الـنير الوطــني

 أ) العبد المملوك , الذي لا يملك حريته , مضطرّ للعمل عند سيد محدّد , لا يملك الفكاك ، من خدمته , مهما جار عليه , أو قسا , أو ظلم , أو أهان ..!

أمّا " الأجير " , الذي يعمل بحريته , باتفاق , أو عقد , بينه وبين مستأجره , فإنه يملك حريّة الاستمرار في عمله , كما يملك حريّة البحث عن بديل آخر يعمل عنده , بالأجر الذي يناسبه , والشروط التي يراها محقّقة لمصلحته .. 

 وقد يكون الأجير عاملاً عادياً , أو فلاحاً , أو صانعاً , أو موظفاً , أو أكاديميّاً متخصصاً بفرع من فروع العلوم , أو صحفياً , أو حاكماً..!

 ب) وما ينطبق على الفرد العاديّ - وفق هذا المنظور- ينطبق على الحاكم : رئيس دولة.. رئيس وزراء..!

 فالحاكم الذي رهن قراره – وبالتالي ؛ قرار وطنه وشعبه – بإرادة دولة معيّنة , سمح لها بالهيمنة على دولته ،عبر المساعدات الاقتصادية , و العسكريّة , والأمنيّة .. حتى ملكت كل مفاصل الحياة ، في هذه الدولة.. هذا الحاكم وضع نفسه ، في موضع ( العبد المملوك ) ,الذي لا يستطيع انفكاكاً ، من سيطرة مالكه , وإلاّ اعتبَره " آبقاً " وحكم عليه ، بالموت ,أو بالعزل ، عن " الكرسي" , وهذا موت آخر- من وجهة نظر الحاكم العبد ، وسيّده - إنّه " موت سياسي " , قد يعقبه سجن , أو نفي , أو قتل ..!

 أمّا الحاكم الذي احتفظ بقراره , وتعامل مع الآخرين , من الدول العظمى والصغرى , تعاملاً " تعاقدياً " وفق مصالح متبادلة - حتى لو كانت مصلحة الأقوى ، أكبر من مصلحة الأضعف - .. أمّا هذا الحاكم , فينطبق عليه ما ينطبق على الأجير " المتعاقد " ..!

" مع ملاحظة أن الأجراء يختلفون , قوّة , وإرادة , ووعياً , وحزماً ! فمَن مَلَك قوّة ووعياً , حقّق لنفسه ، بالتعاقد , أفضل الشروط الممكنة , على ضوء قوّته ووعيه , وقدرته على حساب مصلحته , وإدراكه لحجم قوّته , وبراعته في توظيف هذه القوّة . وهذا يختلف عن العامل التافه الخامل , الذي يعمل بطعام بطنه , والذي تسميه العرب (عُضروطاً)! ويماثل هذا العامل بطعام بطنه , ذلك العامل لمجرّد بقائه ، في كرسيّ الرئاسة , مع الفروق بين موقع هذا وموقع ذاك ..!" .

 ج ) والآن .. لنلقِ نظرة على ما يلي :

 1 - على حكام العالم العربي .. لنرى : مَن منهم رهَن قراره وقرار شعبه ودولته , بالقواعد العسكرية , والمساعدات الاقتصاديّة , والقيود الأمنيّة , والسقطات الخلقيّة ، التي تجعل المرء، عرضة لابتزاز الآخرين.. فصار عبداً ( بامتياز) ، وصار أبناء دولته عبيداً ، بالتبعيّة ..!

 - ومَن منهم احتفظ ، بشيء من حرّيته وقراره ، وباع شيئاً.. فصار حرّاً ، بالقدر الذي احتفظ به , وعبداً ، بالقدر الذي باعه ..!

 - ومَن منهم احتفظ بحريته ، كاملة , وبالتالي ؛ بقراره كاملاً, فهو حرّ، فيما يأخذ وما يدع , وحرّ في تعامله ، مع هذا الفريق الدولي ، أو ذاك ..!

 - ومَن منهم فقد همم الرجال , وإرادات الرجال , فصار بليداً خاملاً – برغم احتفاظه ببعض حريته – وصار همّه في الحياة : خدمة الآخرين الأقوياء , ليتركوه ، على كرسيّ الحكم ، أطول فترة ممكنة , كما يفعل " العضروط " الذي يخدم الناس ، بطعام بطنه , ولا شيء يهمّه ، بعد ذلك ..!

 2- على شعوب العالم العربي .. لنرى :

 - كم عدد الأفراد ، الذين يؤيّدون حكامهم , ويعطونهم أكثريّة الأصوات , في انتخابات حرّة نزيهة , بين الشعوب العربية قاطبة , وبلا استثناء .. " وبالطبع نحن لا نتوقع ، أن يسمح أيّ نظام حاكم ، بأي استفتاء في بلده , في هذا الشأن .. لأن مثل هذا الاستفتاء ، يكشف الحقائق المرّة , التي لا يرغب الحكّام، في عرضها، واضحة ، أمام الناس.. برغم معرفة الناس والحكام بها.." !

