السياحة ، والسًيران الديني .. بين سيحوا ، وسيروا

د. مجاهد بن حامد الرفاعي

يقول البعض .. أنه ليس في الإسلام ما يسمى بـ ( السياحة الدينية )  مثلما هو موجود لدى أصحاب الديانات القائمة على الرهبانية .. فالمقدس هو ما قدسه الله ، والآثار القديمة ليست مما يعظم ، ومن ثم فالنظرة إليها تكون مثل غيرها من المعالم السياحية الأخرى .. وأن الشعائر ، والمشاعر المقدسة .. هي التي عظمها الإسلام ، وليست في حكم الآثار، ولا يليق إطلاق اسم ( سائح ) على من قصد الحج ، والعمرة ، والزيارة .

ولكي نجيب على هؤلاء الخالطين للمفاهيم .. لا بد لنا أن نتطرق إلى عدة معاني .. لكي نوضح الصورة كاملة :

مفهوم السياحة لغة عند العرب ؟ جاء في لسان العرب لابن منظور .. أن السياحة مصدر ساح يسيح سيحًا وسيحانًا إذا جرى على وجه الأرض .. والسياحة .. الذهاب في الأرض ( للعبادة والترهب ) والسياحة أيضا .. التنقل من بلد إلى بلد طلبا للتنزه والاستطلاع والكشف .. وقال ابن حجر ( وحقيقة السياحة ) أن لا يقصد موضعًا بعينه يستقر فيه .

مفهوم السياحة في القرآن الكريم ، والسنة النبوية ؟

·        يقول الله سبحانه وتعالى : ( فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ ۙ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ ) التوبة – ٢ .. فالمقصود بقوله ( فسيحوا في الأرض ) والله أعلم : أي اذهبوا طوافين مبتعدين خارج أرض قومكم .. في أرض الله الواسعة بلا وجهة معينة .. كما يسيح ويجري الماء في الأرض . وخرج أبو داود من حديث أبي أمامة .. أن رجلا قال : يا رسول الله ، إئذن لي بالسياحة ( يقصد بالمفهوم القديم الرهبنة ، وتعذيب النفس ) فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( إن سياحة أمتي ، الجهاد في سبيل الله ) . وفي مراسيل طاوس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا رهبانية في الإسلام ، ولا سياحة ) .. فقد كانت السياحة في مفهوم بعض الأمم السابقة ( مرتبطة بتعذيب النفس ، وإجبارها على السير في الأرض وإتعاب البدن .. عقابا لها أو تزهدا في دنياها ) فأبطل الإسلام هذا المفهوم السلبي للسياحة .. ولذلك قال شيخ الاسلام .. في اقتضاء الصراط المستقيم : ( وأما السياحة التي هي الخروج في البرية ، من غير مقصد معين فليست من عمل هذه الأمه ) .. ولهذا قال الامام أحمد : ليست السياحة من الاسلام في شيء ، ولا من فعل النبيين ولا الصالحين .

مفهوم السير في القرآن الكريم ؟

ومن مقاصد السير في الإسلام  ( الاعتبار والادِّكار ) قال القاسمي رحمه الله .. في محاسن التأويل ( ١٦ / ٢٢٥ ) هم السائرون الذاهبون في الديار .. لأجل الوقوف على الآثار ، توصلا للعظة بها والاعتبار .. وقد جاء في القرآن الكريم الأمر والتوجيه بالسير في الأرض .. في عدة مواطن كالتالي :

قال تعالى ( قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ) الأنعام / ١١ . وقال تعالى ( قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ ) النمل / ٦٩ . وقول الحق ( قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) العنكبوت / ٢٠  .. وقوله سبحانه ( قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُم مُّشْرِكِينَ ) الروم / ٤٢

وخلاصة القول :

أما قبل :  فنسرد حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ .. الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  ، وَمَسْجِدِ الْأَقْصَى ) .. ونفهم هنا أنه .. لا يجوز إنشاء سفر ( لقصد مكان مقدس .. غير هذه الأماكن الثلاثة  ) ولا يعني ذلك حرمة زيارة الآثار الإسلامية في بلاد المسلمين فإن زيارتها مشروعة ومستحبة .. بل مأمورون بها من الله تعالى .. وإنما المقصود من المنع في الحديث الشريف هو إنشاء السفر لهذا الغرض ( فإذا كان له قصد آخر من السفر ، وجاءت الزيارة تابعة فلا بأس )  . 

أما بعد : أما آن الأوان للامتثال لتوجيه من الله تعالى ( سِيرُوا فِي الأَرْضِ ) وتهيئة هذه الأماكن للمسلمين  لزيارتها  والاتعاظ بها ، ورؤية ما تحدث الله عنه عن الأمم البائدة في كتابه العزيز .. فهي آيات تركها الله شاهدة على تلك الأمم لنراها ، كما ترك بدن الفرعون آية .. ففي هذه الآيات القرآنية حث شديد على السير في الأرض .. وزيارة ديار المعذبين ودخولها للعظة والاعتبار والتفكر بقدرة الله تعالى وعظمته وجبروته .. وكيف أهلكهم بكفرهم ، وعاقبهم لما عصوه .

وختاما : يوجد الكثير من المساجد ، والآثار الإسلامية المرتبطة بأحداث نبوية .. في كل من مكة المكرمة ، المدينة المنورة .. وأكاد أجزم أن كثير من المسلمين لا يعلمون عنها شيئا ...

ومن هذه الآثار في مكة المكرمة (  مسجد الجن ، مسجد البيعة ، مسجد الشجرة ، مسجد الراية ، مسجد انشقاق القمر ، مسجد ابراهيم ، مسجد التنعيم ، مسجد الحديبية ، مسجد الجعرانة ، مقبرة المعلاة ، مكان ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم ، جبل أبي قبيس ، جبل حراء أو جبل النور ، جبل ثور ، شعب أبي طالب ) .... ومن آثار المدينة المنورة ( مسجد الغمامة ، مسجد الفتح - المساجد الستة ، مسجد القبلتين ، مسجد قباء ، جبل أحد ، مقبرة البقيع ، بئر أريس ، بئر غرس ، وادي العقيق المبارك  ) .

وسوم: العدد 736