلها من أن تحقق أهدافها الاستراتيجية في إنهاء الانقلاب وعودة السلطة الشرعية ممثلة بالرئيس المنتخب ديمقراطياً (عبد ربه منصور هادي) في ممارسة سلطاتها السيادية من داخل العاصمة صنعاء بدلاً من العاصمة المؤقتة للسلطة الشرعية في مدينة عدن.
وهنا يبرز لاعبون إقليميون ودوليون أكثر ألعابهم مأساوية هي التي يقومون بها من تحت طاولة قيادة السلطة الشرعية من جهة وقيادة التحالف العربي من جهة أخرى.
وللأسف الشديد فقد جرى تبني استراتيجيات وأهداف لتلك القوى اللاعبة من تحت الطاولة، وهي تتقاطع بشكل سافر مع أهداف وتطلعات الشعب اليمني والسلطة الشرعية والتحالف العربي.
فدولة الإمارات مثلاً لها هواجسها من أن تؤدي حالة الاستقرار في عدن إلى انتعاش ميناء(عدن) الاستراتيجي، فيؤثر بذلك على حركة التجارة النشطة لميناء جبل علي، وكما هو معلوم فإنّ قدراً لابأس به من تجارة الترانزيت للبضائع التي تصل إلى ميناء جبل علي ويقدرها البعض بحوالي 60% مما يصل هي في الأصل تتبع دول أفريقية, وهناك حقيقة أخرى وهي أن البواخر العملاقة الحاملة للحاويات والقادمة من جنوب شرق آسيا (الصين واليابان وكوريا الجنوبية و تايوان وماليزيا وغيرها) عند وصولها إلى منطقة مفترق الطرق في بحر العرب فيكون لديها خياران, الأول في حال رغبتها للوصل إلى ميناء جبل علي في دبي فتحتاج إلى أربعة أيام بينما تحتاج فقط إلى أربع ساعات للوصول إلى ميناء عدن, هذه المفارقة الكبيرة في عامل الوقت وغيرها تجعل ميناء (عدن) الأوفر حظاً في الحصول على حصة معتبرة من حركة التجارة الدولية في المنطقة العربية، والتي تستحوذ على نسبة كبيرة منها دولة الإمارات العربية المتحدة في الوقت الحاضر.
أمّا فيما يتعلّق بالبواخر القادمة من أوروبا وأمريكا وسواء عبر قناة السويس أو رأس الرجاء الصالح فبداهة يكون ميناء عدن اٌقرب لرسوّها من ميناء (جبل علي) في دبي بآلاف الأميال البحرية.
ولهذا فالموقف الإماراتي من قضية الحسم وفرض الأمن والاستقرار في المناطق المحررّة وخاصة مدينة عدن، وما جاورها من مدن المحافظات الجنوبية مثل : لحج، وأبين، والضالع ، وحضرموت، وشبوة،.. وغيرها بالإمكان اعتباره مشوشاً وضبابياً في أحسن أحواله.
وإذا أضيف إلى هذا المشهد الضبابي الدور الذي يقوم به ما يسمى بتنظيم القاعدة، وما يسمّى بتنظيم (داعش) وخاصّة في المناطق الجنوبية المحررّة، فإنّ صورة المشهد الدامي تزداد بؤساً وقتامة.
وكما هو معلوم فإنّه يوجد أكثر من لاعب يحرّك هذه التنظيمات الإرهابية المشبوهة، ولعل أبرزهم على الإطلاق الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، وكذلك إيران.
أمّا الولايات المتحدة الأمريكية فلديها أجندتها الخفية وأهدافها المتوارية عن الأنظار في المنطقة العربية، وهي تغلفها بالكثير من الضجيج الذي نسمعه صباح مساء حول مكافحة الإرهاب والقضاء على (داعش) وغيرها من المنظمات الإرهابية لكن أجندنها الحقيقية تتناغم تماماً مع الهواجس الصهيونية من أن تنجح عاصفة الحزم، وتحقق الحسم المأمول في القضاء على النفود الإيراني في جنوب الجزيرة العربية، فيختل ميزان القوى الذي يبدو ظاهرياً أنه يميل لصالح إيران خاصة بعد تبجّح بعض قادتها من خلال الإلان أن إيران باتت تسيطر على أربع عواصم عربية في العراق، وسوريا، ولبنان واليمن, وبالتالي تتحرر الإدارة العربية على مستوى الجزيرة العربية لتتجه نحو الملف السوري، والعراقي ؛ للتعامل معه بأيد طليقة إلى حدٍّ كبيرٍ.
وقد تبين أن تنامي النفوذ الإيراني قد عاد بفوائد جمة للمشروع الصهيوني في المنطقة العربية، وهو الذي يصب في مصلحة اللاعبين الكبار حيث زعزعة الاستقرار من خلال ما بات يعرف حديثاً في الحرب الرابعة غير المتماثلة التي تسعى أمريكا ومن ورائها الكيان الصهيوني إلى ترسيخ أوراها في المنطقة العربية، وهي تؤدي بالضرورة الى عدم تحرر الإرادات السياسية والسيادية لدول الجزيرة والخليج العربي، كما تظل مبيعات السلاح تمضي بوتيرة عالية لصالح شركات تصنيع السلاح في أمريكا وأوروبا.
