الاحتفال بالمولد النبوي.. حب متعدّد وفرح متنوع
حبّ سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم متعدّد المظاهر والأشكال ويقوم به المرء بحسب صفائه وثقافته ومحيطه وتربيته وإمكاناته وإيمانه، ولا يمكن احتكار حبّ سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما لايمكن فرض حب وفرح بعينه فإنّ ذلك مما لايليق بمقام سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي جاء رحمة للعالمين ولا يليق أيضا بالإنسان الحر الذي لايقبل أن يفرض عليه فرحا بذاته ولو كان فرحا بمولد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمرء مطالب باحترام الآخر في حبّه وفرحه بسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن هذه المظاهر:
عبّر عمّ سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فرحته بمولد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن أعتق جاريته وطلب منها أن ترضعه وهو الذي ظلّ في الجحيم مخلّدا. وعمّة أبو طالب عبّر عن فرحته وحبّه لسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن قرّبه إليه ودافع عنه وناصره إلى أن مات. وسيّدتنا أمّنا خديجة رحمة الله عليها ورضي الله عنها وأرضاها عبّرت عن فرحتها بسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن طلبته للزواج ووضعت تحت تصرفه مالها وتجارتها. ونصارى الطائف عبّروا عن فرحتهم بأن سقوه الماء البارد ومنحوه العنب والراحة واسترجاع الأنفاس. والخمسة رجال من قريش الذين مزّقوا الوثيقة ورفعوا الحصار والتجويع عبّروا عن فرحتهم بسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكونوا يؤمنون برسالته الطاهرة. ومطعم بن جبير عبّر عن فرحته بسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين عاد من الطائف ومنحه الجوار حتّى أنّه تعرّض للسؤال من طرف قادة قريش، فأجاب: مجيرا وليس تابعا وعرّض في سبيل حبّه وفرحه بسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم للخطر. وسيّدنا الصديق رحمة الله عليه ورضي الله عنه وأرضاه عبّر عن فرحته وحبّه لسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن طلب منه الصحبة دون غيره فنالها وقدّم حياته وكلّ ماله حبا وفرحا. وسيّدنا علي بن أبي طالب رحمة الله عليه ورضي الله عنه وأرضاه عرّض حياته للموت المحقّق وهو الشاب الفتى ليلة الهجرة تعبيرا عن فرحته وحبّه لسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وسيّدتنا أسماء رحمة الله عليه ورضي الله عنها وأرضاها عبّرت عن فرحتها وحبّها لسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن حملت إليه الطعام في أعلى الجبل وهي حامل في شهورها الأخيرة وعرّضت حياتها للخطر والموت المحقّق. والدليل المشرك عبّر عن فرحته وحبّه بأن قاد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحراء إلى المدينة آمنا ومعرّضا حياته للموت المحقّق وكان باستطاعته أن يخون ويغدر لكنّه لم يفعل. والأوائل من المهاجرين عبّروا عن فرحتهم بأن هاجروا للحبشة وتركوا كلّ مالديهم حبا وفرحا بسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وسادتنا الأنصار رضوان الله عليهم استقبلوا سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلّ يريد أن يبيت عنده، ويريد أن يبنى المسجد في بيته معبّرين بذلك عن حبّهم وفرحهم بقدوم سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يليق بمقامه الكريم. وأقيمت الغزوات والسرايا تعبيرا عن حب وفرح سادتنا الصحابة رضوان الله عليهم بقائدهم صلى الله عليه وسلم. وعادوا لمكة فاتحين تعبيرا بفرحهم به لأنّه صلى الله عليه وسلم عاد لبيته وقبيلته. ورجعوا معه للمدينة تعبيرا لفرحهم بقائدهم الذي عاد للمدينة التي آوته ونصرته حين تخلت عنه قريش.
وإلى اليوم مازال المسلمون يبدعون في أساليب الفرح بمولد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أدب واحترام ودون منكرات ولم ينكر عليهم أحد من الأولين ولا الآخرين لأن التعبير عن الفرح بسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم له طرق واسعة وأبواب متعدّدة ليست حكرا على باب دون غيره ولا طريق دون غيرها وكلّها تؤدي إلى التعبير عن حب والفرح بسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كقراءة القرآن، ودراسة السيرة النبوية، وإطعام الطعام، وإلقاء المحاضرات، وتوزيع الجوائز، وتشجيع المتنافسين على الزيادة والحفاظ ونشر الفرح بسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ليس من الحبّ ولا من الفرح بسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفرض على محبيه والفرحين به فرحا بذاته وحبا بعينه، وليتنافس المتنافسون في الحب والفرح بما يقدرون ويستطيعون وبما يليق بمقام سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والاحتفال بحب وفرح سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم متعدّد الأشكال فلا داعي أن يفرض الحب والفرح على من يحب ويفرح بسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بفطرته السّليمة النقية.
وسوم: العدد 749