ثورة الملك والشعب من وجهة نظر دينية
عندما تحل ذكرى ثورة الملك والشعب التي تصادف العشرين من شهر غشت أغسطس ،والتي حدثت سنة 1953 يتناولها بالحديث أصحاب وجهات نظر مختلفة إعلامية وسياسية وتاريخية ... ومن وجهات النظر التي تتعرض لها وجهة النظر الدينية حيث توجه الوزارة الوصية على الشأن الديني مذكرة إلى خطباء الجمعة تحثهم فيها على تناول هذا الحدث في خطبهم المنبرية . ومعلوم أن تناول منابر الجمعة لهذا الحدث يختلف عن تناول غيرها له ، ذلك أن منابر الجمعة تتعامل مع كل الأحداث مهما كان اختلاف الناس في تصنيفها على أساس أنها شأن ديني، علما بأن الدين هو منهاج حياة لا يوجد حدث في هذه الحياة يخرج عن نطاقه وإلا لما استحق الدين أن يسمى دينا . ولو وجد شيء آخر بإمكانه أن يسد مسد الدين في معالجة أمور الحياة لاختاره الله عز وجل عوضا عن الدين الذي ارتضاه للخليقة . وقد لا يروق البعض تناول مثل موضوع ثورة الملك والشعب فوق منابر الجمعة لاعتقادهم أنه موضوع لا يصلح أن يكون حديث هذا المنبر . وسبب هذا الاعتقاد وهذا الموقف هو فكرة إخراج بعض قضايا الحياة عن دائرة اهتمام الدين وهو خطأ في الاعتقاد . وقد نتفق مع الذين لا يقبلون معالجة موضوع ثورة الملك والشعب فوق منبر الجمعة على طريقة أوبأسلوب جهات أخرى لا تنطلق من قناعة دينية . ولا بد أن يكون تناول هذا الحدث وغيره من الأحداث التي تنعت بالوطنية تناولا دينيا فوق منابر الجمعة وذلك من خلال البحث عما يؤطرها في كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم . وفي هذا التناول ما يقنع الأمة بأن دينها بالفعل منهاج حياة يغطي كل أحداث الحياة ، ويقنعها أيضا أنها حين تتعامل مع الأحداث تكون في صميم التدين والعبادة ، وأن كل ممارستها في الحياة هي تدين وعبادة .
بعد هذا التقديم نعرض وجهة نظر الدين الإسلامي في حدث ثورة الملك والشعب وذلك كالآتي :
لما كان الدين الإسلامي منهاج حياة ، فإن القرآن الكريم وهو الرسالة الخاتمة الموجهة للبشرية إلى قيام الساعة يتضمن صفات تميز الإنسان المنخرط في هذا الدين ، وهي صفات تكررت وتعددت في هذه الرسالة الخاتمة . ومن هذه الصفات صفة الانتصار على البغي ، وقد وردت هذه الصفة في سياق استعراض صفات أخرى في سورة الشورى إذ يقول الله عز وجل : (( فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون )) هذه مجموعة صفات المؤمنين منها صفة التوكل على الله عز وجل، وهي صفة تعكس رسوخ الإيمان وقوته وقوة اليقين إذ لا يتوكل التوكل الصحيح إلا مؤمن قوي الإيمان واليقين بمعية الخالق الملازمة له في كل أحواله . ومن تلك الصفات أيضا صفة الاستقامة، وهي صفة تجعل الإنسان يراقب خالقه الذي لا تأخذه سنة ولا نوم في كل وقت وحين الشيء الذي يجنبه إسخاطه بفعل مستقبح فاحش أوآثم . ومن تلك الصفات أيضا العفو عند الغضب ، وهي صفة أخلاقية راقية تجعل الإنسان يحاكي عفو خالقه، ويرقى بذلك إلى مستوى التكريم الذي خصه به . ومن تلك الصفات صفة الاستجابة لله تعالى، وهي صفة تعكس مدى طاعة الإنسان إذ لا يستجيب لربه إلا مطيع بما تعبده به من عبادات وقد ورد منها إقامة الصلاة والإنفاق . ومن تلك الصفات أيضا صفة الشورى بين المؤمنين، وهي صفة تعكس مدى السلوك الحضاري لهؤلاء حيث يتقاسمون تدبير شؤونهم دون أن يسود بينهم استبداد، وهو ما يدل على سيادة العدالة بينهم لأن الشورى أساس هذه العدالة . ومن تلك الصفات صفة الانتصارعند حدوث البغي ،وهي صفة تعكس مدى عزة المؤمنين الذين لا يرضون بالدنية في دينهم وهو دين عزة مصدرها عزة رب العزة جل جلاله مصداقا لقوله