اخفضوا أصواتكم
العلاقات الزوجية
من أسباب النزاعات الزوجية: الصوت العالي، سواء أكان صوت أحد الزوجين حين يصرخ غاضباً، أو صوت بكاء الأطفال و زعيقهم، أو صوت المكنسة الكهربائية، أو غيرها من الأجهزة التي تُصدِر أصواتاً عالية.
وإذا لم يكن الصوت العالي هو السبب المباشر للنزاع فقد يكون سبباً مُساعداً على زيادته وتفاقُمه واستمراره حين يصاحب النزاع فيعمل على مضاعفة التوتر والغضب.
ويشير هذا إلى حكمة من حكم النهي القرآني الحكيم الذي جاء على لسان لقمان لابنه وهو يعظه: { وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ }. لقمان(19)
قال ابن كثير: أي لاتبالغ في الكلام ولا ترفع صوتك فيما لا فائدة فيه.
قال مجاهد: إن أقبح الأصوات لصوت الحمير، أي غاية مَنْ رفَعَ صوته أنه يُشبَّه بالحمير في علوِّه و رفْعِه، ومع هذا هو بغيض إلى الله تعالى، وهذا التشبيه في هذا بالحمير يقتضي تحريمه وذمَّه غاية الذمّ.
قال رسول الله (ﷺ): (إذا سمعتم أصوات الدِّيكة فسلوا الله من فضله؛ فإنها رأت ملَكَاً، وإذا سمعتم نهيق الحمير فتعوذوا بالله من الشيطان؛ فإنها رأت شيطاناً). متفق عليه.
وتأتي الدراسات العلمية الحديثة لتُظهر الأضرار البليغة للأصوات العالية على الصحة العامة، والسمع خاصة، ومنها دراسة الدكتور فيلي بوتولو أستاذ علم النفس بجامعة ميونخ بألمانيا ويذكُر فيها أن الأصوات المرتفعة تؤذي السمع أذىً يزيد تبعاً لشدة الصوت ومدّة سماعه؛ فصوت الانفجار -مثلاً- يؤثر في السمع تأثيراً مؤقّتاً إذا لم يكن قريباً جداً، بينما الذين يعيشون في أجواء صاخبة دائماً عرضة للإصابة بالصمم، لأن الأصوات العالية تخرِّب النهايات العصبية الخاصة بسماع الأصوات الشديدة، وفي الأُذُن حوالي ثلاثين ألف نهاية عصبية تسمع الدرجات المختلفة للأصوات، وإذا تعطَّلت واحدة من هذه النهايات فُقدت إلى الأبد.
ومن أضرار ارتفاع الأصوات والضجيج: الإصابات بالصداع، واضطراب وظائف دماغية منها تنظيم الحرارة والتنفس، وتأذّي القشرة الدماغية بشدة، وارتفاع الضغط والكوليسترول، واضطراب القلب ووظائفه، وازدياد إفراز هرمون الأدرينالين؛ ولهذا كله تزداد وفيّات السكتات القلبية في أماكن الضجيج العالي.
ولنا -بعد معرفة هذه الأضرار والآثار-، أن نُحذِّر الزوجين من التساهل في رفع صوتيهما، وإحداث الضجيج في بيتهما، لأنه يؤثر سلباً في حياتهما الزوجية واستقرارها، وينال من وفاقهما، ويُسهم في نزاعهما.
ويأتي السؤال: وكيف نفعل لتحقيق ذلك؟
هذا ما أُوصي به:
- لنستحضر قوله تعالى على لسان لقمان: "وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ" فنغضض من صوتنا حين نجده مرتفعاً.
وكذلك نستحضر تشبيه الصوت المرتفع بصوت الحمار الُمنكر، فكما يضيق أحدنا إن شبَّه آخَرُ شكله بشكل الحمار أو بصفة من صفاته، فإن علينا أن ننزِّه أنفسنا أن تُشبِه أصواتنا أصوات الحمير فترتفع مثلها.
- لنحرص على كتم الأصوات المرتفعة في البيت أو خفضها، كصوت الأطفال حين يلعبون، أو حين يبكون، سواء من أجلنا نحن، أو من أجل جيراننا، أو حتى من أجل أطفالنا حتى يتربوا على عدم رفع أصواتهم خارج البيت أيضاً.
- الضجة التي تُحدثها الأجهزة كالغسالة والمكنسة الكهربائية وسواهما تُزعج أيضاً، فإذا قيل إنه لابدّ من استخدامها فلنحرص على أن يكون وقت استخدامنا لها في النهار، وحين لايكون أحد في البيت نائماً.
- ليجلس الزوجان معاً، وليتعاهدا على أن يخفض كل منهما صوته في حديثه، وأن ينبهه الآخر إذا وجده عالياً، ولكن بلطف ورفق، وإذا نفى أحد الزوجين أن يكون صوته عالياً فليُسجِّل له الآخر كلامه حين يرتفع صوته ليُسمعه إياه فيما بعد.
ولقد تكررت شكاوى الأزواج الذين يستشيرونني في نزاعاتهم من ارتفاع الصوت، حتى في الحوار العادي المتبادل بينهم، وضيقهم بهذا ضيقاً كبيراً.
فيا أيّها الأزواج الفضلاء والزوجات الفاضلات، اخفضوا أصواتكم طاعة لربِّكم سبحانه، ولنبيِّكم (ﷺ)، وراحةً لأسماعكم وأبدانكم، وحِفظاً لصحتكم، ورحمة بأطفالكم الذين يُفزعهم صراخكم، وحماية لزواجكم من التصدّع والانهيار. وفقكم الله.
وسوم: العدد 722