وتحاول روسيا جاهدة البحث عن موطن قدم آخر في جنوب الجزيرة العربية بعد أن ضمنت قدماً في الأراضي والسواحل السورية – أو هكذا يخيل لها – ولهذا فهي تسعى إلى تفاقم الأوضاع وعدم استقرارها في جنوب الجزيرة العربية، مما يساعدها على تنامي دورها وصولاً إلى حصولها على دور مؤثر تحقق من خلاله الكثير من مصالحها في المنطقة.
وتبرز سلطنة عمان كلاعب محايد سواء في الانقلاب على الشرعية في اليمن، أو في الحرب الدائرة فيها, لكنّ حقيقة الموقف العماني لم يكن محايداً على الإطلاق منذ بداية عاصفة الحزم، وكذلك منذ فترة كبيرة سبقت عاصفة الحزم, وقد أظهر ميلاً واضحاً لصالح الانقلابيين مما يعزّز تناغمه إلى حدٍّ ما مع المواقف الإيرانية والأوروبية من عاصفة الحزم ومن السلطة الشرعية في اليمن.
ومن سابق وخلال الفترة التي تلت ثورة فبراير 2011م للتغيير السلمي وخلال الفترة الانتقالية وبعد البدء في تطبيق المبادرة الخليجية أظهر السفير العماني في صنعاء ميلاً سافراً إلى تبني أجندات تخدم مشروع الحراك الجنوبي الانفصالي ممّا أدى إلى انزعاج الرئيس (عبدربه منصور هادي) وطلبه من السلطات العمانية اعتبار سفيرها في صنعاء شخص غير مرغوب فيه ومطلوب استبداله فوراً, وبالفعل قامت السلطات العمانية باستبداله مع تقديم اعتذار على تصرفات سفيرها في صنعاء للسلطة الشرعية في اليمن, ومعروف بداهة أن السفير العماني يومها لم يكن يتصرف بسياسات بناء على قناعته الشخصية بل عبّر عن توجهات حكومته في مسقط لكن ربما كانت تنقصه اللباقة الدبلوماسية.
الضغوط الدولية :
هناك ضغوط دولية حثيثة تتعرّض لها السلطة الشرعية اليمنية وقوات التحالف العربية تارة تحت ذريعة حماية المدنيين وتارة بحجة الدواعي الإنسانية حيث تتفاقم معاناة المواطنين اليمنيين في المناطق التي تخضع لسلطة الانقلابيين ومن المفارقات العجيبة أن تلك الضغوطات الدولية لم تتعرّض للأسباب التي أدت إلى تفاقم العامل الإنساني في المناطق المحتلة من قبل مليشيات الانقلاب، ومنها الانقلاب على السلطة الشرعية، والذي كان من آثاره نهب المليشيات للمساعدات الغذائية التي تقدمها دول التحالف العربي، وأبرزها المملكة العربية السعودية للمناطق المنكوبة بفعل الانقلاب مما فاقم من تلك المعاناة الانسانية.
استطاع الانقلابيون من الحوثيين ومن أنصار الرئيس المخلوع صالح من توظيف حضورهم النشط واستثماره في أوروبا وأمريكا، وتوظيف بعض القوى الناعمة مثل:
بعض مراكز الدراسات والبحوث الفكرية. بعض من وسائل الإعلام مثل محطة بي بي سي البريطانية وغيرها بعض المنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان في أوروبا وأمريكا.
وقد كان آخرها نجاحهم في عقد جلسة استماع لبعض من أعضاء الكونجرس الأمريكي في إحدى حجرات الكونجرس في العاصمة الأمريكية واشطن دي سي.
حضر جلسة الاستماع تلك أرضية المتوكل، وسماء الهمداني، وهما محسوبتان على الحوثيين لكن قدمتا نفسهما على أنهما من الناشطات المستقلات في مجال حقوق الإنسان في اليمن، وقامتا بعرض تضليلي ماكر محاولات إدانة قوات التحالف العربي، ونسب لتلك القوات كل جرائم مليشيات الانقلاب.
وبأسلوب غاية في المكر والتضليل والخداع استطاعت تلك الجهود الحثيثة للانقلابيين من أن تحدث بعض الاختراقات في الذاكرة الجمعية لتلك المراكز من خلال مفارقات مؤلمة كاستخدام بعض الصور لجرائمها من قبيل تفجير المدارس والمساجد ودور القرآن الكريم والمنشئات الخاصة لمعارضي الانقلاب وقتل الكثير من المدنيين مثل الأطفال، والنساء، والشيوخ خاصة في محافظة تعز وفي صنعاء، وتقديم تلك الصور كأدلة مفبركة محاولة إلحاقها بما يسمى بجرائم العدوان لقوات التحالف العربي (السعودي), وللأسف الشديد فقد انطلت تلك الحيل على بعض مراكز التأثير في أوروبا وأمريكا وبدلاً من أن تدين بتلك الصور مليشيات الانقلابيين بدأت بعض الأصوات الصادرة من أوروبا وأمريكا تطالب بوقف الغارات الجوية على مليشيات الانقلاب وبفتح الموانئ، والمطارات اليمنية لكي تستفيد تلك المليشيات من إيرادات تلك المنافذ الدولية لصالح تغذية آلة الحرب والعدوان التابعة لها.