 - كم عدد الحكّام ، الذين يحظون بحبّ شعوبهم ، حبّا حقيقيّاً , وباحترام شعوبـهم ، احتراماً حقيقيّاً , بصرف النظر، عن الجماهير، التي يحشدها زبانية الحكّام ، في المناسبات , لتهتف للحكّام , وتصفق لهم .. وتفديهم ، ب : ( الروح والدم ) !؟

 - ثمّ : ما الذي يمكن أن تفعله الشعوب الحرّة – غير المكبّلة بقيود حكامها – إزاء اعتداء الأجنبي على حرّياتها, ونهبه لثرواتها , وانتهاكه لمقدّساتها ..!؟ وما البدائل التي يمكن أن تلجأ إليها , في علاقاتها الدوليّة – عبر حكّامها ، المنتخبين بحريّة ونزاهة - ؟ وما البدائل الاقتصادية ، التي يمكن أن تبتكرها لنفسها , للتخلص من مخالب المؤسّسات المالية ، الاستغلاليّة الدوليّة : ( البنك الدولي .. صندوق النقد الدولي .. ) !؟

 3- على الدول الصناعيّة الكبرى , ذات المصالح الواسعة خارج حدودها ، مثل :

 " فرنسا – روسيا – ألمانيا – الصين .. " .. لنرى :

 - كم تحرص هذه الدول , على إقامة علاقات سياسيّة واقتصاديّة متينة ومستقرّة , وموثوق بها , مع الدول الصغيرة , والضعيفة ,, مثل دولنا العربيّة , سواء ما كان من دولنا هذه ، نافعاً للدول الصناعيّة بنفطه , وما كان منها نافعاً بأسواقه , أو بثرواته الخام,أو بموقعه الاستراتيجي , أو حتى بمجرّد كونه حليفاً حرّاً - غير مستعبد للأمريكان - يُطمأنّ إليه ، في علاقاته الدوليّة !؟

 د) وإذا وصلنا إلى هذه الرؤية :( رؤية الحكام وواقعهم , ورؤية الشعوب وواقعها ، وإمكاناتها ، وبدائلها الممكنة .. ورؤية الدول ، ذات المصالح التي تحرص على تحقيقها ) .. إذا وصلنا إلى هذه الرؤية , تبيّن لنا ما يلي :

 1- كم يحرص الحكّام ،على البقاء في أغلال كراسيهم , مهما دفعوا فيها من أثمان , من كراماتهم ومن حريات شعوبـهم , حتى لو سُحِقت هذه الشعوب ، تحت قياداتهم , أو فنيتْ عن آخرها ..! وحتى لو ضاعت الأوطان بأسرها , أو نُهبت كل كسرة خبز ، وكل قطرة ماء ، وكل ذرّة تراب ، فيها !

 2- كم تحرص أمريكا ( راعية الحرّيات وحقوق الإنسان في العالم ) , على التمسّك بعملائها الحكّام ، الذين يقيّدون لها شعوبـهم , لتسحقها وتنهب ثرواتها !؟ وكم تدقق في اختيار بدائلها ، من الحكام العملاء , فلا تركل أحدهم ، من فوق كرسيه , إلاّ لتأتي بمن هو أرخص منه, وأكثر إطاعة لأمرها !

 3- كم يجب على الشعوب أن تدفع – وأن تعجّل بالدفع ، كسباً لما تبقّى من كراماتها وأوطانها وثرواتها – لكي تتخلص من نير أمريكا البشع ، المتمثل بالحكّام العملاء ، تحديداً, وتقيم علاقات جديدة متوازنة , مع دول أخرى ، من ذوات المصالح الدوليّة ,التي فقدت -مضطرّة- شهيّتها الاستعماريّة, ولم يبق لها ، إلاّ مصالح محدّدة ، لشعوبها , تحرص على تحقيقها ، في أيّ سوق رابح !

 4- وأخيراً : كم يجب على الشعوب , أن تدقق في اختيار قياداتها السياسيّة , التي تقودها في معركة المصير , للإطاحة بالعملاء الجاثمين على صدورها , والذين هم أخبث ( نير) ، ابتكرته أبالسة السياسة العالميّة ، لتضعه ، على رقاب الشعوب , لتسومها سوء العذاب , وهي ( الشعوب ) تتردّد في مجرّد التفكير، بنزع النير، عن رقابها , لأنه ( نير وطني) !؟ 

وسوم: العدد 746