عن " طل الملوحي " مذكرات لم تدون من قبل
طل الملوحي ، الفتاة الذكية ، التي بدأت بالكتابة منذ سن صغيرة ، فكتبت عن فلسطين وعن سوريا ، وعن الاستعمار وسايكس بيكو ، لم تكتب شئ عن حياتها الخاصة ولا عن شعورها وأحاسيسها وقلبها الصغير الدافئ دفئ قلب الوطن .
وإذا ماكتبت عن الوضع بسوريا لم تكن كتابتها إلا مناشدة يتيمة لرأس النظام دعته فيها إلى الاصلاح في في فترة أطلق عليها النظام وقوى اعلان دمشق اســم " الربيع العربي" خاطبته حينها "كرئيس يحتم عليه منصبه وقف الفساد المستشري"وأضافت تطالبه بالاسراع في عملية التحوّل الديمقراطي بالبلاد ولم يكن وقتها عمرها قد بلغ التاسعة عشر من العمر نشرها لها موقع "النادي السوري"
كانت طل إحدى كاتبات " الخطوة" المجلة الشهرية التي كنت أصدرها في النمسا ، و كتاباتها كانت من ارق الكتابات التي تصل هيئة التحرير .
ثمان سنوات مرت على اعتقالها ثم سجنها الذي استند إلى قرار الحكم الجائر بحقها عندما أصدرته محكمة أمن الدولة العليا في شهر فبراير/شباط عام 2010 .
لم تزجر طل ضابطا في أجهزة القمع ، ولا جنديّ جلاد لتعاقب هذا العقاب ..
عندما وصلت دمشق فاجأتني بمكالمة هاتفية وقالت لي عن خبر كتبه السيد عامر العظم في موقعه الألكتروني يقول فيه بما يعني أن الدكتور هيثم مناع موجود الآن في دمشق ببيت أخيه ، وأتمنى له أن يصبح وزيرا " وطلبت مني مباشرة أن أعطيها رقم هاتفه في دمشق ، اعتذرت منها لأني أحمل رقمه في باريس فقط ، فطلبت مني أن أبحث لها عن رقمه بدمشق بأي طريقة كانت ، اتصلت ساعتها باحدى رفبقات حزب العمل الشيوعي * 1 وطلبت منها أن تعطيني رقمه في دمشق ، فاعتذرت الرفيقة بدورها وقالت " هيثم عاد البارحة إلى باريس " لكن بامكانها زيارتي إن أحبت ذلك .
اتصلت ب " ُطل " وقلت لها أن تتصل بالرفيقة الشيوعية ربما تساعدها في مسائل وقضايا حقوق الانسان التي اهتمت بها " طل" .
ثم اتصلت ثانية بالرفيقة الشيوعية لأطمئن إلى طل ، فقالت الرفيقة ان طل بنت صغيرة حبابة ولطيفة ، قلت لها ، والكلام للرفيقة الشيوعية ، أن اهتمي بفحصك للشهادة الثانوية التي أتيت سوريا لتقدميه .. أتمنى لكِ نجاحا موفق .
تركت الموضوع ، ولم يمضي اسبوع إلا واتصلت طل ثانية ، قالت : ألا تسأل عني ، سامحك الله ، قلت لها كيف حالك يا آنسة طل ؟ كيف البابا والماما .. ماذا جرى لفحصك ..
طمأنتني عن والديها وقالت لي أن جهازا من أجهزة القمع المسماة زورا أجهزة أمن طلبوها للتحقيق ، وصادروا منها جواز سفرها ، فقلت لها : انتبهي لنفسك ، وانشاء الله تمر ّ على خير .
ثم وبعد ايام اتصلت ثانية لتقول لي أن جهاز " الامن .. !!" صادر منها حاسوبها " اللاب توب" ..
كانت تخبرني بالموضوع وهي خائفة من يمنعوها من العودة لأبيها وأمها .. انشغل بالي مثلها على نفسها لعلمي بحقارة هذه الأجهزة القمعية واجرامها اللامحدود ، ثم وفي ظهيرة يوم صيفي اتصلت بي وفاجأتني بخطابها لتقول لي : أستاذ ربحان لماذا لاتعود إلى الوطن ؟ ، يمكنك ذلك ولاخوف عليك ...
فهمت على الفور انها مقابل محقق مجرم كان قد أمرها بمخاطبتي بهذا الشكل سيما وأن اجرة الهاتف من سوريا إلى النمسا مكلف جدا ولا يمكن أن تطيل الحديث لوماكانت مجبورة على الحديث معي بهذا الشكل ، فقلت لها مباشرة ، انتبهي هؤلاء كلاب لا تؤمني لهم ، وماهي إلا لحظات وودعتني .
كشفت فيه ادعاءات وأكاذيب النظام في الحكم على طل الملوحي وعمرها لا يتجاوز التاسعة عشر عاما َ خاصة اتهامه لها بالعلاقة مع ضابط نمساوي ولم يكن عمرها يتعدى الخمسة عشر عاما ، لأن عائلتها هاجرت الوطن وهي في الخامسة عشر ربيعا .
إضافة إلى أن النظام يمنع أهالي المدن السورية من زيارة نبع الفوار ، القرية التي تتركز فيها جنود قوة الأمم المتحدة لمراقبة فصل القوات في هضبة الجولان فكيف لفتاة عمرها 15 عاما أن تتنقل بين حنص في وسط سوريا إلى نبع الفوار بأريحية .. إنها كذبة مكشوفة .
وعلى الرغم من أن طل الملوحي أنهت حكمها عملياً في 26/12/2014، بعد قرار محكمة جنايات حمص بإعفائها من ربع المدة فان نظام القمع لايزال يحنفظ بها داخل زنازين قمعه دون الاشارة إلى مكان تواجدها ، أو أي خبر عنها بحيث أصبحت الشابة التي كتبت عن الوطن في عداد النساء المقودات في سجوم وأقبية تعذيب نظام الأسد .
تضامني مع عهد التميمي التي نهرت الجندي الاسرائيلي ذكرني بالصبية التي لاتزال معتقلة في زنازين نظام الأسد ، وحبذا لو أن المتضامنون مع " عهد " ، يتضامنوا مع " طل " التي انضم إلى جانبها في زنزانة أخرى محاميها الأستاذ خليل معتوق العاشر من شباط لعام 2012 .
أطالبكم يا أصدقائي ويا أصحاب الضمير ، ويا أيها الناشطون في مجال حقوق الانسان أن تتضامنوا مع طل وعهد حتى يتحررا من الاعتقال وتنبلج شمس الحرية
والكرامة في شرقنا المحكوم عليه بالقمع والاستبداد .
وسوم: العدد 754