الثورة السورية ومستقبل البشرية 1

الثورة السورية ومستقبل البشرية

الحلقة الأولى

أبو طلحة الحولي

مقدمة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .  ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ (آل عمران : 102) ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ (النساء :1) ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا  (الأحزاب :70-71)

سوف يتساءل البعض ما علاقة سوريا ذات الدولة الصغيرة بالبشرية ، ولماذا نحشر مستقبل العالم كله بدولة يبلغ تعداد سكانها 23 مليون نسمة ؟ يثور على حاكم طاغ وظالم ووحش ، دمر الأخضر واليابس ، والحجر والجماد والكائنات الحية ، وقتل الأطفال والنساء والرجال ..

ما علاقة هذه الثورة بمستقبل البشرية ؟

ولماذا هذا التضخيم لهذه الثورة ؟

لا يوجد تضخيم لهذه الثورة المباركة ، ولا يوجد تكبير لحجمها ودورها في صناعة مستقبل العالم العربي والإسلامي والعالمي ..

وإنما هذا هو الواقع .. فالعالم كله حكاما وشعوبا منشغل بالثورة السورية متآمرا عليها ، أو متفرجا عليها ، أو داعما لها ..

إن الثورة السورية مختلفة عن أي ثورة قامت في الغرب أو في الشرق ، ولا يمكن فهم هذا التآمر العالمي إلا من خلال تدمير الحدود الجغرافية ووضع الثورة في مكانها الحقيقي ، وبعدها الاستراتيجي ، وخصائصها الإنسانية ، ومنظومتها الحضارية ، فالثورة ثورة كل إنسان منصف على وجه الأرض ، والثورة ثورة كل الباحثين عن العدل ، والحرية ، والكرامة ... وأهم الباحثين عن العدل والحرية والكرامة هي فلسطين .

إن ما يحدث في سوريا من تدمير وتآمر لا يمكن فهمه إلا من خلال ما يحدث في فلسطين ، وهذه التحركات والمؤتمرات الإقليمية والدولية بشان سوريا لا يمكن فهمها إلا من خلال علاقتها بفلسطين ..

وسياسة الوحش المدمرة ، وسياسة روسيا وإيران والصين الداعمين للوحش ، وسياسة أوربا وأمريكا والغرب بشكل عام ، التي تضع رجلا عند الوحش ورجلا أخرى عند المعارضة لا يمكن فهمها إلا من خلال علاقاتهم السياسية تجاه فلسطين ..

ولا يمكن فهم هذه العلاقة فهما صحيحا متوازنا بعيدا عن المبالغات ، وبعيدا عن التهاون إلا من خلال دينهم ومعتقداتهم وأفكارهم التي ينطلقون منها ....

إن نجاح الثورة السورية هو نجاح للبشرية ، وان فشلها لا سمح الله هو انتكاسة للبشرية في ظلمات التيه وظلمات الذل والهوان والتبعية وظلمات الحروب.

لقد كشفت الثورة حقيقة سايكس بيكو ، وأكذوبة المقاومة المزيفة المصطنعة (إيران وحزب الله ) ، وزيف مايسمى حضارة الغرب ، فالغرب الديمقراطي صاحب حقوق الانسان انكشف بصورة يراها الصغير قبل الكبير ، والجاهل قبل المتعلم ، والعامي قبل السياسي ..

إن الوحش وإيران وحزب الله هو أكبر أكذوبة للمقاومة ، رغم كل الضجيج الذي ملؤا به الدنيا ...

والغرب هو أكبر أكذوبة للحضارة والإنسانية رغم كل التقدم العلمي والمادي ..

فالمقاومة ، هي الارتفاع بالإنسان إلى أن يعبد الله وحده ولا يعبد الأصنام ..

والحضارة هي الارتفاع بالإنسان إلى أن يعيش بروحه وجسده في سلام مع النفس والمجتمع والعالم .

وقد آن للمخدوعين بالمقاومة ـ المصطنعة ـ وبالغرب أن يفيقوا ، وأن يبنوا حاضرهم ومستقبلهم في النور لا في ظلمات الانخداع ..

والبحث إلى الناس جميعا سوريين وغير سوريين ، وإلى المسلمين في كافة الأرض ، عربا وعجما ، وإلى الغرب بأديانه ومذاهبه ليفيق من سكرته ، ويخرج من ظلمته ، يبحث عن سلام النفس والمجتمع والعالم ، فالثورة السورية ثورة السلام ، ثورة الهداية ، ثورة العدالة ، ثورة الإنسان ، ثورة الحياة مع الله .

وهذا ما سوف نطرحه في هذا البحث المتواضع ﴿ إنْ أُرِيدُ إِلا الإصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلا بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ﴾

اعرف عدوك

قال تعالى ﴿ وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى  (البقرة : 120)

إن مشكلتنا الكبرى في عالمنا العربي والإسلامي والبشري أننا ما نزال مصرين على القراءة الخاطئة لمجريات الأحداث ، وحقائق التاريخ ، في معرفة المكر اليهودي والمخططات الصهيونية ، ومعرفة عدونا .

والقرآن يحدثنا والسيرة النبوية توضح لنا ومع ذلك ندفن رؤوسنا في التراب ونتجاهل هذه المعرفة الواضحة البينة .

إن التحالفات اليهودية الصليبية الوثنية ضد الإسلام والمسلمين ليست جديدة ، بل هي قديمة منذ غزوة الخندق (الأحزاب) ولم تتوقف حتى هذه اللحظة .. " ولنعد إلى كتاب الله نجد وصفاً دقيقاً لهذا الكيد من كل الأطراف الحاقدة على "لا إله إلا الله"، والأمة التي أقامت "لا إله إلا الله" واقعاً معاشاً في الأرض، أولئك هم اليهود والنصارى والمشركون والمنافقون. ما تغير موقفهم منذ أربعة عشر قرناً، وما تغيرت الأسباب التي دعتهم إلى موقفهم: ﴿ وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ﴾ ، ﴿ وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ﴾ ، ﴿ وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ .

كلا ! ليس الكيد ابن اليوم ، ولا ابن الأمس القريب... فهو قديم قديم ، وإن كانت بعض الوسائل قد تغيرت ، فإن كل جيل من البشر يستخدم في صراعاته الأدوات المتاحة له في جيله... وإنما الذي تغير حقا هو موقف الأمة الإسلامية من هذا الكيد، وليس الكيد في ذاته ولا وسائل الكيد.

إن الله ينبه الأمة في كتابه المنزل إلى أعدائها، وإلى مواقفهم، ووسائلهم، وتدبيراتهم الظاهرة والخفية، ثم يقول لهم: ﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً ﴾ .

هذه إذن هي القضية...

إنهم لن يكفوا عن الكيد أبداً ما دامت الأمة المسلمة قائمة، وما دامت هناك فرصة للنيل منها..."