جهة الشرق تؤكل غلتها وتفقّر ساكنتها
جهة الشرق هي إحدى الجهات الإدارية في التقسيم الجهوي الجديد للمملكة المغربية المحدث سنة 2015 بعد دستور 2011 وتبني الجهوية الموسعة سعيا وراء تطبيق اللامركزية. ويحد هذه الجهة من الشمال البحر الأبيض المتوسط ، ومن الجنوب المنطقة شبه الصحراوية ، ومن الشرق القطر الجزائري ، ومن الغرب جبال الريف . وتعتبر هذه الجهة البوابة الشرقية الرابطة بين القارة الإفريقية والقارة الأوروبية عبر ميناء على البحر الأبيض المتوسط ، و عبر مطارين ، كما أنها بوابة تربط المغرب بالدول المغاربية ، ودول الشرق الأوسط برا . وتتنوع طبيعة الجهة ففيها البحر والجبل والسهل والسهب ، ويقطعها نهر ملوية، وهو من أكبر أنهار المغرب ويوجد عليه سدان ، وتكسو الغابات جبالها كما تكسو الحلفاء سهوبها . ولقد تعرضت ثروتها المعدنية المتمثلة في الفحم الحجري ، والرصاص وغيرهما لعملية سطو من طرف المحتل الفرنسي الذي استنزف معظمها ، وكان الفحم الحجري يوفر ما يزيد عن 30 في المائة من الطاقة الكهربائية للبلاد ، وخلال فترة الاحتلال كان المحتل هو المستفيد من هذه الطاقة المستنزفة. وكان من المفروض أن يتابع المغرب قضائيا المحتل في قضية سرقة ثروات هذه الجهة المعدنية والفلاحية على حد سواء .وتبدو اليوم المناطق التي استنزفت ثرواتها المعدنية منكوبة .
ولهذه المنطقة مقدراتها من الثروة السمكية ، ومن ثروة الماشية وهي من النوع الجيد ، ومن الحوامض وهي أيضا من النوع الجيد . ولها شاطيء من أجمل شواطىء العالم ، ولها مناطق جبلية ذات مناظر خلابة مؤهلة للسياحة الجبلية ، ولها أجمل واحة مغرية بالسياحة أيضا ، وفيها مناطق قنص في الجبال والسهوب . وإذا ما قورنت مقدارتها المعدنية والفلاحية والسمكية والحيوانية والسياحية بنسبة الكثافة السكانية أمكن القول بأن ثروتها كافية لتوفير العيش الكريم لساكنتها، علما بأن نسبة مهمة من هذه الساكنة مهاجرة في دول أوروبا ،وهي توفر رصيدا مهما من العملة الصعبة للبلاد . ونظرا لموقع الجهة الجغرافي بين حدود مغلقة مع الجارة الجزائر لعقود ، وقد تعطل بسبب ذلك الرواج الاقتصادي معها ومع الدول المغاربية ، وبين مدينة مليلية المحتلة من طرف المحتل الإسباني فقد فرضت عليها تجارة السوق السوداء المدمرة للاقتصاد الوطني عكس ما يعتقد. ولا يمكن اعتبار تجارة السوق السوداء ممارسة اقتصادية سوية . ولقد مورست هذه التجارة في هذه الجهة لعقود ،ولم تعد على الساكنة بطائل أو نفع بل عطلت التفكير الجاد في بناء اقتصاد حقيقي ينهض بالجهة . ومعلوم أن القطيعة مع تجارة السوق السوداء يفسح المجال أمام المبادرات الاقتصادية الحقيقية ،ولنضرب مثالا على ذلك باختفاء تجارة الوقود المهرب واختفاء المقاتلات الناقلة له ، وزوايا عرضه في الأزقة والشوارع ، وفي المقابل انتشرت محطات الوقود. ويمكن أن تزول كل أنواع تجارة السوق السوداء إذا ما تم التفكير الجاد في بدائل عنها على غرار ما وقع بالنسبة للوقود .
ولا يعقل أن تؤكل غلة هذه الجهة وتفقّر ساكنتها ، ومن حقها أن تحصل من باقي جهات الوطن على قدر ما تقدم لها ،وألا تكون القسمة ضيزى بينها وبين غيرها. ومعلوم أن ما يغري المستثمرين بالاستثمار هو توفير الظروف المناسبة للاستثمار من قبيل الشبكة الطرقية الجيدة ، وسكة الحديد . فما الذي يؤخر إنشاء الطريق السيّار بين شمال هذه الجهة وجنوبها على غرار الطريق السيّار بينها وبين وسط وغرب البلاد ؟ وما الذي يمنع من إنشاء خط سكك مزدوج ومكهرب من مدينة وجدة إلى مدينة فاس ؟ ومن مدينة وجدة إلى مدينة بوعرفة؟ وكيف يمكن للمستثمرين المغامرة بمشاريعهم في جهة تكون المسالك إليها على هذه الحال ؟ ومن المعلوم أن منطق المستثمرين هو منطق الربح، لهذا لا بد من إغرائهم عن طريق خلق ظروف مناسبة، بل وأكثر من ذلك لا بد من تسهيلات بالنسبة للرسوم الضريبية لأنه لا يعقل أن يغامر المستثمر بمشروع في هذه الجهة فيواجه من أو وهلة برسوم ضريبية مبالغ فيها تجعله يعلن الإفلاس ، ويرحل دون رجعة .
إن مشروعا سياحيا يمتد ما بين شاطئي السعيدية ورأس الماء والناظور و جبال تافوغالت عن طريق مرافق سياحية حقيقية مع إخراج الجهة من عزلتها عبر شبكة طرقية جيدة من شأنه أن يعطي دفعة اقتصادية قوية للجهة ، ويجعلها وجهة سياحية تغري السواح بالحج إليها من كل مناطق العالم بسبب المناخ المتوسطي ، وبسبب عذرية الجهة الطبيعية . إن ما يحدث اليوم في هذه المناطق السياحية عبارة عن ممارسات لا تعدو أنشطة أنشطة بطالة مقنعة كما هو الحال في منطقة تافوعالت على سبيل المثال لا الحصر ، علما بأنه من شأن إنشاء فنادق بها وبمرافق في المستوى كالمسابح و إنشاء المنتزهات أو الحدائق، و حتى باصات كهربائية معلقة ولما لا ، ومرافق رياضية ... أن تجعل الإقبال كبيرا عليها . فإذا كان الزوار يقبلون عليها اليوم ،وهي بدون فنادق ومرافق، فكيف يكون الإقبال عليها إذا ما تمت العناية بها ؟ ونفس الشيء يقال عن المناطق الجنوبية للجهة ابتداء من منطقة جرادة ، وتويست، وكافيت إلى واحة فجيج .
وأخيرا نخاطب المسؤولين المنتخبين والحكوميين على حد سواء ونقول لهم إذا كنتم لا تستطيعون النهوض بالجهة ،فما عليكم إلا الرحيل مشكورين ، وفسح المجال لمن يستطيع ذلك ، لأنكم لستم قدرا مفروضا عليها ، ولا الأرحام عقيمة لتلد من يكون مكانكم، ويسد مسدكم ، ويكون عطاؤه أكبر من عطائكم . وهذه الجهة لا تريد المتمسكين بالكراسي والمناصب والطامعين في الامتيازات بل تريد من تكون لديه الرغبة الصادقة في النهوض بها وإخراجها من وضعية المغرب غير النافع التي خلقها المحتل الفرنسي ولا زالت كذلك بعد مرور العقد السادس من رحيل المحتل.
وسوم: العدد 756