حكاية خلاف
العلاقات الزوجية
قالت لزوجها: أنت تؤثِر رفاقك علينا، تخرج دائماً معهم وقلَّما تُخرجنا معك.
ردّ عليها: أو تحسبين أنّي أخرج معهم ألهو وألعب؟! هؤلاء شركائي في العمل، نخرج معاً صحيح، لكننا في أثناء ذلك نتحاور ونتشاور في مصلحة عملنا وتطويره وتحسينه.
قالت في حدة : وأمور بيتنا ألا تحتاج إلى تحاور وتشاور؟! وأسرتك ألا تحتاجك لتخرج معها وتعطيها حقها من الترفيه والاهتمام؟!
ردّ عليها بحِدّة أشدّ: أنت تبحثين عن المشاكل ولا يهمكِ إلا اللهو الفارغ لأنك فارغة ولا تُقدِّرين المسؤوليات التي أحملها.
صدمتها كلمته فنظرت له في ذهول ثم صرخت في غضب شديد: أشْقَى من أجلك وأجل أولادك ثم تقول عني فارغة؟!!!
صاح في ثورة هائجة: فارغة وستين فارغة، فارغة في تفكيرك ونفسك واهتماماتك وشؤونكِ كلها.
انفجرَتْ في بكاء شديد، وانهمرت الدموع من عينيها، وانطلقت إلى غرفة النوم غاضبة حزينة من كلمات زوجها ووصفه القاسي لها.
أدرك زوجها أنه قسا عليها وآلمها، وأنه بالغ في ردّه على مطلبها الطبيعي بأن يُخرجها ويخرج معها ومع أولاده ؛ خاصة أنهم في إجازة مضى منها ثلاثة أيام لم يخرجوا فيها.
صار يفكر كيف يفعل ليُداوي ما أحدثته كلماته من جروح في نفس زوجته وقلبها.
مضت دقائق قليلة فوجئ بعدها بزوجته تخرج من غرفة النوم وهي تحمل حقيبة وعيناها محمرتان من أثر البكاء وتقول له في صوت غاضب وحزين معاً: أوصِلني إلى بيت أهلي.. لن أبقى معك دقيقة واحدة بعد الآن.
صمت لحظات حائراً ماذا يفعل.
ثم التفت إلى زوجته بهدوء وقال بصوت المنسحب من المواجهة: هذا بيتك، لاينبغي أن تخرجي منه، أنا من سيخرج.
وتوجه فوراً إلى باب الدار ففتحه وخرج تاركاً زوجته مندهشة من انتقال زوجها من حال المواجهة والتحدي والغضب إلى حال الهدوء والانسحاب والمسالَمة.
نجح انسحاب الزوج بهدوء وخروجه من البيت في تهدئة زوجته، وإطفاء ماأشعلته كلماته السابقة من حزن وغضب في قلبها، فألقت بجسدها الذي هدّه البكاء والحزن على الأريكة لتظفر ببعض الراحة والاسترخاء.
بعد قليل وجدت نفسها تنهض وتتوجه إلى المغسلة لتتوضأ، فيغسل ماء الوضوء وجهها الحزين الباكي، ويُذهب دموعها التي سالت على خديها، ويغسل معها مشاعرها الحزينة وجروحها الأليمة.
صلّت ركعتين دعت الله في سجودها فيهما أن يُصلِح زوجها لها، ويُصلِحها له، ويُصلِح بينهما.
وتذكّرت أن أولادها لم يشهدوا شجارها مع زوجها فحمدت الله أنهم كانوا في بيت جدهم.
تناولت المصحف وبدأت تقرأ منه، ومع كل آية تتلوها كانت تشعر بالسكينة تتنزل عليها.
بعد أكثر من نصف ساعة من تلاوتها من كتاب الله تعالى، دخلت المطبخ وأخذت تُجهز طعام العشاء.
أعدّت عشاء شهياً، تفننت في ترتيب أطباقه على المائدة، ثم سألت نفسها: من سيأكل هذا كله؟ زوجي ليس هنا، والأولاد في بيت جدهم.
مدّت يدها إلى الهاتف، واتصلت بزوجها، وعندما رد عليها قالت: حبيبي.. أعددت لك العشاء.. لاتتأخر أنا أنتظرك.
* * *
هذه الحكاية الحقيقية، التي حكاها لي أحد الإخوة، تؤكِّد أن المودّة يمكن أن تعود بين الزوجين في أسرع وقت؛ وذلك إذا تراجع أحدهما عن غضبه، وخَفَض جناحه، ودَفَع بالتي هي أحسن: ﴿ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾.
ولقد أمر الله سبحانه بعدم خروج المرأة المُطلّقة من بيتها، وبعدم إخراجها منه، فكيف بغير المطلَّقة؟!
إن بقاء المرأة في بيتها، وعدم خروجها منه؛ يمنع الخلاف من أن يتسع، ومن أن يعلم به آخرون كأهل الزوج و أهل الزوجة، فلا يتأزَّم ويتضخم ويصعب حلّه.
جاء في تفسير قوله تعالى: ﴿ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ﴾ : هي بيوت أزواجهن، ولكنّه يسميها بيوتهن لتوكيد حقهن في الإقامة بها فترة العِدّة _ لايُخرَجن منها ولا يَخرُجن _ ذلك أن الحكمة من إبقاء المطلَّقة في بيت الزوج هي إتاحة الفرصة للرَّجعة، واستثارة عواطف المودَّة، وذكريات الحياة المشتركة، حيث تكون الزوجة بعيدة بحكم الطلاق، قريبة من العين، فيفعل هذا في المشاعر فِعله بين الاثنين!
ويقول القرطبي في قوله تعالى: ﴿ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ﴾ أي ليس للزوج أن يُخرِجها من مسكن النكاح ما دامت في العدة، ولايجوز لها الخروج أيضاً إلا لضرورة ظاهرة، فإن خرجت أثمت ولاتنقطع العدة.
وصحيح أن هذه الآية في المطلَّقة، لكني أرى أنه يحسُن العمل بها أيضاً في الحياة الزوجية المستمرة، بل لعل هذه الحياة أولى ببقاء المرأة في بيتها وعدم خروجها منه، أو إخراج زوجها لها بسبب خلاف بينهما.
إن بقاء المرأة في بيتها إثر نزاع بينها وبين زوجها، يمنع خروجه عن دائرتهما، ويحُول دون إطالة أَمَده، كما وجدنا في الحكاية السابقةـ فقد انتهى الخلاف في الليلة نفسها، بينما لو ترك الرجل زوجته تخرج من بيتها.. فالله وحده يعلم كيف كان سيتطور الخلاف، ومتى ينتهي.
وسوم: العدد 722