قرار تقسيم فلسطين (181) الباطل

ضمن المؤامرة الدولية التي استهدفت فلسطين، وخططت لها بريطانيا بالتعاون مع هيئة الأمم المتحدة التي تأسست بعد الحرب العالمية الثانية، والتي انتصر فيها الحلفاء، صدر قرار تقسيم فلسطين الباطل شكلا ومضمونا. لقد اعتقد العرب أن المنظمة الدولية الجديدة ستنصفهم، ولذلك طالبوا في مؤتمر بلودان في عام 1946 برفع قضية استقلال فلسطين إلى الأمم المتحدة. لكن بريطانيا ربطت هذا الطلب ببحث مصير اليهود المشردين في أوروبا جراء الحرب، فكان في ذلك توجيه لمخرجات لجنة أنسكوب التي أنشأتها الأمم المتحدة لبحث مستقبل فلسطين في ضوء التشريد الذي لحق باليهود في أوروبا، وأوحت الأكثرية في هذه اللجنة بتقسيم فلسطين، وبطريقة التفافية تحايلية تم التوصل إلى قرار 181 بتاريخ 29/11/1947 حيث ضغطت الولايات المتحدة الأمريكية واللوبي الصهيوني على خمس دول لتغيير موقفها الرافض للتقسيم، وبتغيير موقفها تم صدور القرار. لقد امتنعت بريطانيا عن التصويت، لكنها التزمت بتنفيذ القرار بعد صدوره، وكان بمقدورها الامتناع عن تنفيذه بدعوى رفض العرب له، إذ إن القرار لن يتحقق إلا بموافقة العرب، لكن بريطانيا أجرمت مرة أخرى بحق فلسطين عندما التزمت بتنفيذ التقسيم وأعلنت عن موعد انتهاء انتدابها الباطل مع مطلع يوم 15/5/1948.

ولكن ما الذي يدعو لرفض الفلسطينيين والعرب لقرار التقسيم؟

لقد نص قرار التقسيم على إقامة دولة يهودية (لاحظ التسمية) على 56.47% من فلسطين، ودولة عربية (ولم يقل فلسطينية) على 42.88% من فلسطين، والقدس تحت الوصاية الدولية على 0.65% من فلسطين، وعلى اتحاد اقتصادي للأقاليم الثلاث المشار إليها.  

يشرف على الاتحاد الاقتصادي مجلس من 9 أعضاء، منهم 3 دوليين، و3 يهود، و3 عرب، وتؤخذ قراراته بأغلبية الثلثين، مما يعني أن كل اقتصاد فلسطين سيكون بتصرف أغلبية استعمارية منحازة لليهود أو يهودية، ومن ذلك: الاستصلاح الزراعي، والطرق، والسكك الحديدية، والبريد، والبرق، والهاتف، والجمارك، والضرائب، والعملة، والمحميات الطبيعية، والثروات الطبيعية، وخطوط الماء والكهرباء وما شابه...

ويتولى مجلس وصاية إدارة شئون القدس، ويتألف من حاكم دولي تعيِّنه الأمم المتحدة، ويعاونه عضو عربي وآخر يهودي من القدس، وتؤخَذ قراراته بأغلبية الثلثين، وبالتالي يتحكم بالقدس اليهود. كما يؤسَّس للقدس مجلس هجرة للنظر في طلبات الهجرة إلى القدس، ويتألف من تركيبة مماثلة تماماً، وتؤخَذ قراراته بأغلبية الثلثين، وبالتالي يتمكن اليهود عبره من إدخال مهاجرين جُدُد وضمان التفوق العددي ومن ثمَّ التحكم بالقدس، خصوصاً أنه سيُصار إلى ضوع دستور للقدس الدولية بعد خمس سنوات عن طريق الاستفتاء. وإذا علمنا أنه كان في القدس 100 ألف يهودي و 105 الأف عربي، فإنه إذا سمح مجلس الهجرة باستقبال 100 ألف يهودي ستصبح غالبية سكان القدس من اليهود، ويضعون الدستور الذي يناسبهم، وعندها لن يبقى وجود للعرب في القدس، وسيصبح تهويد القدس هو نتيجة منطقية لتدويلها.

نص القرار على تضمين دستور كلٍ من الدولتين العربية واليهودية نصاً يمنع السيطرة على أراضي الغير لغير المنفعة العامة، وهذا يعني شرعنة السيطرة اليهودية على أراضي العرب في الدولة اليهودية والبالغة حوالي 90% منها، حيث تستطيع الدولة اليهودية مصادرتها لأغراض النفع العام، كبناء مطارات وموانئ وطرق وسكك حديدية وملاعب ومحميات وجامعات ومستشفيات وغيرها، وليس لصاحب الأرض إلا التظلُّم أمام المحاكم اليهودية التي تقضي بالتعويض المالي بالقدر الذي تراه مناسباً وليس له حلاً آخر. بينما أراضي اليهود في الدولة العربية لا تزيد عن 100 ألف دونم فقط وبالتالي لا مجال حتى للمقايضة أو الضغط.

كما طلب القرار بوضع نص في دستور كلٍ من الدولتين بضمان وصول أصحاب الديانات إلى مقدساتهم، علماً بأنه لا مقدسات عالمية في الدولة اليهودية، وإنما تقع جميعها في الدولة العربية؛ كالحرم الإبراهيمي في الخليل، وكنيسة المهد في بيت لحم، وكنيسة البشارة في الناصرة، ولو ادّعى اليهود أن قبور الأنبياء في المسجد الإبراهيمي تخصّهم، يصبح لزاماً على الدولة العربية تأمين وصولهم إليها، ويتدخل حاكم القدس الدولي بما خوّله به القرار من صلاحيات الإشراف على كل المقدسات في فلسطين ليطلب من الدولة العربية تأمين وصول اليهود إلى "مقدساتهم" وإلا فإن سلسلة من العقوبات المتصاعدة تنتظرهم.

وبالمجمل، فغن قرار تقسيم فلسطين يؤدي إلى تهويد فلسطين والقدس وسيصبح العرب مجرد أكثرية عددية لكنها هامشية لا تملك المقدسات، ولا الاقتصاد، ولا التأثير في القرار. فأي مصلحة للعرب في قبوله؟!

لقد دخل الدول العربية حرب عام 1948م لمنع التقسيم، لكنها خرجت منها تطلب تطبيقه من خلال توقيعها على بروتوكول لوزان في 11/5/1949م الذي دعا إلى: "فضّ النزاع على أساس التقسيم... وتدويل القدس"، وهذا يعني تسليم القدس من الأيدي العربية الأردنية إلى الأيدي الدولية طواعية ليتم بعدها تهويد القدس كما أسلفنا. فأي خيانة وتفريط أكبر من ذلك؟!

كما ناضل شعبنا الفلسطيني أربعين سنة قبل أن تعلن قيادة منظمة التحرير الفلسطينية قبولها لقرار التقسيم كأساس لإعلان الدولة الفلسطينية المستقلة في 15/11/1988م، ضاربة بعرض الحائط تضحيات شعبنا الفلسطيني، مفرِّطة بالأرض الفلسطينية ومقدساتها، منكرة بالنتيجة الحتمية على اللاجئين حقهم في العودة، فكان ذلك نكبة فاقت نكبة عام 1948م.

إن قرار تقسيم فلسطين باطل وغير شرعي، ولم يُطبَّق، فلماذا يقبل به بعضنا، ولما لا نسقطه؟!

وسوم: العدد 748