ازدياد قوّة الشيقل تُهدد الصناعة الإسرائيلية
مركز القدس لدراسات الشأن الاسرائيلي والفلسطيني
شهدت الأيام الأخيرة تراجعاً كبيراً للدولار أمام الشيقل، وخلال شهر كانون أول فقط من العام 2017، قام البنك المركزي في إسرائيل بشراء 100 مليون دولار، وكان الهدف من ذلك، دعم استقرار الدولار مقابل الشيقل، حيث شهد الدولار خلال العام 2017، تراجعاً أمام قوّة الشيقل، يُذكر أنّ الاحتياطات النقدية من العملات الأجنبية في بنك اسرائيل، تبلغ 113 مليار دولار.
ورغم المحاولات المتكررة لبنك اسرائيل، من أجل كبح جماح الشيقل أمام الدولار، من خلال شراء مئات ملايين الدولارات من السوق، إلّا أنّ ذلك لم يكن ممكناً في ظل التراجع العالمي للدولار، وهذا ما من شأنه أن يؤدي إلى أضرار كبيرة في قطاع الصناعة الإسرائيلية، والتي تبلغ سنويّاً 100 مليار دولار، وتُشغلّ 350 ألفاً.
هذه الأضرار مردها، إلى أنّ اسرائيل، دولة صناعية، تعتمد على التصدير كأحد مصادر الدخل، والقوّة الاقتصادية، حيث أنّ صادراتها بالدولار، فيما أنّ مصاريفها التشغيلية بالشيقل، الأمر الذي يُسهم في خسارة المشغل، فقبل عامين كان الدولار يُعادل 3.85 شيقل، أمّا اليوم فيعادل تقريباً 3.42 شيقل، أيّ أنّ فارق العائد على المشغلين أكثر من 40 مليار شيقل.
علاوة على زيادة قوّة الشيقل وأثرها على السيولة النقدية للمشغلين، فقد جاء ذلك في ظروف تعيش فيها "إسرائيل" ارتفاعاً لمستوى المعيشية، وللمصاريف التشغيلية، كأسعار الكهرباء، الماء، وكذلك النقل والمواصلات، إلى جانب رفع الحد الأدنى للأجور مرتين خلال الثلاث سنوات الأخيرة، وهو ما ساهم في فقدان الكثير من المصانع قدرتها التشغيلية واغلاق أبوابها.
ووفق نتنائيل هايمن، وهو رئيس قسم الاقتصاد في اتحاد الصناعيين، أنّ ما وصل إليه سعر العملات مقابل الشيقل وتحديداً الدولار، أدى إلى ضعف الانتاج الاسرائيلي، وسيؤدي إلى اغلاق مصانع جديدة، ووفق نتنائيل، أنّ كلّ مصدّر كان معتاد على ربح 10%، وفقط في العام 2017، خسر 10% بسبب تراجع قيمة الدولار أمام الشيقل، وأضاف أنّ الكثير من المصانع بدأت الحديث عن نقل مقارها إلى الصين أو شرق اوروبا، وهي ظاهرة باتت تتوسع في اسرائيل.
ويُطالب اتحاد الصناعيين الاسرائيلي بقوّة إلى ضرورة التدخل الجاد من قبل البنك المركزي، لإيقاف تراجع قوّة الدولار أمام الشيقل، حيث اتهم الاتحاد البنك بأنّ تدخلاته لم تصل إلى الحد الجاد المطلوب للوقوف بجانب الصناعة الإسرائيلية، ملوّحين باتخاذ اجراءات تصعيدية، قد تؤدي إلى المساس بالمسيرة الاقتصادية ككل.
أمام هذه المعطيات فإنّ استمرار قوّة الشيقل وتراجع الدولار سينعكس على الاقتصاد الإسرائيلي ككل، وإن كان ذلك على المدى البعيد، حيث يُعتبر الاقتصاد الإسرائيلي من الاقتصادات القوّية، والتي تُسجل نسبة نمو من الأعلى اذا ما قورنت مع اقتصادات اوروبا، وستكون التأثيرات على النحو التالي:
أولاً: تسريح الكثير من اليد العاملة، كما حدث في الشهر المنصرم، عندما قامت شركة تيبع للأدوية، بتسريح مئات العمّال واغلاق العديد من المصانع في الكيان، الأمر الذي سيدفع الحكومة للتدخل وتحمل اعباء اضافية.
ثانياً: قد يُسهم ذلك إلى بداية هجرة للعقول من اسرائيل، وقد شهدت السنوات الاخيرة موجة عودة للروس اللذين هاجروا إلى اسرائيل الى روسيا، وجزء منهم عللّ ذلك إلى تراجع الأوضاع الاقتصادية.
ثالثاً: فقدان الكثير من الاعمال الصناعية المتوسطة، التي لا تستطيع الصمود في وجه الهزات القوّية، الأمر الذي سيفتح المجال أكثر لأرباب المال، وحيتان السوق في بسط سيطرتهم، وهذا سينعكس على تراجع الطبقة الوسطى، والتي شهدت تراجعاً بنسبة 7% في اسرائيل خلال الخمس سنوات الأخيرة.
رابعاً: استمرار تراجع الاستثمارات الخارجية، والتي تراجعت بنسبة 31% في العام 2017، بالمقارنة مع الأعوام السابقة، الأمر الذي سينعكس بشكل كبير على المدى البعيد اقتصادياً على الدولة العبرية.
خامساً: تراجع نسب النمو، وبالتالي ارتفاع نسبة العجز في الميزانية الإسرائيلية، والتي من المتوقع أن تصل 2.5% في العام 2018، رقم مقبول لكن من المرشح الازدياد في السنوات القادمة.
ختاماً، الاقتصاد الإسرائيلي من الاقتصادات القوّية، إلّا أنّ تراكم التحديات خلال السنوات الأخيرة، قد يُؤدي إلى تراجع وأعباء من الصعب على الحكومة تحمّلها، وقد وصف شرجا بروش، قبل أيام، وهو رئيس اتحاد الصناعيين في اسرائيل، الاقتصاد الإسرائيلي على أنّه في وضع غير جيد، في ظل أنّ صادراته الصناعية تراوح مكانها منذ 5 سنوات، محمّلاً تراجع قوّة الدولار أمام الشيقل جزءاً كبيراً من المسؤولية.
وسوم: العدد 755