تعالى : (( ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين )) وهي الصفة التي تعنينا فيما يخص تناول حدث ثورة الملك والشعب . ومعلوم أن قوله تعالى : (( والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون )) نزلت كما جاء في كتب التفسير في المسلمين بمكة قبل الهجرة والذين نالهم بغي الكفار والمشركين . ومعلوم أن البغي هو الاعتداء على الحق ، ولا يكون ذلك إلا بالباطل . ولقد نال بغي كفار قريش من الفئة المؤمنة، وكان عبارة عن أصناف من الأذى تحقيرا، وإذلالا ،وتعذيبا للذوات، ومصادرة للأموال... وغير ذلك ، ولقد أذن لهم الله عز وجل بعد ذلك بالقتال فقال عز من قائل : (( أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق )) . ومعلوم أن الانتصار عند حدوث البغي صفة راسخة في المؤمنين، وقد أكد ذلك قوله تعالى : (( هم ينتصرون )) بصيغة المضارع الذي يفيد الاستمرار والتجدد . ومعلون أيضا أن العبرة بعموم لفظ القرآن الكريم لا بخصوص سببه، لذا تلازم هذه الصفة المؤمنين في كل عصر ومصر . ومن الأمم المسلمة التي نالها البغي الأمة المغربية التي ابتليت بأشرس وأحقد محتل زعم أنه احتل أرضها لحمايتها، وقد سمى احتلاله حماية تمويها على نواياه الخبيثة التي كانت طمعا في خيرات الوطن التي استنزفها قبل أن يرحل مندحرا . ولقد كانت صفة الانتصار عند حدوث بغي هذا المحتل مشتركة بين العرش والشعب أو القيادة والأمة ، ذلك أن السلطان محمد بن يوسف رحمه الله لم يرض باحتلال وطنه، لهذا نفاه المحتل خارج الوطن، وحاول أن ينصب مكانه سلطة غير شرعية رفضها الشعب ،وثار لنفي قيادته الشرعية، واندلعت مواجهات عنيفة بينه وبين جنود الاحتلال وسقط العديد من الشهداء، وأسر العديد من المجاهدين والمقاومين ، وقد جسد ذلك صفة الانتصار عند حدوث البغي عند الشعب كما تجسدت عند العرش، وبالتعبير الديني نعبر عن ثورة الملك والشعب بجهاد ملك وشعبه أو انتصار ملك وشعبه عند حدوث بغي المحتل .
والطرح الديني لقضية ثورة الملك والشعب هو أصح طرح إذا ما قورن بغيره من الطروحات التي تلامس القضية سياسيا أو تاريخيا بفعل التأثر بفكرة فصل الدين عن السياسة وهو من تأثير الطرح العلماني الذي يقدم نفسه بديلا عن الطرح الديني بكبرياء وغرور . وليس من صالح الطرح العلماني، وهو من مخلفات الاحتلال أن يعزى حدث ثورة الملك والشعب للدين ،ولا يمكن أن ينسى المحتل وهو مصدر العلمانية أن الوازع الديني هو الذي جعل العرش والشعب ينتفضان عليه، ويطردانه من أرض دينها الإسلام ، لهذا لا يدخر المستلبون بالطرح العلماني جهدا لتفسير هذه الثورة تفسيرا بعيدا عن التفسير الديني .
ويجدر بالشباب المغربي ، ونحن نحيي ذكرى ثورة الملك والشعب أن يتشبث بصفة الانتصار عند حدوث البغي كما تشبث بها الآباء ، فينتصر ضد مخلفات الاحتلال وعلى رأسها قيمه المادية والليبرالية والعلمانية التي تحاول الإجهاز على قيمنا الإسلامية لتستبدلها بقيم منحطة . وليس من الانتصار على البغي في شيء أن ترتفع أصوات المستلبين علمانيا بتعطيل نصوص القرآن الكريم ونصوص الحديث الشريف على غرار ما حدث في القطر التونسي حيث أعلن عن تعطيل نص : (( للذكر مثل حظ الأنثيين )) وهو مقدمة لتعطيل نصوص أخرى لا ترضى عنها العلمانية التي هي عقيدة محتل الأمس الذي بغى علينا بعسكره، وهو اليوم يبغي علينا بحضارته وثقافته العلمانية الخربة ، وقد جنّد واستأجر لذلك طابورا خامسا مدسوسا بيننا يقوم بالدعاية لمؤامراته ودسائسه تحت عناوين براقة تغري الأغرار ، و لكن لا يخفى مكرها الخبيث على أكياس المؤمنين .
وسوم: العدد 734