العرب اليوم أسوأ حالاً مما كانوا في الخامس من يونيو 1967

نصف قرن مضى على هزيمة العرب الكبرى في الخامس من يونيو 1967 أمام إسرائيل الصغيرة التي كان عمرها حينئذ 19 عاما ، وعدد سكانها لا يزيد على مليونين ونصف . كانت الهزيمة صاعقة مفاجئة للعرب ، وكان النصر الكبير السريع ، أسرع نصر في التاريخ مثلما وصف يومئذ ، مفاجئا لإسرائيل في كبره وسرعته على الأقل . أما حدوثه فهي كانت مستوثقة منه وإلا لما بادرت إلى الهجوم . كان لديها معلومات دقيقة عن عدد ونوعية وتسليح الجيوش العربية الثلاثة التي ستقاتلها ، ومستوى تدريبها وقدرتها على الأداء القتالي . وكل هذا دفع العسكر فيها إلى الضغط على المستوى السياسي بقيادة ليفي أشكول رئيس الوزراء الذي تردد في المبادرة إلى الهجوم . وذهب وفد عسكري إلى واشنطون وأكد للمسئولين الأميركيين ثقتهم في الانتصار على العرب ، وبالتحديد على الدول  التي ستواجههم في جبهات ثلاث : مصر وسوريا والأردن . حقيقي أن العسكريين الإسرائيليين خالجهم خوف من الحرب ؛ إذ كانوا يقدرون أن العرب سيؤلمون إسرائيل بقدر لا بأس به ، وعلم أن رابين رئيس الأركان أسرف في التدخين قبل اتخاذ قرار الهجوم وبعد بدئه إلا أنهم كانوا مستوثقين من نجاح هجومهم ، وهو ما حدث بأكبر وأسرع من كل حساباتهم وتمنياتهم . ولسنا  هنا في موضع بيان مسببات الانتصار الإسرائيلي والهزيمة العربية إلا أنه لا مشكلة في بيان بعض هذه الأسباب موجزة :

اولا : جدية إحساس إسرائيل بالخطر على وجودها من الكثرة  العربية المتطلعة إلى إزالتها ، وتحرير فلسطين ، ونخص " الكثرة العربية " ؛ لأن بعض العرب كانوا لا يريدون إزالتها ، وتمنوا هزيمة الأكثرية العربية المريدة لهذه الإزالة .

ثانيا : وفرة ودقة المعلومات الإسرائيلية عن الجيوش العربية المواجهة لها ، ويقابل هذه الوفرة والدقة قلة المعلومات العربية عن الجيش الإسرائيلي وافتقارها إلى الدقة .

ثالثا : الخطأ الميداني الذي وقعت فيه القيادة العسكرية المصرية بتفرقة قواتها في مساحة واسعة من أرض صحراوية يجهلها ضباط وجنود هذه القوات ، وقيل قديما : " قتلت أرض جاهلها " ، وهذا سهل على القوات الإسرائيلية بعد تدمير 85 % من الطائرات المصرية في قواعدها في  الساعات الثلاث  الأولى من الهجوم ؛ أن تخترق الدفاعات المصرية في محاور الجبهة الثلاثة : الشمالي والأوسط والجنوبي ، وأن تصل إلى القناة يوم الأربعاء ، ثالث أيام الحرب ، واليوم الذي قبلت فيه مصر وقف إطلاق النار وفق قرار مجلس الأمن 233. ومن دلائل سوء نشر القوات المصرية على عجل في سيناء احتلال القوات الإسرائيلية لموقع مصري أمامي في منطقة أم بسيس في السابعة والنصف من يوم 5 يونيو ، أي قبل الهجوم الجوي الذي بدأ في التاسعة إلا ربعا ، ومن هذه الدلائل أيضا تحرك القوات الإسرائيلية باتجاه منطقة العوجة الحدودية ليلة 4 /5 دون أن يعلم به قائد المنطقة الشرقية المصرية المسئولة عن جبهة سيناء إلا ظهر ا. ومن أخطاء القيادة العسكرية المصرية أثناء الاستعداد  للحرب أن اتصالاتها السلكية واللاسلكية كانت مفتوحة على الهواء ، وعلى نقيضها  الاتصالات الإسرائيلية التي كانت تبلغ باليد مباشرة ضمانا لسريتها ، وحين بدأ الهجوم انفجر هواء الجبهة بالأصوات العبرية العسكرية ذات الصلة به .

                                 ***

هذه الأيام ، تكمل ذكرى الحرب نصف قرن ، تقوَت فيه إسرائيل حتى صارت لها الغلبة في المنطقة ، وانتكس العرب الجادون في معاداتها ، الواعون لحقيقة خطرها ، إلى حال رهيبة من التمزق والوهن ومشقة استبقاء الكيانية القطرية بعد أن كانوا يستهدفون الدولة العربية الواحدة . وجاهر العرب الذين ولدت أنظمتهم مع إسرائيل في مشروع غربي صهيوني واحد عن هويتهم الانتمائية لهذا المشروع ، وعن مهمتهم الوظيفية فيه  التي استوجبت أن يمنحهم الغرب ممثلا في أميركا وبريطانيا تحديدا حكما وراثيا تكفل بحمايته من الخطر الداخلي والخارجي . ويسرعون الآن مطمئنين إلى محالفة مكشوفة مع إسرائيل ، ولا نقول " مصالحة " ؛ فهم ما كانوا يوما معادين لها إلا خداعا ونفاقا . وأميركا الراعية الكبيرة لهذه الأنظمة ولإسرائيل ، على تباين في مستوى ونوعية احتياج الطرفين إلى هذه الرعاية ، تضع كل ثقلها لتنظيم هذه المحالفة ، وتفعيل آليات تحقيقها عسكريا واقتصاديا وسياسيا وثقافيا . وكل من يعترض طريق هذا التوجه ، وكل من يقاوم لاستبقاء شيء من الحق العربي والهوية العربية والإسلامية يوصم بالإرهاب والعدوانية ، ويضرب وتسلب شرعيته .

                                ***

بعد نصف قرن من هزيمة الخامس من يونيو العسكرية ، نحن مهزومون في كل شيء ، ليس لقوة أعدائنا ، ولا لنقص في إمكاناتنا لصنع انتصار حاسم مبين عليهم في كل شيء ، ولكن لأن هؤلاء الأعداء هزمونا من الداخل بتولية طبقات حكم متصلة بهم اتصال مصلحة ومصير ، ولا انتصار على أعداء الخارج قبل الانتصار على أعداء الداخل ، وخلق مجتمعات العدالة والمساواة ، والشفافية في إطلاع الشعب على كل الحقائق التي تحدد في ضوئها المسئولية عن وجوه التقصير تهيئة للمحاسبة ، وعلى خفايا العبث بمصائر الناس والأوطان الذي تصوره الأنظمة المستبدة بصفته منجزات كبيرة تستوجب طاعتها والإعجاب بها . 

وسوم: العدد 723