المثالية.. هل تدمر الحياة الزوجية؟
كشفت دراسة طبية أن الساعين إلى الكمال في حياتهم هم الأكثر إقداماً على محاولات الانتحار.
وأوضح مُعِدُّو الدراسة بجامعة نيويورك أن هناك حاجة ملحّة للنظر في السعي الدائم إلى الكمال وعلاقته بزيادة مخاطر الإقدام على الانتحار.
وأشاروا إلى أن الذين يسعون إلى الكمال يصبحون فريسة لمشاعر اليأس والألم النفسي والإجهاد، وهو ما يضغط على مشاعرهم العاطفية فينهارون محبطين فلا يرون خلاصاً لهم إلا بالانتحار.
وإذا كان إحباط الساعي إلى الكمال أو المثالية يدفعه إلى الخروج من الحياة بالانتحار؛ فإن إحباط الزوجين الساعيين إلى المثالية يدفعهما إلى الخروج من الحياة الزوجية بالطلاق.
ولقد عالج الإسلام النزعة المثالية بالواقعية، فمنع اليأس، بل حرَّم اليأس من رَوْح الله وجعله كُفراً: " وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ" (87) يوسف.
جاء في التفسير: لايقنط من فرج الله ورحمته ويقطع رجاءه منه سبحانه إلا القوم الكافرون.
وعلَّمنا النبي (ﷺ) أننا جميعاً نخطئ ونُذنب، فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ﷺ): (كل بني آدم خطّاء، وخير الخطّائين التوابون). صحيح الجامع 4515.
ولقد وصفه (ﷺ) بـ (خطّاء) ولم يقل (مخطئ) دلالة على كثرة خطئه.
بل إن الله سبحانه سيذهب بنا ويأتي بغيرنا لو لم نخطئ ونذنب، فعن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال (ﷺ): (لو لم تذنبوا لجاء الله تعالى بقوم يذنبون ليغفر لهم) صحيح الجامع 5301.
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ﷺ): (لو لم تكونوا تذنبون؛ لخفتُ عليكم ما هو أكبر من ذلك: العُجْب.. العُجْب) صحيح الجامع 658.
ومن هنا نتوجه إلى الزوجين لندعوهما إلى إدراك ذلك، أنهما يذنبان ويخطئان لأنهما من بني آدم، ومن ثم فإن عليهما أن يتخليا عن النزعة المثالية المحبطة لهما، المُدمِّرة لحياتهما الزوجية، وهذا الإدراك منهما يجعلهما يتصفان بما يلي:
- الواقعية: ينظر كل منهما إلى الآخر نظرة واقعية، ويتوقف عن أحلامه القديمة بأن يعيش حياة زوجية مثالية، ليس فيها إلا الحب، والود، والتفاني، وأداء جميع الواجبات، وعدم التقصير في أي حق من الحقوق.
- المسامحة: كما وجدنا أن كل بني آدم خطَّاء، وأن الله يغفر ذنوب عباده، فحريّ بكلا الزوجين أن يتسامحا، ويتجاوزا، ويغفرا، ويتراحما.
- التعاون: فإذا ضَعُف أحدهما أعانه الآخر حتى تعود إليه قوته، وإذا ضاق به الحال أعطاه صاحبه من ماله، وإذا مَرِض كان إلى جانبه يسقيه الدواء ويرعاه، وإذا حَزِن أو اغتم خفَّف عنه وهوَّن عليه وواساه.
- ابتغاء ما عند الله: فلا يتنافسان الدنيا، ولايتسابقان عليها، بل يشتركان في ابتغاء الدار الآخرة، فلا يختلفان على مال، إذ يريانه وسيلة لهما معاً، لإقامة عيشهما، وتربية أبنائهما، لأنهما يعملان معاً لغاية مشتركة هي دخولهما الجنة معاً.
- تبادل الصبر: فكل منهما يصبر على الآخر، وهو يستحضر آيات الله المُبشرة للصابرين: (وبَشِّر الصابرين) البقرة 155، (إن الله مع الصابرين) البقرة 153، (والله يحب الصابرين) آل عمران 146، (ولئن صبرتم لهو خير للصابرين) النحل 126، (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) الزمر 10.
ولا يكتفي الزوجان بصبر كل منهما على الآخر، بل يُذكِِّّره بالصبر على الدنيا ومصائبها ويحثه عليه.
يبقى أن ندعو إلى تهيئة الشباب والبنات لهذا الفهم قبل الزواج، حتى لايُقبِلوا عليه وهم يحلمون بالسعادة الخالصة، والراحة الكاملة، والوفاق التام.
ينبغي أن نُعِدَّهم لمسؤوليات الزواج، ونُبعدهم عن كثرة الأماني والأحلام، ونُحذِّرهم من مبالغات الأوهام، عن دوام الحب والغرام، كما تصوِّره الروايات والأفلام.
إن التوقعات الكبيرة، والمثاليات غير الواقعية، في مقدمة الإحباطات التي يصاب بها كثير من الشباب والبنات بعد الزواج.
وسوم: العدد 733