كما قامت تلك المليشيات بنهب معظم المساعدات الدولية في مجال الغذاء والدواء سواء المقدمة للشعب اليمني من قبل منظمات دولية أو من قبل مركز الملك سلمان التابع للملكة العربية السعودية من قبل بعض دول الخليج العربي، وقامت المليشيات الانقلابية ببيع المساعدات المنهوبة في السوق السوداء.
لكن لم نسمع أي من المراقبين للشأن اليمني خاصة في ملف المعاناة الإنسانية من توجيه اللوم للمليشيات الانقلابية التي تسببت في معاناة الشعب اليمني وبدلاً من ذلك أناحت باللائمة على السلطة الشرعية وقوات التحالف العربي التي لم تمنع وصول أي بواخر تحمل المساعدات الإنسانية للموانئ اليمنية.
مآلات المشهد الدامي :
لكن على الأرض يعمل الجيش الوطني اليمني ومعه المقاومة الشعبية وقوات التحالف العربي من تجاوز الكثير من تلك الصعوبات والتحديات والمعوقات، وقد استطاع في الآونة الأخيرة الانتقال لوضع أفضل يؤهله من ناحية عسكرية لإحداث اختراقات ذات حسابات ودلالات استراتيجية بحيث أضحى بالإمكان تغيير المشهد الحالي لصالح تثبيت السلطة الشرعية، وإلحاق ضربات موجعة بالمشروع الانقلابي الصفوي الإيراني.
معارك الأيام القادمة ربما تكون صادمة للمشروع الانقلابي خاصة إذا تمكنت قوات الجيش الوطني والتحالف العربي من:
-الوصول إلى مدينة (الحديدة) وميناء (الحديدة) المطلّ على البحر الأحمر وفرض تغطية نارية تمتد من ميناء (المخا) وحتى ميناء (ميدي) .
-إكمال اقتحام مديرية (باقم) في محافظة صعدة والاقتراب كثيراً من معقل جماعة الحوثي في مناطق مثل (ضحيان) و(مرّان).. وغيرها.
-السيطرة على نقبل ين غيلان في محافظة صنعاء لتصبح كل مرافق المناطق الشمالية لأمانة العاصمة مرافقها الحيوية مثل المعسكرات ومطار صنعاء وطريق صنعاء عمران تحت السيطرة المباشرة لقوات السلطة الشرعية.
-الوصول بقوات الجيش الوطني إلى منطقة (حرف سفيان) ومناطق في محافظة (عمران) مما يقطع الطريق على المليشيات بين محافظة صعدة وأمانة العاصمة صنعاء.
الأيام القادمة حبلى بالأحداث الجسام :
من المعطيات على الأرض فإنّ المعارك القادمة في مسرح العمليات القتالية سواء كانت في (ميدي) أو (الحديدة) أو (نهم) أو (صرواح) أو (شبوة) أو (تعز) أو (البيضاء) فإنّها ستكون بمثابة عمليات كسر عظم لبقايا المليشيات الانقلابية على كافة الجبهات، وستشهد غارات جوية تستهدف آخر معاقل الانقلابيين وتحصيناتهم المنيعة كما ستستهدف مدفعية الجيش الوطني على تخوم العاصمة صنعاء أهداف عسكرية حيوية ومهمة للغاية في عمق المدينة المحتلة، وسوف تصيب أهدافها بدقة بالغة متجنّبة أماكن المدنيين وتجمعاتهم السكانية.
وتظل المملكة العربية السعودية كقائدة لقوات التحالف العربي قادرة على الاستمرار في مسكها لزمام المبادرة سواء في إعلانها للبدء في عاصفة الحزم وكذلك في إسدال المشهد الأخير على هذه الحرب الدائرة رحاها منذ سنتين وفي الكثير من مسرح العمليات القتالية في عدة جبهات يمنية، وقد بدأت بالفعل بإعداد العدة للتمهيد بدعم السلطة الشرعية على إدارة المرحلة التي تلي عملية الحسم العسكري من حيث معالجة بعض الملفات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتنموية.
اليوم يجتمع في الرياض أبرز الوجاهات القبلية والاجتماعية من عموم اليمن للاتفاق على صياغة مشهد مشترك للمرحلة التي تلي عملية الحسم.
سيلي اجتماع الوجاهات القبلية اجتماعات أخرى لقادة الرأي والفكر وللسياسيين ورجال المال والأعمال بغية الاتفاق على خارطة طريق جديدة تقوم على مرجعية المبادرة الخليجية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني، وقرارات الشرعية الدولية، وأبرزها القرار/ 2216/
د.نجيب سعيد غانم
مركز أمية للبحوث و الدراسات الإستراتيجية