طِيبُ النفس من النعيم
حديث قليل الكلمات، كثير العِبر والعِظات، غنيّ بالتوجيهات، زاخر بالإضاءات، في قضايا الحياة.
يقول النبي (ﷺ): (لابأس بالغِنى لِمَنْ اتقى، والصحة لمن اتقى خير من الغِنى، وطِيب النفس من النعيم). صحيح الجامع 7182.
(لابأس بالغِنى لمن اتقى)؛ فالمال عَصَب الحياة، ولابدّ منه لتلبية حاجاتها، فلامَعْدى عن تحصيله، والسعي لِكَسْبه، حتى يُغني المسلم نفسه عن السؤال، ويحفظ ماء وجهه، على أن يبقى ذاك المال وسيلة لا غاية، نحصُل عليه لننفقه في عيْشنا، لا لنجمعه ونُعدّده، ونحن نحسب أنه سيمنحنا البقاء: ﴿جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ(2) يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ(3)﴾.
لهذا قال(ﷺ): (لمن اتقى) بعد قوله (لابأس بالغِنى)، فيكون المال في يده ليُنفقه، وليس في قلبه فيحبسه.
ثم يستدرك (ﷺ) على من يفرح بالغِنى ويجعله غايته الأولى، ليُبيِّن له أن الصِّحة أغلى، فقال: (والصحة لمن اتقى خير من الغِنى)، فلو أن منْ مَلَك مالاً كثيراً فقد الصِّحة، وسكنت الأمراض بدنَه، لكان ماله شرًّا عليه وليس خيرًا له، لأنه لن يستمتع به وهو مريض، بل سيُسأل عنه: من أين اكتسبه، وفيما أنفقه، أو حبَسَه ومَنَعَه عن مستحقيه. لهذا كان المال خيرًا للعبد الصالح الذي يتقي الله فيه؛ فإذا لم يتَّقِ الله فيه لم يكن خيرًا له (نِعْم المال الصالح للرجل الصالح). البخاري.
وكانت الثالثة (طِيب النفس) خيرًا من الأولى والثانية، مِن المال ومِن الصحة، لأن الصحة والمال إنما يُراد بهما الوصول إلى التنعُّم، ولهذا قال (ﷺ): ( وطِيب النفس من النعيم).
وقد يصل العبد المؤمن إلى طِيب النفس دون مال ودون صحة، لأن طيب النفس يأتي بالرِّضا؛ الرضا بالله سبحانه، كما قيل: لايشعر المؤمن بحقيقة الإيمان إلا إذا غدا أو راح وهو راضٍ عن الله.
ولقد كان وعد الله سبحانه، لمن عَمِل صالحاً من المؤمنين، أن يُحييَه حياة طيِّبة في الدنيا، فقال عز وجلّ: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.
قال ابن كثير: والحياة الطيبة تشمل وجوه الراحة من أي جهة كانت، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: إنها هي السعادة.
اللهم ارزقنا مالًا حلالًا طيِّبًا مباركًا فيه، وأَوْزِعنا شكرك عليه، وصحة وعافية تُسخِّرهما لنا لِتكونا في طاعتك، ونفسًا طيبة ترضى بك وبدينك وبنبيك (رضيتُ بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد (ﷺ) نبيًّا ورسولًا).
وسوم: العدد 753